يقفون أمام أفران تزيد حرارتها عن 270 درجة مئوية

خبازون يحترقون لسد حاجيات الصائمين

خبازون يحترقون لسد حاجيات الصائمين
  • القراءات: 929
رشيدة بلال رشيدة بلال
يضطر الخبازون خلال شهر رمضان إلى الوقوف أمام الأفران التي تزيد درجة حرارتها عن 270 درجة مئوية، مرات عديدة في النهار لمراقبة الخبز، وأصعب لحظة يخافها الجميع هي وقت إطلاق صفارة الفرن معلنة عن استوائه، حيث يضطر الخباز إلى تحمل لهيبه اللاسع الذي قال عنه كل من تحدثت إليهم "المساء" بأنه يسبب جفافهم لكثرة التعرق، الأمر الذي يجعل هذه المهنة توصف بالشاقة أيام رمضان".
اختارت "المساء" من خلال هذا الاستطلاع، تسليط الضوء على حجم المتاعب التي يتكبدها الخبازون لتحضير الخبز بأشكال وأنواع مختلفة، خاصة أن الطلب على هذه المادة يعرف ذروته خلال الشهر الفضيل، فكانت البداية من مخبزة بشارع طنجة في العاصمة، حيث أطلعنا الخبازون الذين كانوا يعملون، مثل خلية النحل، على جانب من معاناتهم التي تبدأ مع الفرن وتنتهي مع المواطنين، حيث كان بعضهم يشكل الخبز في أشكال دائرية أو زهرات أو نجوم، وآخرون يرتبونها في الصواني، فيما يتكفل آخرون بمراقبة استوائها، بينما يختص البقية بعملية البيع، ولعل أول ما لفت انتباهنا؛ الحرارة الشديدة بالمخبزة، والمنبعثة من الفرن الذي لا ينطفئ إلى غاية انقضاء اليوم لتأمين الكمية المطلوبة، مما يزيد من شقاء ممارسي المهنة، لاسيما في فصل الصيف، وهو ما حدثنا عنه رضا بن حي الذي أمضى 17 سنة في تحضير الخبز قائلا: "تجربتي الطويلة مع الخبز جعلتني أتعود على هذه المهنة وأستعد مسبقا لها عند حلول بعض المواسم وتحديدا شهر رمضان، حيث يكثر الطلب عليه ونضطر إلى تحضير أنواع أخرى يشتهيها الصائمون، مما يعني أن عملية الطهي تزيد عن الأيام العادية بمعدل الضعف".
عمل الخباز يبدأ بعد السحور مباشرة، إذ تبدأ عملية العجن، وما إن يحل الصباح حتى تبدأ عملية الطهو، ومن هنا تبدأ معاناتنا، يقول رضا، مضيفا؛ "لأن الفرن لا ينطفئ إلى غاية حلول المساء وعادة بعد العصر تقريبا، حيث تصل درجة حرارته إلى أكثر من 280 درجة مئوية، لنحضر من 1500 إلى 2000 خبزة يوميا، ولكم أن تتصوروا حجم الجحيم الذي نعمل فيه، فإلى جانب حر الصيف، نعاني من لهيب الفرن الذي يجعلنا نشعر بالجفاف بالنظر إلى التعرق الشديد، الصبر هو سلاحنا الوحيد، وبمجرد أن ينقضي اليوم نقصد الحمام مباشرة للاستحمام، ومنه النوم إلى غاية موعد الإفطار لأن الطاقة تستنزف نهائيا".
من جهته، حدثنا نصير شنفي عن معاناته اليومية قائلا: "مهنة الخباز تعد من أكثر المهن شقاء في رمضان، لأنه يكون ملزما يوميا على تأمين الكميات المطلوبة من الخبز لسد الطلب الكبير عليه، وعادة الطلب يفوق العرض، ويكون أيضا مطالبا بتحمل لهيب الفرن حتى وإن لم يكن مكلفا بمراقبة الخبز بحكم أننا نعمل بنفس المكان، ومع الصيام بقدر ما نشرب من  المياه إلا اننا سرعان ما نشعر بالجفاف حتى وإن لم نقف أمام الفرن، ولعل ما يزيد من قساوة عملنا؛ أمزجة المواطنين الذين بعد كل هذا الجهد لا يفوتون فرصة التعليق، فبعضهم يرغب في أن تكون الخبزة ناضجة إلى درجة الاحمرار، وآخرون خامرة وآخرون طرية، ومن ثمة تلبية كل هذه الأذواق يزيد من صعوبتها لأن إرضاء كل الناس غاية لا تدرك".
ندمت على مهنة يذهب فيها جهدي إلى المزابل
بكثير من الحسرة، حدثنا عمي أحمد شنين، صاحب مخبزة بأعالي بوزريعة، الذي أمضى ما يزيد عن 35 سنة في تحضير الخبز قائلا: "مهنة الخباز من أشقى المهن على الإطلاق، لأننا كخبازين مطالبون بإعداد كميات معينة منه لسد الطلب الكبير وتحديدا خلال أيام رمضان، حيث تكون الكمية مضاعفة، فأنا مثلا يبدأ يومي عند الساعة الثالثة للإشراف على عملية العجن وينتهي عند الساعة الخامسة بعد إخراج آخر كمية من الفرن، وكل الجهد الذي أبذله لا يقارن بالوقوف أمام الفرن، فما إن تنادي صفارة الفرن ينتابني شعور بالرعب لأنني مطالب بفتحه وإخراج الخبز،في هذه الأثناء أستعد نفسيا لمقابلة الحر الشديد الذي ينفثه الفرن على دفعة واحدة، في تلك اللحظة، أشعر أنني جاف نهائيا من الماء ومع الصيام يزداد الأمر صعوبة بالنظر إلى حجم التعب، ولا أخفي عنكم: "يوميا أشعر أنني أفقد بعض الكيلوغرامات من وزني، فلا يخفى عليكم أن هذه العملية تتكرر حوالي 14 مرة في اليوم، حسب الكمية المطلوب  تحضيرها، ويعلق "خوفي من  الفرن لا يتوقف عند فتح الباب فقط لأن إخراج الخبز يحتاج إلى تقنية خاصة، فأي خطأ بسبب تعب الصيام قد ينقلب الخبز الساخن، الأمر الذي يتسبب لنا في كارثة وقد حدث معي هذا، وأصبت بتشوهات مختلفة".
وما جعل عمي أحمد يندم على ممارسته لهذه المهنة نكران الجميل من المواطنين وفي رمضان تحديدا، حيث لا يقدر الصائمون حجم الجهد المبذول لتحضير الخبز في موعده وبالكميات التي تستجيب لكل الطلبات التي تصل إلى حد 500 خيزة يوميا، وما إن يعرض الخبز للبيع حتى تبدأ التعليقات؛ "خبز اليوم يابس... ما تحمرش... نريد خبزا طريا .....وأمام لهفة البعض يتم شراء كميات كبيرة بعد تعليقات عديدة يكون مصيرها كيس الزبالة ويضيف: "منظر الخبز المرمي يعطيني انطباعا بأن جهدي يذهب هباء منثورا وهو ما جعلني أنصح أولادي بعدم ممارسة هذه المهنة".