الحرفي يونس مختص في صناعة الجلود:
حان الوقت للنهوض بالصناعات التقليدية

- 3219

تُعتبر صناعة الجلود من الحرف الرائدة في الجزائر، ويكثر الإقبال عليها من مختلف الدول المصنّعة للمنتجات الجلدية وعلى رأسها إيطاليا، وذلك بفضل نوعيتها الرفيعة، إلا أن الإقبال عليها من قبل المستهلكين المحليين في تراجع ملحوظ، هذا ما أكده الحرفي يونس المختص في صناعة الجلود منذ ست سنوات، مرجعا السبب وراء ذلك إلى نقص الوعي بجودة تلك المنتجات مقارنة بالصينية التي غزت السوق بسبب أسعارها المنخفضة. يونس شاب جزائري من العاصمة، حرفي في صناعة الجلود بمختلف أنواعها، استطاع أن يفرض ذاته في ظرف زمني قصير في مجال صناعة الأحزمة الجلدية بمختلف أنواعها وأحجامها. وفي لقائه مع "المساء" تحدّث إلينا عن خاصية هذه الحرفة، وما آلت إليه بعد سنوات الانتعاش، وعن آماله وطموحاته المستقبلية.
بأسف شديد حدّثنا عن واقع الحرف التقليدية في الجزائر، قال: "لقد تراجع الإقبال على المهن اليدوية التي كانت في وقت مضى أساس الصناعة المحلية، ففي أغلب الأسر الجزائرية كان يتخصص أحد أفرادها في صناعة تقليدية معيّنة، كالنحاس، الجلود أو الخشب، كانت هذه الحرف الثلاثة من أكثر الحرف المستغلة عبر مختلف مناطق البلاد، الخشب والنحاس في العاصمة، الجلود في المناطق الصحراوية، وكذا النحاس في شرق البلاد، خصوصا في قسنطينة، إلا أن هذه الصناعات اليدوية تراجعت لأسباب تتعدد وتختلف من حرفي إلى آخر. وأوضح المتحدث أن بعض الأشخاص في الآونة الأخيرة تبنوا صناعات يدوية غير محلية مستوردة من دول أجنبية، وأخلطوا الحابل بالنابل بين الصناعة اليدوية والصناعة التقليدية، فالصناعة التقليدية هي التي تعكس تقاليدنا وتقاليد أجدادنا، ما جعل تلك الحرف البسيطة تغزو الأسواق وتزحزح مكانة الحرف التقليدية الفنية التي تمثل موروثا ثقافيا بامتياز، وتعكس صورة عن حقبة تاريخية معيّنة من حياة آبائنا وأجدادنا، كما أن لها جمالها وسمعتها الحسنة في مختلف دول المغرب العربي.
من جهة أخرى قال يونس: "إن صناعة الجلود تراجعت بشكل ملحوظ، وبات الإقبال عليها محتشما". وأشار إلى أن المسؤولية للترويج لها تعود على الحرفي والمواطن على السواء، إلا أن الواقع الذي يعيشه الحرفي جعله يصوّب أصابع الاتهام نحو المواطن، قائلا إنه لم يعد يعرف قيمة المنتجات الجلدية؛ "فما الداعي لصناعتها؟"، في حين يتهم المواطن الحرفي بعدم صناعة قطع جلدية تتماشى مع الصيحات العصرية، ليبقى مستقبل صناعة الجلود مرهونا باتهامات نتيجة القضاء على هذا الموروث الثقافي. وحول سر اختياره لهذا الاختصاص يقول يونس: "لقد سبق أن تخصصت في صناعات تقليدية أخرى منذ صغر سني"، وأشار إلى أن بدايته مع هذه الحرفة كانت نتاج عشقه الكبير لها، حيث تلقَّن أسرارها على أيادي شيخ أرهقت الحرفة كاهله لسنوات طويلة. ويواصل محدثنا قائلا: ‘’لكن الأمر الهام الذي أود الإشارة إليه، هو أن الصناعة الصينية التي تغزو أسواقنا باتت اليوم تهدد مستقبل صناعتنا المحلية، ومنها الصناعة التقليدية، فحبي لهذه المهنة يجعلني أغار عليها وأخاف من زوالها، فهي تعكس هويتنا، وكل أملي أن تعمل الهيئات القائمة على الحرف التقليدية، على تعليم الحرفة للجيل القادم حتى لا تندثر’’.
وعن الأشياء التي يصنعها قال يونس: ‘’إلى حد الساعة أختص في صناعة الأحزمة، التي تُعد أكسيسوار لا غنى عنه خصوصا بالنسبة للرجل الذي يرفقه بالسروال الكلاسيكي أو الجينز، مشيرا إلى أنه تماشيا مع الأذواق العصرية بات الحرفي يعطي تلك اللمسات الحديثة على أحزمته بدون المساس بجودة الجلد، فيبقى الحزام بألوان البني والأسود الأكثر رواجا. وحيال النصائح التي يقدمها للحفاظ على تلك القطع الجلدية يقول يونس: "كان الرجال قديما يغمسون قطعهم الجلدية فور شرائها في إناء به زيت ليلة كاملة، حتى يصبح الجلد أكثر متانة وصلابة ليقاوم عوامل الزمن، كما إنه يُعد من الضروري لف الحزام حول نفسه بشكل دائري حتى لا ينكسر الجلد أو يتخذ الأشكال "المعوجة" بسبب الجلوس، مثلا، أو لكثرة طي الحزام.