نخيل التمر في الموروث الجزائري
ثقافة عميقة متصلة بالأرض والهوية

- 775

تكرست مكانة نخيل التمر في الثقافة الجزائرية، من خلال معارف وحرف وثقافة شعبية وأدبية، ترسخت في الشخصية الجزائرية، فأصبحت عنوانا بارزا للهوية الوطنية الجزائرية. يحتل نخيل التمر مكانة مرموقة في الثقافة الجزائرية، حيث تبنى الجزائريون هذه الثمرة وشجرتها، فأصبحت جزء من الهوية الوطنية، ورافدا ثقافيا وحضاريا، تولدت عنه ثقافة شعبية وأدبية، وكذا معارف وحرف عكست مكانة النخلة وثمرها في آن واحد، بصفتهما مصدرا الحياة والعطاء والصبر والمقاومة، وغيرها من الصفات.
يقول ابراهيم باشي، ناشط جمعوي من ولاية تقرت، إن ثمة "علاقة وطيدة" بين الفلاح والنخلة، إذ يوليها اهتماما بالغا، يظهر في طريقة تعامله معها، فهو يعتني بها مثل ابنته، فيصونها من كل ما يضرها، سواء عند الغرس أو السقي، أو حمايتها من الطفليات أثناء وبعد مواسم الجني. ولا يكتفي الجزائري بتسمية واحد للنخلة -يضيف باشي- فهي "الجبارة" و"الفسيلة" و"البنت"، فيما تؤكد الباحثة لويزة غاليز، من مركز البحث في علم الإنسان والتاريخ وما قبل التاريخ، أنه إضافة إلى الاسم العربي للنخلة، فهي تسمى "تزدايت" في اللغة الأمازيغية، وفي منطقة التوات هي "الزيوان"، ويسميها البعض الآخر بـ"العمة"، استنادا إلى الروايات الأولى.
فالنخلة التي يناطح رأسها السماء، وتمتد جذورها في أعماق الأرض، بحثا عن الماء الصافي العذب، تكتسي أهمية خاصة عند الجزائريين، من الناحية الاستهلاكية، إذ يؤكل التمر رطبا ويابسا، وفي الحياة اليومية، باستخدام جذعها في البناء، واستعمال سعفها في صناعة السلال والحصير، وأليافها في صنع الحبال، إذ تبقى مصدرا دائما للحياة اليومية، عاش عليها الآباء والأجداد، وما زال بعضهم يعتمد على رطبها في الصيف، وتمرها في الشتاء.
تبرز غاليز، بأن الجزائريين أظهروا، منذ القدم، "قدرة كبيرة في حسن التعامل واستغلال النخلة، سواء من الناحية الزراعية أو الاجتماعية أو الثقافية، ذلك أن هذه الشجرة جزء من التراث الزراعي الجزائري، ولها مكانة خاصة في المجتمع والاقتصاد الوطني، تماما مثل شجرة الزيتون، فكلاهما يرمزان إلى السخاء والقدرة على تحمل نوائب الدهر ومتغيرات الطبيعة".
تنتشر زراعة النخيل في الجزائر بكمية كبيرة، عبر عديد الولايات الجنوبية، التي أصبحت رائدة في إنتاج التمور، على غرار بسكرة والوادي وورقلة وأدرار، بالإضافة إلى غرداية وبشار والأغواط وإليزي والبيض والنعامة وتندوف، وقد انعكس هذا الثراء على لغة الناس وتفكيرهم الذي تنوع بتنوع المحصول، واكتسب مذاقا حلوا حلاوة هذه الفاكهة، تضيف غاليز. وتوصلت الأسر المنتجة والمستهلكة لهذه الفاكهة المميزة، إلى إدراج التمر في المطبخ الجزائري، فهو يؤكل جافا ورطبا أو مطبوخا مخلوطا مع السميد أو الكسكسي، أو على شكل مربى أو مشروب أو مسحوق.
علاوة على قيمته الغذائية والاقتصادية، تضيف غاليز، ابتكر الأجداد استخدامات متنوعة للتمر، باعتباره "مصدرا روحيا"، وله استعمالات عديدة في مجال التداوي والتطبيب لعلاج مختلف الأسقام الروحية والبدنية، حيث ما زال الناس "يستعملون غبار الطلع لعلاج العقم، فيما تستعمل نواته لحماية العروس ليلة زفافها، ووقاية الطفل في يوم ختانه وحديثي الولادة من أذى الحسد". وقد توصل باحثون جامعيون في تراث منطقة تقرت، إلى استعمال المجتمع البدوي التمر في وصفات عديدة، منها في نزع الشوك، حيث توضع حبة التمر بعد عجنها على موضع الشوكة، وتوضع فوقها ضمادة، وهو إجراء يتم في الليل، وعند الاستيقاظ يكون التمر قد امتص الشوكة العالقة في الجلد.
كما يستخدم التمر في علاج أقراح المعدة وآلامها، وينصح البدو بتناوله عند أمراض الكلى والمرارة وارتفاع ضغط الدم، وهو مفيد في علاج الانفعال، كونه مهدأ للأعصاب ومحارب للقلق ويشيع السكينة والهدوء. ويروي باشي ابن مدينة تقرت، قصصا كثيرة تنتشر في منطقته، التي تقدس النخلة وتعتني بثمرها، ذلك أنها "اعتبرت منذ القدم، صديقة الإنسان التقرتي في الحر والقر، وكانت ملاذا له في فترة الاستعمار الفرنسي، حيث كانت بمثابة مخابئ من العدو".