2402 مهاجر غير شرعي في 2018

"حراقة" يروون مرارة التجربة

"حراقة" يروون مرارة التجربة
  • القراءات: 4359
❊نسرين بوطالبي ❊نسرين بوطالبي

تمر الأشهر وتتوالى الأيام ولم يتم فك ألغاز شباب ركبوا قوارب الخشب باتجاه المجهول، قاطعين أميالا يصارعون الأمواج العاتية التي قذفت بجثثهم إلى سواحل جزيرة سردينيا الايطالية  وغيرها لتستقبلهم أمواتا، شباب حلموا بمستقبلٍ أفضل فركبوا الصعاب في قاربٌ من خشب وضع عليه جهاز GPS ومحرك بسيط علقت عليه أمال كبيرة لإيصالهم إلى الضفة الأخرى لتحقيق أحلامهم تاركين وراءهم أمهاتهم بقلوب محترقة كما حال هو من غابوا مع نهاية نوفمبر، حيث انتقلت "المساء"، إلى باب الوادي، وتحدثت إلى بعض "الحراقة" وعائلات الشباب الذين غيبهم البحر والذين لم تجف دموع ذويهم خاصة الأمهات. في الوقت الذي  سجلت فيه قوات حرس الشواطئ للقوات البحرية إحباط محاولات هجرة غير شرعية ل2402 مهاجر غير شرعي منذ 05 ديسمبر 2017 إلى غاية 24 نوفمبر 2018 .

اختلفت الأسباب وتوحدت النتائج، شباب ركب البحر في قوارب الموت بحثا عن غد أفضل لكنه للأسف لم يحقق المراد بعد أن كان الموت أسرع، ورغم إدراك الكثيرين لهذه الحقيقة إلا أن سيناريو الهجرة غير الشرعية لا ينتهي وهو ما أشار إليه محدثونا.    

المغادرة بأي ثمن

تحدثنا في البداية إلى "فاتح .ح" صاحب 24 سنة، من باب الوادي كان من بين الذين ركبوا قوارب الموت قبل أيام يروي قصته قائلا: "التقيت باثنين من أصدقائي في محطة القطار ظهر الخميس الفارط، وكانت وجهتهم مدينة عنابة و تحديداً إلى شاطئ سيدي سالم، أين باشرت التحضيرات للانطلاق في انتظار وصول الحراڨة الآخرين: "يصمت قليلا ثم يواصل: "هنا تشير الساعة إلى الثانية والنصف صباحاً، ضحايا البحر جاهزون، صلينا ركعتين ودعونا المولى وودعنا الوطن والأمهات ثم شرعنا في خوض المعركة وسط الأمواج بعد ثلاثة أشهر من دفع مبلغ 17 مليون سنتيم لمن يتكفل بعملية الحرقة وبعد طول انتظار وترقب لحالة البحر ليأتي موعد الإقلاع باتجاه كالياري الايطالية لمدة لا تقل عن 16 ساعة في عرض المتوسط". وأضاف فاتح، أنه لم يكن لدى أي واحد منهم وثائق تحدد هويته فكل ما كان بحوزتهم هو تمر، ماء، شكلاطه سوداء، مفرقعات للطوارئ بالإضافة إلى 120 لترا من المازوت. وأوضح هذا الأخير أنه بعد نحو 7 كيلو ميترات من الانطلاق: "اضطرب البحر" لتغرق الأمواج قاربهم وبذلك قتلت آخر آمالهم وبعد حوالي 5 ساعات من مصارعة بحر غاضب لا يرحم استطاع العودة إلى شواطئ عنابة ليلتقي تسعة من أصدقائه هناك، أوقدوا نيراناً للتدفئة في انتظار وصول البقية لكن... طال الانتظار دون جدوى فيما بقي السبعة الآخرون مجهولو المصير ليدخلوا في عِداد المفقودين.

وفي آخر اللقاء صرح فاتح أنه لا يفكر إطلاقا في تكرار هذه المجازفة التي وصفها ب«المريرة" يقول: "لا أفكر في "الحرقة" ثانية لكن سأبقى أحلم بكل ما أريده هو فرصة عمل لأقتات وأفراد عائلتي منها، وأمنيتي أن أرى الذين ركبوا معنا على قيد الحياة، فكمال صاحب 19 عاما من بين المفقودين، اختفى تاركاً وراءه أمّاً تبكي فلذة كبدها".

ومن جهته، قال "محمد عبده،ز". من عنابة إن جل المقبلين على "الحرقة" يتعاطون الحبوب المهلوسة حتى يتمكنوا من استيعاب فكرة ركوب الأمواج نحو المجهول، بمعنى أن العملية تتم بلاوعي. وأضاف محدثونا أن أخبار وجود "حراڨة" مفقودين انتشرت كالنار في الهشيم لتحرق قلوب الأمهات وسادت حالة من القلق وسط أهل وأصدقاء شباب باب الوادي لتنطلق قوافلهم نحو مدينة عنابة، طلباً لمعلومات دقيقة عن إخوانهم.

مرارة الانتظار

من جهتها، أعربت أم "خالد خباد " المدعو دادي، البالغ من العمر 34 عاما أحد المهاجرين غير الشرعيين المنحدر من بلدية الرايس حميدو عن حزنها الشديد لفقدان ابنها الوحيد الذي شاءت الأقدار أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في عرض المتوسط. وتوجهت أم "خالد" بشكرها للسلطات الجزائرية على مجهوداتها المبذولة ومساعدتها في تسهيل الإجراءات والوثائق في انتظار استرجاع جثة ابنها في الأيام القليلة القادمة .

دموعٌ لم تجف

من جهتها، أم الشاب، فقيد البحر، المهاجر غير الشرعي "كبير غيلاس " البالغ من العمر 26 سنة المنحدر من الرايس حميدو والتي لم تجف دموعها على فقيدها قالت إنها تلقت خبر وفاة ابنها بعد وصوله إلى شواطئ إيطاليا في حالة صحية متدهورة أين نقل إلى المستشفى ليلفظ آخر أنفاسه في قسم الإنعاش. وأضافت أنها تعرفت على جثة ابنها بعدما استلمت صورًا له في المشرحة، لتباشر عائلة كبير في الإجراءات اللازمة لنقل جثة ابنها في أقرب الآجال .

وقالت أمّ غيلاس، بدموعٍ تملأ عينيها "كل ما كان يحلم به ابني عمل وبيت" مؤكدة أن ابنها حاول الحصول على التأشيرة قانونياً وبعدما رفض طلبه أربع مرات على التوالي بدأت فكرة الهجرة غير الشرعية تراوده لتكون هذه ثاني مرة يفعلها، بعدما ألقي عليه القبض في المرة الأولى من طرف حرس الشواطئ للقوات البحرية الجزائرية، ليعاود الكرة ثانية لكن هذه المرة لم يسعفه الحظ، فكل ما تمناه هو تحسين ظروف معيشته، تقول آم غيلاس .

احصائيات رهيبة تستدعي النقاش

وعلى صعيدٍ آخر، تم إحباط محاولة هجرة غير شرعية ل305 "حراڨ" خلال شهر نوفمبر، فيما تتلقى الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان 04 إلى 06 بلاغات يومياً من طرف عائلات المفقودين، كما سجلت قوات حرس الشواطئ للقوات البحرية إحباط محاولات هجرة غير شرعية ل2402 مهاجر غير شرعي منذ 05 ديسمبر 2017 إلى غاية 24 نوفمبر 2018 .