الأخصائية النفسانية مونية دراحي:

حماية المراهق مسؤولية الأسرة والمدرسة

حماية المراهق مسؤولية الأسرة والمدرسة
  • القراءات: 788
رشيدة بلال رشيدة بلال
لا يلقى المراهق على مستوى المتوسطات الاهتمام المطلوب، تقول الأخصائية النفسانية مونية دراحي؛ إذ "ننظر إليه على أنه شخص تصدر منه سلوكات مقلقة يتم التخلص منها بطرده، لكن هل تساءلنا يوما وخاصة أقرب الناس إليه وهم الوالدان، لماذا يتصرف ابنهم بهذه الطريقة؟ هذا قبل الحديث عن المؤسسة التربوية، وما هو السر وراء اختلاف المراهقة من شخص لآخر؟".
تجيب الأخصائية النفسانية: "عندما نتكلم عن المراهقة أو المراهق لا بد من أخذ بعين الاعتبار عدة عوامل؛ فمن الناحية الجسدية تُطرح مسألة البلوغ الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالمراهقة، وهو يمثل كل التغيرات الجسدية والفسيولوجية والعصبية وحتى الهرمونية؛ إذ تتوضح الخصائص الأنثوية والذكورية، وذلك من خلال التغير الواضح؛ حيث يكون الجسم أكثر نشاطا وأكثر تطورا ونموا. أما من الناحية النفسية فالمراهقة تُعتبر مرحلة حاسمة جدا وحساسة، تختلط فيها الكثير من الأمور بين ما هو جسمي وما هو نفسي معرفي، وهي مرحلة انتقالية من الطفولة إلى سن الرشد، وفيها تنفجر كل الصراعات والمشاكل التي عاشها الفرد في طفولته؛ من إحباطات، وعنف ومعاملة سيئة وتربية خاطئة، إلى جانب الصدمات التي تعرّض لها؛ فكل علاقة سيئة وسلبية بين الطفل ووالديه والمحيط يعاد إحياؤها بشكل واضح في هذه المرحلة، ويمكننا أن نتخيل هنا المعادلة؛ فكلما كانت صراعات ومشاكل الطفولة عميقة وخطيرة كلما كانت المراهقة صعبة جدا وغير مستقرة".
وتواصل محدثتنا قائلة: "التغيرات العضوية تُفقد المراهق توازنه؛ كون الجسم يُعد غير مستقر. كما أنها تجربة جديدة وغريبة يعيشها لأول مرة من جهة، ومن جهة أخرى المشاكل النفسية المكبوتة هي صراع دائم، كل هذا يمتزج ليفجّر سلوكات وتصرفات وردود فعل عادة ما تكون مرفوضة، وتواجَه بردة فعل سلبية، غالبا من طرف الأبوين والمحيط، وعدم تقبّل أن الطفل الذي كان هادئا مستقرا يتحول إلى شخص متمرد يفرض ذاته، ويرفض الخضوع للسلطة، ومن هنا تظهر أهمية أن يتم إخضاعهم لرقابة ومتابعة  أخصائيين نفسانيين بمجرد ظهور بعض التغيرات في السلوك".
عندما نتحدث عن المراهق، تقول الأخصائية النفسانية، "لا بد أن نتحدث عن عدة مستويات قبل الوصول إلى الوسط المدرسي، لنؤكد أن المتابعة النفسية لا بد أن تبدأ في الوسط العائلي قبل تحميل المؤسسة المدرسية كل المسؤولية، ففي المستوى الأول نجد عدة مظاهر للعلاقة بين المراهق ووالديه، فإما أن تكون علاقة صراعية؛ من رفض لهذه السلوكات وفرض الرقابة والسلطة بقوة عليه، والتي قد تصل إلى حد العنف، وإما مظهر الحماية المفرطة والخوف الشديد؛ وكأنه لازال طفلا صغيرا عاجزا تماما وغير قادر على تسيير شؤونه، وكلاهما يخلقان الصراع".
 ما يحدث اليوم للمراهق في الوسط المدرسي يطرح إشكالية كبيرة جدا، والواقع يثبتها ويؤكدها، فمن المعروف أن الفترة التي يقضيها المراهق في المدرسة هي أكبر من التي يقضيها بين والديه وفي منزله، كما أنه يجد الجو المناسب لتحقيق جميع رغباته وفضوله وحبه للاستطلاع، والرغبة الملحّة في التجربة بدون أي عواقب أو موانع، وطبعا ـ تقول محدثتنا ـ "هنا سيجد من يرافقه ومن له نفس الاتجاه والرغبة؛ هم شلة المراهقين مثله، وقد تظهر عدة سلوكات وأفكار وحتى أفعال منها الانحرافات الجنسية المختلفة، والتردد على المواقع الإباحية، وخاصة على الهاتف النقال؛ إذ أصبح من السهل استعمال الأنترنت والدخول إلى أي موقع بكل بساطة، وتبادل الصور والفيديوهات التي تحوي صورا ومشاهد مخلة بالحياء، ومن هنا تظهر أهمية أن تكون هناك مكاتب خاصة بأخصائيين نفسانيين لمتابعة المراهقين في هذا الوسط".
 وحسب الأخصائية النفسانية مونية، فإن إشكالية المراهق والوالدين والمحيط المدرسي  تطرح صراعا من نوع آخر؛ فالمؤسسة التربوية تفرض رقابتها بالتأديب والطرد، والمراهق يفرض تمرده وذاته، ويحاول إشباع رغباته بأي طريقة، وهذا يخلق صراعا كبيرا بين القوانين والمبادئ التي تسير عليها المؤسسة، والتي يكون هدفها طبعا تربويا قبل أن يكون تعليميا، ومن هنا تنفجر المشاكل بين الممارسين لهذه العملية وبين المراهق، وعادة هنا ما يتدخل الطرف الثالث، وهو الوالدان، وهذا، في كثير من الأحيان، بطلب من المؤسسة التربوية، لكن هنا قد نجد عدة اتجاهات؛ اتجاه يشدد السلطة والرقابة والعقوبة على المراهق، واتجاه يبقى عاجزا عن التكفل بالمشكل؛ كون المراهق اخترق السلطة الوالدية ولم تصبح فعالة في دورها، والاتجاه الثالث هو الذي يرى ابنه بشكل نرجسي، ولا يتقبل أبدا الصورة التي تُنقل إليه من طرف أي شخص مهما كان، وحتى من المؤسسة نفسها، وهنا يكون أخطر صراع؛ كون الصراع لن يكون في صالح المراهق؛ كون الفجوة ستكون كبيرة، وسيجد الطريق سهلا لتنفيذ وممارسة جميع ما يخطر بباله وكل ما يرغب في تجربته.
وتقترح الأخصائية النفسانية لحماية هذا المراهق الذي سيصبح راشدا ورجل الغد وأبا وأمّا في المستقبل، تكاتف الجهود؛ فالإطار الذي يتحرك فيه المراهق هو محيط أسري ومحيط مدرسي، وعليه إذا كان هناك تعاون بين الأسرة والمؤسسة التربوية وتكامل في الأدوار التي يقوم بها الوالدان والتي تقوم بها المؤسسة، سيكون المراهق في مأمن كبير، وحتى إن انحرف وأخطأ فلن يستمر ولن تتعدى الأمور إلى درجة فقدان السيطرة عليها.