يجمع بين زرقة الساحل ومرتفعات عنابة

جنان الباي.. حينما تتشابك الألوان بأشعة الشمس

جنان الباي.. حينما تتشابك الألوان بأشعة الشمس
  • 83
سميرة عوام سميرة عوام

في قلب الطبيعة الخلابة التي تميز أعالي سرايدي بولاية عنابة، ينبثق شاطئ "جنان الباي" كلوحة من الجمال النقي، حيث تتشابك ألوان البحر الأزرق العميق بخيوط الشمس المتلألئة، وتغمرها ظلال الجبال الخضراء التي تحرسه بصمت مهيب. هناك يختلط هدير الأمواج بنسيم الجبل العليل، يشعر الزائر وكأنه انتقل إلى عالم آخر، عالم لا يعترف بالضوضاء ولا بالزمن، بل يحتفي فقط بالسكينة والجمال الطبيعي الصافي.

يعد "جنان الباي" من الشواطئ الأقل شهرة، لكنه يحتفظ بسحر خاص لا تدركه إلا الأرواح التواقة إلى الصفاء. الوصول إليه رحلة بحد ذاتها، تمر عبر طرق جبلية متعرجة تحفها الأشجار الكثيفة، فتشعر وكأن الطبيعة تهيّئك نفسيًا للغوص في متعتها الكاملة. وعندما تكتشف الشاطئ أخيرًا، يفاجئك المشهد، وكأنه حلم مرسوم بريشة فنان متأمل، كل شيء فيه منسجم: لون البحر الذي يتدرج من الفيروزي إلى الأزرق الداكن، الرمال الذهبية التي تلمع تحت أشعة الشمس، وصمت الجبال التي تكتفي بالمراقبة من بعيد، وكأنها تحرس كنزًا دفينًا لا يليق بالجميع.

ما يميز هذا الشاطئ أكثر هو عزلته النسبية، وابتعاده عن الزحام السياحي المعتاد، ما جعله مقصدا مثاليا لمحبي الاسترخاء والمصورين والباحثين عن لحظات تأملية وسط الطبيعة. وعلى الرغم من ذلك، فإن "جنان الباي" ليس مجرد مكان للراحة، بل هو أيضًا دعوة مفتوحة للتفكر في روعة التناغم الطبيعي، وكيف يمكن للمكان أن يؤثر في الإنسان بعمق دون أن يقول شيئًا. الزائر لا يعود كما جاء، بل يغادر وفي قلبه ذكرى مكان نادر، قد لا يتكرر في أماكن أخرى.

يحتفظ السكان المحليون بحكايات كثيرة عن هذا الشاطئ، عن اسمه المرتبط بالحقبة العثمانية، وعن أساطير العشاق الذين اختاروه ملاذًا، وعن الشعراء الذين ألهمهم هذا الجمال لكتابة أجمل القصائد. ورغم مرور الزمن وتغير الأحوال، لا يزال "جنان الباي" وفيًا لنفسه، لم تُفسده المدنية، ولم تطمس معالمه يد الإنسان. هو مكان ظل خارج الزمان، يكتفي بعلاقته الصافية مع من يزوره دون أن يجرّح جماله أو يلوث سكينته.

في زمن تتسارع فيه الحياة وتتآكل فيه المساحات الخضراء لصالح الخرسانة، يبقى "جنان الباي"، شاهدًا حيا على إمكانية المصالحة بين الإنسان والطبيعة. إنه أكثر من مجرد شاطئ، إنه رسالة حب من الأرض إلى السماء، ومن الجبل إلى البحر، ومن بونة العتيقة إلى كل عاشق للجمال الحقيقي.