بعدما شملت جل المواد
دروس الدعم ظاهرة غير صحية

- 688

❊ الدروس الخصوصية تسيء لنمو عقل تلميذ الابتدائي
يعود الحديث عن الدروس الخصوصية، عند اقتراب موعد التقويمات والاختبارات، وبعدما تحولت إلى أمر مفروغ منه بالنسبة لطلبة الباكالوريا وشهادة التعليم المتوسط، تسير شيئا فشيئا لتفرض نفسها وبقوة، على تلاميذ الطور الابتدائي، وهو ما يعكسه الإقبال الكبير للأطفال، وفي كل المستويات، من الأولى ابتدائي وإلى الخامسة، على مدارس الدعم، فهل أصبح التعليم الموازي مرافقا للتعليم الرسمي، حتى في الطور الابتدائي؟.
تعددت واختلفت تسميات مدارس الدعم من "النجاح" إلى "التفوق" إلى "الطريق نحو النجاح"، وغيرها من التسميات، إذ تتنافس فيما بينها من أجل استقطاب أكبر عدد من التلاميذ، والغريب في الأمر، أن بعضها بدأ يتخصص، ففي الوقت الذي نجد بعض المدارس تفرد برامج للدعم والمراجعة لطلبة الباكالوريا فقط، نجد أخرى تهتم بالمقبلين على اجتياز شهادة التعليم المتوسط، بينما اختارت أخرى مرافقة الأطفال بالطور الابتدائي، وهو ما وقفت عليه "المساء"، خلال استطلاع أجرته مع بعض العينات بمدينة العفرون في ولاية البليدة، إثر تواجدها في إحدى المدارس التي اختارت التخصص في مرافقة ودعم المتمدرسين في الطور الابتدائي فقط.
اتضح بأن الدعم لم يعد يقتصر على مادة معينة، قد يتعذر على التلميذ فهمها، والتي عادة ما تكون الرياضيات أو اللغة العربية، بل تعداه إلى جميع المواد، حيث نجد، حسب ما رصدته "المساء"، على لسان سيدة، قالت بأنها سجلت ابنها في كل من مادة الرياضيات واللغة العربية والفرنسية والإنجليزية، بمعدل 250 دينار عن كل حصة، وهو لا يزال في السنة الثالثة ابتدائي. وحسبها، فإن السبب في ذلك، السرعة في المنهاج، الأمر الذي جعل من الصعب على ابنها مواكبة هذه السرعة وفرض عليها حتمية الدعم.
بينما أشارت مواطنة أخرى، إلى أنها وجدت نفسها مضطرة إلى دعم ابنها في بعض المواد، خاصة الرياضيات والفرنسية والإنجليزية، وعلقت بالقول: "ابني يدرس السنة الثالثة ويجد صعوبة في التفرقة بين اللغتين الإنجليزية والفرنسية، لذا قررت مساعدته، على الأقل ليتمكن من التفريق بينهما، بفضل دروس الدعم"، بينما ذهبت أخرى إلى أبعد من ذلك، بالقول بأن المنهاج الدراسي في الطور الابتدائي مكتظ، ولم يعد في وسع ابنها فهم ما يقدم له من دروس، وقالت من جهتها: "أمام انشغالي بالعمل وعدم قدرتي على تخصيص وقت له للمراجعة، فقررت أن ألحقه بدروس الدعم في المواد الأساسية، لتبقى مواد الحفظ على عاتقي".
دروس الدعم وشخصية الطفل
في هذا السياق، طرحت "المساء" السؤال التالي على مختصين في المجال، فحواه: "إلى أي مدى تؤثر دروس الدعم على شخصية الأطفال، في ظل كثافة المنهاج الدراسي؟، حيث قال الأستاذ عبد العزيز بوسالم، مختص في علم النفس التربوي، بأن الأولياء يرتكبون خطأ كبيرا بالدفع بأبنائهم في الطور الابتدائي إلى دروس الدعم، لما في ذلك من تأثير سلبي على نموهم وشخصيتهم، وحسبه، فإن دروس الدعم في هذه المرحلة العمرية ظاهرة غير صحية، وتسيء إلى الأطفال بشكل كبير، لأنها تشحن رأس التلميذ بمعارف كثيرة، لا يحتاج إلى أغلبها، وسرعان ما ينساها بعد وقت وجيز. مؤكدا أن الطفل في الطور الابتدائي، أكثر ما يحتاج إليه هو الاهتمام بتكوين الشخصية والتركيز على الجانب الوجداني والنفسي والشخصي للمتعلم.
وأوضح المختص، من جهة أخرى، بأنه يفترض أمام كثافة البرنامج في الطور الابتدائي، ما يقدم لهم بالمدارس كاف، حتى لا تؤثر على نموهم و توازنهم الشخصي، مشيرا إلى أن القول بعدم فهم التلميذ، هي مسألة نسبية يمكن تجاوزها في المدارس دون الحاجة للدعم الخارجي، مرجعا السبب الرئيسي في تفشي الدروس الخصوصية لدى هذه الفئة إلى الأولياء بالدرجة الأولى، الذين يندفعون من باب التقليد والخوف من عدم تحصيل الأبناء لنتائج جيدة، إلى إقحامها في عالم الدروس الخصوصية، بالتالي فإن الدافع نفسي اجتماعي لدى الأولياء لبلوغ نشوة النقطة الجيدة، أكثر منه تربوي معرفي.
الهدف من العملية التعليمية في الطور الابتدائي، حسب المختص في علم النفس التربوي، ليس إكساب الطفل لكم هائل من المعارف، إنما هو التركيز على الجانب غير المعرفي، ممثل في تعليمهم الاحترام، الانضباط، تقدير الآخر، التعاون، المبادرة، التحاور والتعبير اللغوي، مردفا بقوله: "بالتالي أنبه الأولياء إلى توخي الحذر من الوقوع في فخ الدروس الخصوصية، والاعتقاد بأنها السبيل الذي عن طريقه يفهم وينجح التلميذ "، يوضح: "بل على العكس، ما يحتاج إلى فهمه الأولياء، خاصة الأمهات، أن ما يقدم لهم في هذه المرحلة من التعليم بالمدارس، كافٍ، بل نعتقد كمختصين أنه كثير عليهم".
وفي الختام، أشار إلى أنه على الأولياء مراعاة النمو المعرفي والعقلي وطاقة استيعاب الأبناء، حتى لا ينفروا من العملية التعليمية، مع التركيز على الأنشطة الترفيهية وممارسة الرياضة من أجل التأسيس لطفل سوي.