استقبال عيد الفطر وسط تحدّي فيروس كورونا

حرائر الشرق يشتقن لأيام زمان

حرائر الشرق يشتقن لأيام زمان
  • القراءات: 951
آسيا عوفي آسيا عوفي

شهدت الأيام التي سبقت حلول عيد الفطر، أجواء استثنائية بعد دخول العائلات الجزائرية في سباق مع الزمن في تحضيراتها لاستقبال "يوم الجائزة"، لتعويض ما فاتها في السنة السابقة؛ بسبب إجراءات الحجر الصحي التي كانت أكثر صرامة مما هي عليه حاليا؛ حيث حضّرت كل ما يستلزم لتمضيته في أجواء ممتعة، بكل ما يرافقه من متطلبات ومقتنيات، ومحاولة الخروج من أجواء "الخوف والهلع" بسبب تفشي وباء كورونا، وغياب نكهته الخاصة، حسبما أكد البعض؛ لفقدانهم أحبة وأصدقاء وأقارب جراء الفيروس القاتل. ولمعرفة الفرق بين العيد الماضي وعيد هذا العام حسب حرائر الشرق الجزائري وخاصة بولايات برج بوعريريج وميلة وسطيف، قمنا بهذا الاستطلاع.

من تنظيف المنزل إلى اقتناء الأفرشة

رغم أن هذا الوباء غيّر نكهة رمضان ونكهة استقبال العيد، إلا أن العديد من العائلات ارتأت تحدي كل ذلك والترحيب بعيد الفطر المبارك بكل ما لديها؛ حيث شرعت ربات البيوت في التحضير له بداية من تنظيف المنزل إلى صنع الحلويات. وشنت النساء حملة تنظيف عارمة في البيت لتشمل كل ركن من أركانه، أخذن على عاتقهن مهمة القيام بأعمال التنظيف المعمقة، مضطرات للتقشف على حساب صحتهن، ومخصصات يوما بكامله لكل غرفة من الغرف لتنظيفها بدقة ونزع الغبار عنها وتعليق المفروشات، لترك الاهتمام بالمطبخ وقاعة الجلوس أو الاستقبال، في المرحلة الأخيرة، حتى تبقى محتفظة بنظافتها لأطول فترة ممكنة. وفي مقابل ذلك، توجَّه الأموال التي ادُّخرت، إلى تحويل المنزل إلى ورشة؛ من خلال شراء مفروشات جديدة وإكسسوارات منزلية جميلة، تعطي قاعة الاستقبال جوا خاصا باستقبال الضيوف في راحة تثير إعجابهم، حيث استغلت ربات البيوت الفرصة لشراء كل ما هو جديد.

وأكدت السيدة منى من ولاية برج بوعريريج لـ "المساء"، أن العيد فرصة لإعادة ترتيب أثاث البيت وتزيينه بكل ما يمكن أن يعطي له صورة أنقى في هذه المناسبة السعيدة، التي تكون فرصة لتبادل الزيارات ووصل الرحم. وتضيف المتحدثة: "بعد الانتهاء من أعمال التنظيف تشرع النسوة في إعداد الحلويات المختلفة، على غرار المقروط، والتشاراك وبعض الحلويات التي تعتمد على الكتب في تحضيرها". أما السيدة أسماء من بلدية رأس الوادي التابعة لولاية برج بوعريريج، فقالت إنها تقوم بمساعدة بناتها على استقبال العيد بأحلى وأجمل عيد من حيث الزينة؛ من خلال حملات النظافة والتزيين، قبل أن يخرجن لاقتناء مستلزمات الحلويات التي ستتزين بها مائدتهن خلال يومي العيد.

اقتناء الحلويات الجاهزة يُفقد البعض نكهة العيد

 اقتناء الحلويات الجاهزة سواء من المحلات أو من السيدات اللواتي يتفنن في إعدادها وبيعها، ظاهرة انتشرت بين عائلات الشرق، وسط استنكار البعض الظاهرة خاصة من فئة الرجال. وقد أكدت السيدة فاطمة في العقد السابع من العمر من ولاية سطيف خلال لقائنا بها، أن اقتناء الحلويات الجاهزة يفقد العيد نكهته؛ ففي الماضي لم يكن يفضل الرجل أكل الحلويات الجاهزة، وكان يطلب من زوجته إعدادها ليكون للعيد طعم آخر.

أما اليوم فهو من يقوم بجلبها رفقا بزوجته. أما السيد نبيل فأكد أنه لا يفضل اقتناء الحلويات، بل يحبها من صنع بناته وزوجته، مضيفا أن العيد بدون حلويات في المنزل، ليست له أية نكهة. رأي آخر للسيدة نوال من بلدية تاجنانت بولاية ميلة، قالت بأن عملها خارج المنزل وتعدد مسؤولياتها داخله، يجبرها على اقتناء الحلويات وشرائها من السيدات لحفظ ماء الوجه يوم العيد. أما نجوى، موظفة متقاعدة، فقالت: "حتى إذا كانت الحلويات التي أعدها لا ترقى إلى مستوى تلك التي تباع في المتاجر، فأنا أفضل مع ذلك تحضيرها بنفسي؛ فتحضير الحلويات هو جزء من الاحتفال بعيد الفطر، ولا يمكنني تصور عيد بدون حلوياتي"، في حين قال السيد عمر إن لديه ذكريات جميلة عن رائحة ماء الورد واللوز المحمر التي كانت تملأ بيته عندما كان طفلا. وقال وهو يتذكر رائحة طهي الحلويات معربا عن رغبته في أن يستوعب أولاده هذا الجو الخاص، لكي يتمكنوا من نقل نفس التجارب للأجيال القادمة. وقال إنه يطلب من زوجته تجنّب شراء الحلويات من المتاجر.

"المقروط" و"التشاراك" سيّدا مائدة العيد 

وعن أهم الحلويات التي كانت أنامل المرأة الشرقية تتفنن فيها اقتربت "المساء" من الحاجّة العمرية من ولاية سطيف، التي قالت بنبرة حزينة: "يا حسرة على أيام الزمان، عندما كانت ريحة الغريبية والمقروط والكعك تريح في كل مطبخ المرأة السطايفية قبل عشر أيام من العيد!..".

وعلى الرغم من أن اليوم عيد، إلا أن نكهته لم نعد نجدها في الحاضر؛ قالت: "عيد سنوات السبعينات والثمانينات يختلف كل الاختلاف عن أعياد هذه السنوات، بحيث كانت النسوة في الماضي، يستقبلن العيد بإعداد أفضل الحلويات؛ إذ يقوم الزوج بشراء المقتنيات. وفي وقت لم يكن كتاب الطبخ أو الأنترنيت، كانت السيدات يشرعن في صناعة الحلويات من المقروط، والتشاراك  والصابلي وغيرها، وهي الحلويات التي يكون لها طعم خاص، ولازالت إلى يومنا هذا"، فيما تحرص السيدة العمرية دائما على المحافظة على هذه العادة الأصيلة، التي تضفي أجواء عائلية تصنع حلاوة العيد ولا يمكنها التفريط فيها. وتقول رغم وجود بناتها وزوجات أبنائها إلا أنها تقوم بتحضير المقروط والغريبية وبعض الحلويات التقليدية التي لا تستغني عنها مائدتها في أيام عيد الفطر المبارك.

أما الآن فأصبحت المرأة هي التي تقوم بشراء المستلزمات، وتعتمد على كتب الحلويات. وبالرغم من اعتمادها على الكتب إلا أن الطعم لا يضاهي طعم حلويات زمان. أما السيدة فايزة فأكدت لنا أنها تعتمد على كتب الحلويات. وتقوم بتحضير حلويات العيد التي لها طعم ـ على حد تعبيرها ـ رائع، خصوصا من دول المشرق العربي، على غرار المعمول السوري، والكنافة، والبرما بالفستق. أما عن الأطباق التقليدية فأكدت أنها لا تعرف عنها سوى الاسم؛ لأن إعدادها صعب، حسب محدثتنا بالرغم من أن زوجها يفضل الحلويات التقليدية.

صراع بين العادة والعبادة

جعلت التحضيرات التي تسبق عيد الفطر المبارك، النسوة يدخلن في صراع بين العادة والعبادة؛ فالسيدة حياة من ميلة أكدت أنها احتارت بين الأمرين؛ أن تهتم بالتقاليد وتحضير حلويات العيد، وبين التفرغ للعبادة واغتنام فرصة التقرب من الله عز وجل في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل. أما السيدة هناء فأكدت أن اقتراب العيد يضعها أمام مسؤوليات جديدة، أقل ما يقال عنها إنها تبعدها عن أجواء العبادة، وهو ما يحوّل الأيام الأخيرة إلى كابوس يطاردها.

هذا الإشكال طرحته العديد من سيدات ولايات برج بوعريريج وميلة وسطيف، اللائي خصصن للحلويات وقتا كبيرا، عادة بعد الإفطار، لتكون السهرة ممتلئة بأشغال منزلية من نوع آخر، كل هذه الأشغال الإضافية تطلبت المزيد من الوقت، وبالتالي الانشغال عن العبادة في العشر الأواخر. وفي هذا السياق، أوضحت السيدة مليكة أنها اضطرت للتخلي عن صلاة النافلة لمباشرة تحضير الحلويات؛ فبرنامجها اليومي كان حافلا بالمهام والمسؤوليات، التي تتمحور كلها في الاستقبال الجيد لعيد الفطر المبارك، فيما أكدت أخرى أنها خلال السنوات الماضية كانت تقسم وقتها إلى نصفين؛ في النهار لإعداد الحلويات، وبعد الإفطار تتوجه إلى المسجد. وفي ظل الفيروس وتجنبا لانتشاره أصبحت في النهار تقوم بإعداد الحلويات، وبعد الإفطار تتفرغ لصلاة التراويح بمنزلها وقراءة القرآن، فيما دعا كل من التقينا بهم، الله عز وجل أن يرفع عنا هذا البلاء.