الأخصائية الأرطفونية مريم بن بوزيد:

جودة الحياة عند ذوي الإعاقة تبدأ بالقبول والرضا

جودة الحياة عند ذوي الإعاقة تبدأ بالقبول والرضا
الأخصائية الأرطفونية مريم بن بوزيد رشيدة بلال
  • القراءات: 1700
❊رشيدة بلال ❊رشيدة بلال

أوضحت مريم بن بوزيد الأخصائية الأرطفونية، أستاذة محاضرة بجامعة الجزائر "2"، بمناسبة مشاركتها مؤخرا في أشغال الملتقى الوطني حول "جودة الحياة عند ذوي الاحتياجات الخاصة"، الذي بادرت إلى تنظيمه مؤخرا المدرسة السعودية بالجزائر، إلى أن المقصود بعبارة جودة الحياة  لدى أولياء أمور الفئة المعاقة ليس الرفاهية، كما يتصورها البعض، إنما في مدى القبول والرضا بالطفل المعاق في العائلة، وهو المقياس الذي يجري الاعتماد عليه اليوم لبلوغ الرفاهية والسعادة عند هذه العائلات، حسب الأخصائية.

بدأت المحاضرة تدخلها بالقول، إن الأخصائي الأرطفوني اليوم، وبعدما تكونت لديه خبرة في مجال التعامل مع أولياء أمور المعاقين، أصبح يعي أهمية أن يباشر عمله منذ الحصة الأولى التي يلتقي فيها مع الأولياء، بالتركيز على مدى تقبلهم لحالة ابنهم، بغض النظر عن نوع الإعاقة، قبل الخوض في الأسباب التي جعلتهم يقصدون الأخصائي، بالنظر إلى أهمية التأكيد على فكرة التقبل للتكفل وإنجاح العملية العلاجية، وإن كان ابنهم يحتاج إلى العلاج الذي يمكنه ـ طبعا ـ في المستقبل من الاعتماد على نفسه، ولو في تلبية احتياجاته الخاصة، كارتداء الملابس أو تناول الوجبات، ومن ثمة توضح "إن الرهان الكبير لأخصائي الأرطفونيا اليوم، هو التأكيد على فكرة التقبل وبلوغ مرحلة الرضا".

من جهة أخرى، ترى الأخصائية بأن العائلات، خاصة الأمهات، يجدن صعوبة كبيرة في بلوغ مرحلة التقبل والاقتناع والرضا لعدة اعتبارات،  أهمها؛ الخوف من المستقبل وهاجس المجتمع الذي لا يرحم، كل هذه التحديات، المختص الأرطفوني على علم بها، من أجل هذا هيئ دائما نفسه من خلال طرح بعض الطرق العلاجية التي تبنى على أهداف معرفية،  وتشرح؛ عندما نأخذ ـ مثلا ـ حالة التوحد الذي يعتبر من الإعاقات التي انتشرت بشكل ملفت في المجتمع الجزائري، أول ما يقوم به الأخصائي الأرطفوني؛ تعريف الوالدين بالمقصود من التوحد بلغة بسيطة ومفهومة،  ومن ثمة يجري عرض جملة من الطرق المقترحة في التكفّل والتجارب الناجحة التي أثمرت، لزرع الأمل وإبعاد اليأس، توضح "وبعد عدة جلسات نصل إلى مرحلة الكشف عن الطرق المقترحة بهدف تعليمهم كيفية التعامل مع أبنائهم، مع التأكيد في نفس الوقت، على ضرورة تقرب الأولياء من أبنائهم، وفهم حاجاتهم لتسهيل اندماجهم، وهو المطلوب من كل العملية العلاجية".

من بين العوامل المساعدة على إنجاح التقبل، ومن ثمة بلوغ جودة الحياة لدى الأسر التي تشمل أبناء معاقين، تقول الأخصائية "تصحيح جملة من المعتقدات الخاطئة التي كانت سببا في تعزيز الرفض لدى بعض الأسر، حيث يعتقد البعض أن كل الأطفال المصابين بالتوحد متشابهون، لكن الواقع غير ذلك، لأن كل حالة قائمة بذاتها"، ولكل حالة طريقة علاج ومتابعة خاصة، إيصال هذه الفكرة للعائلات، حسبها، يعتبر من أنجح الآليات المعتمدة في تعزيز التقبل وإنجاح عملية التكفل، خاصة أن التكنولوجيا اليوم تجيب على كل الأسئلة المقدمة، وتعتبر من الوسائل المعتمدة لتوعية الأولياء ليساهموا من جهتهم في عملية المرافقة.

الهدف من الحديث عن جودة الحياة لدى عائلات الأطفال المصابين بمختلف أنواع الإعاقة، حسب الأخصائية، محاربة بعض الظواهر السلبية التي لا زالت سائدة في المجتمع، ومنها ـ مثلا ـ العزلة والخوف، وهو ما تمت معالجته على مستوى العيادة لعائلة مكونة من أب وأم مثقفين، يعملان في السلك الطبي، غير أنهما لسبب ما، عملا على إخفاء ابنهما المصاب بالتريزوميا في المنزل، حيث لا يعلم بوجوده أي أحد من المقربين أو حتى الجيران، هذه العائلة وبهذا التصرف، يستحيل أن تصل إلى مرحلة الرضا والتقبل.

مشيرة إلى أن القول، إن فكرة التقبل مرتبطة بالعامل الاجتماعي مردود عليها، لأن بعض العائلات تعيش الرفاهية الاقتصادية، غير أنها ليست سعيدة لأنها لم تبلغ مرحلة التقبل والرضا بما لديها، على خلاف بعض العائلات الفقيرة التي ورغم الحاجة، تبدي تقبلها لابنها المعاق وتكافح من أجل إدماجه، ومن هنا تظهر أهمية التواصل مع مختص الأرطفونيا والأخصائي النفسي، الذي يمد يد العون لكل العائلات ويعلمها كيف تبلغ جودة الحياة وتمارسها.

تختم الأخصائية محاضرتها، بتوجيه دعوة إلى كل العائلات التي يتكون أفرادها من معاقين أيا كانت نوعية الإعاقة، مفادها الاقتناع بأنه لا وجود لعلاج ينهي الإعاقة، لكن إمكانية المرافقة والاستثمار في هذه الطاقة البشرية ممكنة، ويكفي الأولياء شرفا أن يتمكن أبناؤهم من الاعتماد على أنفسهم، والاندماج في المجتمع عن طريق الدراسة أو القيام بنشاط معيّن، وهو ما يسمى بعلم النفس الإيجابي الذي يبني نجاحه على البحث واكتشاف نقاط القوة، ومن ثمة الاستثمار فيها بغض النظر عن نوعية الإعاقة.