إدمان الطفل أجهزة الإلكترونية والشاشات
حماية وإرشاد المستهلك تطلق حملة وطنية
- 190
نور الهدى بوطيبة
أطلقت المنظّمة الوطنية لحماية وإرشاد المستهلك، مبادرة وطنية جديدة، تسعى إلى حماية العقول الصغيرة من خطر صامت يتسلّل إلى البيوت دون استئذان. خطر لا يُرى، لكنّه يترك آثاره في السلوك، والتحصيل الدراسي، وحتى في العلاقات الأسرية. وكانت حملة تحسيسية بشعار "طفلك بين يديك... قلّل الشاشات"، استجابة لمجموعة من الدراسات العلمية الحديثة، التي دقّت ناقوس الخطر بشأن التأثير السلبي للإفراط في استخدام الشاشات الإلكترونية، على الأطفال.
جاءت فكرة الحملة بعدما كشفت دراسة كندية حديثة أُجريت على أكثر من ثلاثة آلاف تلميذ في مقاطعة أونتاريو، أنّ الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات الإلكترونية، يسجّلون درجات أقلّ في مواد القراءة والرياضيات مقارنة بأقرانهم الذين يستخدمونها باعتدال. وأوضحت الدراسة أنّ كلّ ساعة إضافية يقضيها الطفل يوميا أمام الشاشة، تقلّل احتمالية تفوُّقه الأكاديمي بنسبة قد تصل إلى عشرة في المائة. وهي نسبة مقلقة، تكشف مدى التأثير العميق لهذه الأجهزة على قدرات الطفل الذهنية، ومستقبله الدراسي.
وانطلقت الحملة من قناعة عميقة لدى المنظّمة، بأنّ المستهلك ليس، فقط، من يشتري سلعة أو يستخدم خدمة، بل هو، أيضا، الطفل الذي يستهلك المحتوى الرقمي في عالم مفتوح بلا حدود. ومن هنا ارتأت المنظمة أنّ من واجبها توجيه الأسر نحو وعي جديد بالاستهلاك التكنولوجي، واعتبار تنظيم وقت استخدام الشاشات جزءا من حماية المستهلك الحديثة؛ فحماية العقول لا تقلّ أهمية عن حماية الجيوب.
وفي هذا الإطار، وضعت المنظّمة برنامجا وطنيا متكاملا يمتدّ على مدار العام الدراسي. فمن المرتقب أن يتضمن حملات ميدانية في المدارس، وورشات تكوين للأولياء والمربين، إضافة إلى بثّ ومضات تلفزيونية وإذاعية توعوية؛ حيث ستركّز الرسائل الإعلامية على إبراز الأثر السلبي للإفراط في استخدام الشاشات ليس فقط على التحصيل الدراسي، بل، أيضا، على النموّ النفسي والاجتماعي للطفل؛ إذ بيّنت دراسات تربوية عديدة أنّ الاستخدام المفرط يحدّ من مهارات التواصل، ويزيد من العزلة والانطواء، ويؤثّر في جودة النوم والانتباه داخل القسم.
ولأنّ التكنولوجيا جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية لم تأت الحملة لتدعو إلى القطيعة مع الأجهزة، بل إلى التوازن في التعامل معها؛ فقد شدّد القائمون على المبادرة على ضرورة توجيه الأطفال نحو استخدام إيجابي للتكنولوجيا؛ كالبحث عن المعلومات، ومتابعة البرامج التعليمية، وتنمية المهارات الرقمية بدلا من الاكتفاء بالألعاب ومقاطع الترفيه غير المفيدة. وأكّدت المنظمة في بياناتها أنّ الهدف ليس حرمان الطفل من التكنولوجيا، بل حمايته من أن يصبح أسيرا لها. كما خصّصت الحملة جانبا رقميا قويا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحت وسم "طفل بدون شاشة" ؛ في محاولة لتحويل الفضاء الإلكتروني نفسه، إلى أداة توعية.
وقد لقيت المبادرة تفاعلا واسعا من أولياء الأمور؛ إذ بدأت العديد من المؤسّسات التربوية في تنظيم أيام تحسيسية لتشجيع التلاميذ على ممارسة أنشطة بديلة؛ كالقراءة، والرسم، والرياضة، والتفاعل الجماعي المباشر. وأكد رئيس المنظمة الوطنية لحماية وإرشاد المستهلك، مصطفى زبدي، أنّ "المجتمع الذي لا يحمي أبناءه من الإفراط في العالم الرقمي، يفقد مستقبله شيئا فشيئا"، مشيرا إلى أنّ الوقاية تبدأ من الوعي الأسري، وأنّ دور الأولياء محوري في ضبط الإيقاع بين التسلية والتعليم، وبين الواقع والافتراض.