طباعة هذه الصفحة

السرقة صفة ذميمة تُكتسب قبل بلوغ السابعة

داء يعرّض المجتمع للعلّة ويهدد راحته

داء يعرّض المجتمع للعلّة ويهدد راحته
  • القراءات: 587
❊  نور الهدى بوطيبة ❊ نور الهدى بوطيبة

يعاني بعض الآباء مع أطفالهم من مشكل عويص يجهل الكثيرون التعامل معه، والمتمثل في سرقة بعض الأشياء التي يسهل عليهم أخذها حتى وإن لم تكن ملكا لهم، حيث يستمتع بعض الصغار بذلك ولا يعرفون خطورة سلوكهم، ما يجعلهم ينشأون على تلك العادة السيئة، التي تصبح بذلك جزءا من شخصيتهم لا تزول مع التقدم في السن، لتتحول من سرقة ألعاب صغيرة إلى التمادي في أشياء ذات أهمية كبيرة، تحوّل ممارسها إلى سارق يتحاشاه الناس ولا يثق فيه أحد أبدا.

تَبيّن من الاستطلاع الذي أجرته "المساء"، أن العديد من الأولياء يعانون من مشكل سرقة أطفالهم أشياء مختلفة، مشيرين إلى أن المشكل يتفاقم كلما يكبر الطفل، ويزداد حدّة من خلال الممتلكات المسروقة، لتنتقل الظاهرة من البيت إلى العائلة الكبيرة، ثم المدرسة، ومنها المجتمع كافة. وأشار أغلب من حدثناهم إلى أنه كلما كان الحديث مع الطفل عن ضرورة الكف عن تلك العادة السيئة كلما تمرّد أكثر، وأصبحت بمثابة لعبة بالنسبة له، فيلجأ بعدها إلى السرقة وإخفاء الأمر بعدما كان في البداية يحمل ملكية الغير ويبوح بذلك لأحد الوالدين. وأكد محدثونا أن الكذب والسرقة غالبا ما يجرّان إحدى الصفتين؛ إخفاء الأمر أو التهرب من عقاب الوالدين.

كما اتّضح من خلال استطلاعنا أن أربعة أشخاص من بين خمسة تعرّضوا ولو مرة واحدة في حياتهم، للسرقة، وأغلبهم يجهلون من السارق. وأوضح البعض أن ما اختفى من أموالهم أو هواتفهم أو مجوهراتهم سُرق من البيت مباشرة، الأمر الذي يضع بعض زوار المنزل من العائلة أو الأصدقاء، في خانة الاتهام، فيصنَّفون ضمن الأشخاص الذين لا بد من الحذر منهم أو قطع العلاقة بهم نهائيا.

الخبير في المرافقة النفسية عبد القادر معسفنصفة مكتسَبة وليست بالفطرة

عن هذا الموضوع تحدثت "المساء" مع عبد القادر معسفن خبير في المرافقة النفسية، الذي أشار إلى أن السرقة مثلها مثل الكذب، من أكثر الدخائل التي قد يحملها الطفل كصفة وخيمة يتميز بها بعض أقرانه، وهي منتشرة كثيرا وسط الأطفال حتى قبل بلوغهم سن المراهقة، وهذا راجع، حسب الخبير، إلى أسباب عديدة، لكن تبقى المسؤولية على عاتق الأولياء قبل غيرهم، وليس الطفل؛ لأنّه لازال يجهل في تلك السن الفرق بين الصفات الحميدة والذميمة، وعلى الأولياء توضيح الفرق بين ذلك.

وأوضح المتحدّث أن الطفل يمكنه حمل هذه الصفة بالملاحظة، فإذا، مثلا، نشأ في بيئة تسمح بالسرقة حتى في أبسط الأمور؛ كأن يشاهد أمه تأخذ مال أبيه بدون طلب منه، أو عكس ذلك أو مثلا أخذت شيئا وأخفته عن غيرها، بمثل هذا التصرف يظهر للطفل وكأن تلك السلوكات صحيحة ولا ضرر فيها.

أما على صعيد ثان، فقال معسفن إن السرقة هي صفة مذمومة مكتسبة وليست بالفطرة، فالإنسان يولد على فطرة صحيحة وصافية بنيّة خالصة وبريئة، لكن المحيط الخارجي وبعض العوامل النفسية هي التي تؤدي إلى اكتساب صفات دخيلة منها الحميدة وأخرى منبوذة، على غرار السرقة أو الكذب، فالحرمان يخلق تلك الصفات الخاطئة، ما يؤدي بالطفل إلى الكذب أو السرقة، ويخلق عنده توترا في تفكيره وعدم اتزان في شخصيته، وبذلك يجب على الأولياء منح الطفل الحرية مع مرافقته في خطواته الأولى من تكوين الشخصية التي تكون قبل 6 سنوات، وهي المرحلة المهمة لغرس القيم والمبادئ، فإذا استُهين بأهمية المرحلة تَسبّب ذلك في تكوين شخصية غير سوية، تحاول تعويض الحرمان بسلوكات مخالفة عن السوية، يضيف معسفن. ويُقصد بالحرمان من تزوّد الشخص بالقيم والمحبة اللازمتين لتعويض نقص في جانب آخر وليس فقط الحرمان المادي، حيث يقول: "نلاحظ أنّ هناك كثيرا من الأطفال من أسر ثرية ولا يحتاجون أيّ شيء ولم يسبق لطفلهم أن عاش حرمانا ماديا، لكنه تلقّى حرمانا معنويا وتربويا في غرس المبادئ، وهذا يجعل رصيده القيمي فقيرا، وبذلك يبحث عن السرقة بدون تبرير دوافعها، ويعشق بذلك امتلاك ما ليس ملكه حتى وإن كان في غنى عنه، ويبقى متبنيا ذلك الأسلوب حتى إن تقدم في السن، ويتحول السلوك من مجرد سلوك لا يؤذي به الكثيرين إلى سلوك خطير له أثر اجتماعي وخيم ويعاقب عليه القانون، وبذلك يعاني الأمرّين؛ النفور من المجتمع والقضاء على الحرية، وهو ما يعاقب عليه القانون بالسجن.

أضاف المختص أن الطفل لا يدرك عواقب أعماله إلا بعد بلوغه سن السابعة. ففي هذه المرحلة وبمساعدة أوليائه، يصبح يفرّق بين الحلال والحرام والمكروه والمستحب، ويدرك تماما الطفل حقيقة ذلك لا أحد يمكنه قول عكس ذلك، فتفكير الطفل في هذه المرحلة يكون مشبّعا بالمعلومات، وكل معلومة لا بد على الأولياء من ترتيبها في مكانها المناسب؛ الحديث والحوار والحث، والنهي والأمر بالمعروف وغير ذلك؛ فإذا لم تعالَج كل المشاكل قبل تلك المرحلة تصبح العادة تمارَس على وعي بخطورتها، ويدرك صاحبها ما يترتب عنه من إيذاء للغير، وأن ذلك لا يدخل في باب الاحترام لا لشخصية من حوله ولا لممتلكاته، ويرى بذلك أن كل شيء يجوز ومشروع، فيتحول إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة.

الإمام والمستشار الأسري عمار مايدةالسرقة مرض لا بد من علاجه

على صعيد ثان، وصف عمار مايدة ـ إمام مسجد ومستشار أسري ـ السرقة بالمرض، حيث قال إن الأشخاص الذين يتسمون بهذه الصفات الرديئة يعانون من مرض حقيقي يصعب علاجه، لاسيما إذا تقدم هؤلاء في السن، مشيرا إلى أن المشكل يمس الجنسين ليس الرجل فقط أو المرأة، ولكن الاثنين وبنفس القدر؛ قال: "إن الدليل على ذلك تسجيل الكثير من الحالات لنساء فقدن ممتلكاتهن داخل البيوت أثناء وجود، مثلا، نساء فقط فيها، حيث يحملن مجوهراتهن أو أواني أو أي شيئ قد يعجبهن، وهي حال الرجل أو الشاب كذلك، إلا أن البيئة تختلف، وفعل السرقة في حد ذاته مذموم من دون النظر في قيمة المسروق، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن البعض لا يسرقون بدافع الحاجة وإنما يسرقون لسهولة بلوغهم ما هو غير ملكهم، وهذا خطير جدا؛ لأن ذلك يجعل المحيطين بالسارق في غير أمان، ومهدَّدين أو معرَّضين دائما لاختفاء ممتلكاتهم مهما كانت ثمينة أو هم في حاجة ماسة إليها.

وأضاف الإمام أن الإسلام حرم السرقة بآيات وأحاديث نبوية لا تقبل التشكيك، ووضع حدا قاسيا لردع كل من تسوّل له نفسه القيام بها، ويتم الحد بقطع يد السارق لقوله تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم"، وهذا لكونها تمادٍ على حقوق الغير وممتلكاتهم، مشيرا إلى أن السارق لا يتعلم السرقة إذا كانت له قيم مغروسة منذ الصغر، فعلى الأولياء أداء ذلك الدور؛ بحث الأطفال على التحلي بالصفات الحميدة، والابتعاد عن ما هو مسيء للغير. وقال محدثنا إن عدم الثقة في النفس هو الآخر قد يؤدي إلى حمل صفة السرقة؛ لمحاولة الطفل الاندماج في مجموعة ترفض قيمه، وهذا ما يخلق لديه سلوكا غير مناسب، سببه عدم حيازته على قيم حقيقية راسخة تغنيه عن ذلك، وتخلق له حدودا لا بد من الوقوف عليها بدون تخطّيها مهما كان السبب.