طقوس وممارسات تجاوزت المعقول بقسنطينة
حفلات التخرج الجامعي تجانب الإطار الأكاديمي

- 106

في ظل قرارات صارمة، منعت إقامة الاحتفالات داخل الحرم الجامعي، انتقل طلبة الجامعات في قسنطينة من الاحتفاء بتخرجهم عبر طقوس بسيطة، تختزل سنوات الدراسة، إلى تنظيم حفلات فخمة خارج أسوار الجامعة، يُخطط لها بعناية، وتُنفذ بإشراف محترفين في التصوير والديكور، في مشهد يتجاوز حدود الاحتفال الرمزي، نحو عروض استعراضية أثارت الكثير من التساؤلات والجدل.
فقبل سنوات ماضية، كانت لحظة التخرج تُجسَّد بصورة جماعية داخل القاعات أو بهو الكليات، حيث توثق ذكرى نهاية المشوار الجامعي وتبقى في ألبوم الذكريات، أما اليوم، فقد تحولت إلى مشروع كامل يتطلب تنسيقًا دقيقًا بين الطلبة، وميزانيات مرتفعة، وديكورات مصممة بعناية، وحتى ملابس موحدة بألوان متناسقة، في مشهد لا يختلف كثيرًا عن حفلات الأعراس، ولعل السبب في هذا التغير، الذي جعل الطلبة ينقلون حفلات تخرجهم من الجامعات إلى الخارج، هو سلسلة القرارات الإدارية التي أصدرتها جامعات قسنطينة، بعد أن تحولت بعض حفلات التخرج داخل المؤسسات الجامعية، السنوات الماضية، إلى ما يشبه الأعراس الصاخبة، والتي طغت عليها الزغاريد والموسيقى والرقص وتوزيع الحلويات والمشروبات وغيرها، في ممارسات شوهت صورة الحرم الجامعي، ودفعت إلى اتخاذ قرار بمنعها رسميًا.
وقد أعرب العديد من الأساتذة وإطارات الجامعات بقسنطينة، على غرار جامعة "صالح بوبنيدر"، وجامعة "الإخوة منتوري"، عن قلقهم الشديد من هذا الانزلاق، مؤكدين أن لحظة التخرج فقدت رمزيتها الأكاديمية، وتحولت إلى فرصة للبهرجة والمظاهر، حيث أكد لنا الأساتذة، أن استمرار مثل هذه السلوكيات يسئ للجامعة الجزائرية، ويجعلها تفقد هيبتها الأكاديمية، ما استوجب تدخلًا إداريًا لوضع حد لهذه الممارسات، من خلال منع أي نشاط احتفالي داخل المؤسسات التعليمية.
وأضاف المتحدثون، أن هذا المنع لم يضع حدًا للظاهرة، بل نقلها إلى فضاءات أخرى أكثر حرية في التعبير، حيث بات الطلبة يستأجرون قاعات حفلات صغيرة وحدائق عمومية، ويشرعون في الإعداد لحفل تخرج، يتطلب الكثير من الجهد والمال، وهو ما لاحظناه مؤخرا، بحديقة باردو، وسط المدينة، بل وبالعديد من قاعات الحفلات الصغيرة، التي عملت تخفيضات خصيصا للطلبة، للاحتفال بتخرجهم، حيث لم يعد الأمر مجرد مناسبة بسيطة لتوديع مقاعد الجامعة، بل مشروعًا جماعيًا متكاملًا، يبدأ بالتخطيط، ويمر باختيار المكان، وتنسيق الديكور، والاتفاق على ملابس موحدة، وتصميم خلفيات فنية تُكتب عليها أسماء الكليات وتخصصاتهم، مع استخدام البالونات والورود، وكأن الأمر يتعلق بزفاف أكثر منه بتخرج علمي.
وقد ساهمت منصات التواصل الاجتماعي، خاصة "فيسبوك" و«إنستغرام"، في تغذية هذا النمط الجديد من الاحتفال، بعدما أصبحت صور حفلات التخرج الفاخرة تنتشر بكثافة، وتُثير نوعًا من التنافس بين الطلبة، حيث يسعى طلبة كل كلية إلى تقديم طبعة احتفالية أفضل من سابقتها، سواء من حيث الديكور أو التصوير أو مستوى الترف، مما خلق ضغطًا اجتماعيًا غير معلن على بقية الطلبة، خصوصًا من هم في سنوات التخرج المقبلة، حيث أكد العديد ممن التقيناهم، أنهم باتوا يخططون مبكرًا لحفلاتهم المستقبلية، بالنظر إلى ما يرافق هذه الحفلات من أعباء مالية، حيث يضطر بعض الطلبة إلى جمع مساهمات مالية مرتفعة، أو حتى الاقتراض لتغطية التكاليف.
في المقابل، يرى عدد من الطلبة، أن هذه الحفلات تمثل لحظة استثنائية للاحتفال بنجاح طال انتظاره، بعد سنوات من التعب والسهر، وأن من حقهم أن يفرحوا بطريقتهم، خاصة في ظل غياب حفلات رسمية تليق بالطلبة من طرف الجامعة.
ولاتزال الأصوات المنتقدة ترى في هذا الشكل من الاحتفالات، مبالغة مفرطة تفقد المناسبة معناها، خاصة وأن الطالب الجامعي حول من باحث عن العلم إلى مستعرضٍ للصور والمظاهر، إذ أجمع بعض الأساتذة على القول، إن الطالب بات يولي اهتمامًا مفرطًا بالجانب الاحتفالي، على حساب الإعداد العلمي الجاد، حيث يُنشغل بتفاصيل اللباس والديكور أكثر مما يهتم بمناقشة مشروع تخرجه أو تحضيره للمرحلة القادمة، سواء كانت مهنية أو أكاديمية.