تنوع، إبداع، أصالة ودلالات ‏

تنوع، إبداع، أصالة ودلالات ‏
  • القراءات: 4414
رشيدة بلال‏ رشيدة بلال‏
أبدعت كل الحرفيات المشاركات بمهرجان الزي التقليدي في عرض الملحفة التقليدية بأشكال، ألوان، وأحجام مختلفة ‏ومتميزة، الأمر الذي خلق لوحة فنية مزخرفة عكست التنوع الكبير الذي يعكسه لباسنا التقليدي، الذي للأسف ‏الشديد، لم يحض بالاهتمام المطلوب من المؤرخين ما جعل الكتابات حول بعض الألبسة التقليدية القديمة مثل ‏‏“الملحفة” أو الشطاطة أو الردا على اختلاف تسمياتها قليلة إن لم نقل نادرة.‏ حاولت “المساء” من خلال احتكاكها بالعارضين المساهمة ولو بالقليل في استظهار الخصوصيات التي تعكسها ‏الملحفة عبر مختلف الولايات المشاركة، وكانت النتيجة أن اكتشفنا بأن الملحفة تنم عن تراث لا مادي يعكس حقيقة ‏ملامح الحياة الاجتماعية التي كانت تعيشها المرأة الجزائرية قديما، يبرز في ذات الوقت أصالتها وحيائها وتمسكها ‏بانتمائها العربي.‏ الملحفة بطاقة التعريف الوطنية للمرأة الصحراوية كانت الملحفات المعروضة تبدو للوهلة الأولى أنها متشابهة إلى حد كبير، من حيث طريقة الصنع إلا أن الحقيقية ‏كانت غير ذلك وهو ما أكدته لـ “المساء” الحرفية فاطمة حاج عثمان، من ولاية تندوف، التي تزينت بالملحفة ‏التندوفية السوداء، وراحت تسرد لنا أهمية هذه الأخيرة في المجتمع التندوفي فقالت: “قبل الحديث عن تاريخ الملحفة ‏أود أولا أن أشير إلى أن الملحفة كانت ولا تزال إلى حد اليوم لباس أساسي للمرأة الصحراوية عموما، ولمن لا ‏يعرفها فهي عبارة عن قطعة قماش تأتي في ألوان مختلفة كالأبيض، الأسود والأزرق، إذ لا نحصر الملحفة في لون ‏محدد، وإن كانت الألوان المفضلة هي تلك الملحفة التي تجمع بين الأبيض والأسود، وقد تكون بسيطة أو مزينة ‏ببعض الرموز التي كانت تدل على انتمائنا إلى بعض القبائل، وعلى العموم تضيف “تربط الملحفة بالخلال” الفضي ‏الذي كان يعتبر من أهم الإكسيسوارات التي تربط بها الملحفة التقليدية، مرفقة طبعا بالحلي الفضية في الجبين ‏وأساور اليدين المزينتين بالحنة السوداء، وتوضح “من بين أنواع الملحفات المشهورة بتندوف ملحفة “بوكالي”، وهو ‏نوع من القماش تلبسه النسوة الطاعنات بالسن، وملحفة النيلة”.‏ أما بالنسبة للعروس التندوفية يشترط حسب الحرفية فاطمة، أن ترتدي الملحفة البيضاء والسوداء لما تحويه من ‏دلالات اجتماعية بالمجتمع، والتي تعني انتقال المرأة من حياة العزوبية إلى حياة مختلفة.‏ وحول مدى تمسك المرأة التندوفية بالملحفة كلباس أساسي تذكر فاطمة، حادثة وقعت بمجتمعهم وتعكس مدى غيرة ‏المرأة على لباسها التقليدي فتقول: “أذكر أن مديرا عُين مؤخرا، بإحدى الثانويات بتندوف، وإشترط على المعلمات ‏عدم ارتداء الملحفة عند التدريس، فكانت النتيجة أن انتفضت النسوة ضده لأنه خدش أصل المرأة التندوفية كون أن ‏الملحفة ترمز إلى حرمتها وأصالتها”.‏ تصف الحرفية فاطمة، الملحفة ببطاقة التعريف الوطنية للمرأة التندوفية، إذ يكفي تقول النظر إليَ من دون سؤالي ‏لمعرفة الولاية التي انتمي إليها وهو فخر طبعا لي، ولعل ما جعل النسوة يتمسكن به بمجتمعنا كونه يؤمن للمرأة ‏السترة، ناهيك عن كونه لباس جميل يعكس أنوثة المرأة وفيه دلالة على بلوغها، ومن ثمة لا غنى لنا عن هذا اللباس ‏التقليدي بالرغم من التغيُرات التي أدخلت عليه في محاولة لعصرنته، إلا أن العرّاقة ظلت موجدة في كل قطعة ‏تقليدية نتباهى بها اليوم.‏ الملحفة الشاوية لا تستغني عن الإكسيسوارات الفضية شاركت ولاية باتنة بالملحفة الشاوية، التي برعت الحرفية كلثوم تواتي، في عرضها محاولة إبراز كل تفاصيلها ‏لتكون مميزة ومنفردة عن غيرها، وأكدت في حديثا أنها تبتعد عندما يتعلق الأمر باللباس التقليدي عن كل الألبسة ‏المعصرنة وتجتهد لاستظهار اللباس التقليدي الحرّ، ولعل خير دليل على ذلك مشاركتها بالملحفة الشاوية الحرة التي ‏تسمى “باللحاف” مرفقة بالحلي الفضية، التي كانت المرأة الشاوية تتزين بها قديما ممثلا في “الاق” وهو عقد ‏‏“وإقران” الذي يشد به اللحاف، الجبين، البزيم، المدور، الخلخال، الرديف، الحزام والمقياس، وتشكل مجتمعة أهم ‏الإكسيسوارات التي تتزين بها المرأة الشاوية التي تلبس اللحاف”. ما يجعل اللحاف الشاوي منفردا عن غيره كونه ‏يصنع من قماش خفيف تلبسه المرأة يوميا، وكانت قديما تميل إلى التنويع في الألوان لتبرز جمالها، وعموما كان ‏اللباس المحبب عند المرأة الشاوية هو اللون الأسود حيث يفصل، ويطرز ويزين بالفضة ويشترط أن يكون به أربع ‏أمتار ونصف، وعند التفصيل ينبغي أن تكون بها أكمام، وتتكون عموما من اللحاف الداخلي أو ما يسمى “بالدخيلة” ‏والخارجي، ومن مميزاتها كونها تخاط من جهة وتظل مفتوحة من الجهة الأخرى.‏ لا تستغني العروس الشاوية عن اللحاف، ولعل ما يجعلها مميزة عن غيرها هو ارتداؤها للحاف مرفقا بالفضة ‏المزينة بالأحجار الخضراء والحمراء، حيث كانت المرأة تميل إلى لبس اللحاف الأسود عمدا لتظهر عليه الفضة ‏البيضاء الناصعة التي تزيد من جمال الشاوية. تقول الحرفية كلثوم وتضيف: “كان اللحاف في الماضي ينسج ‏بواسطة خيط رفيع، ولأن المرأة قديما لم تكن تملك أدوات الخياطة، كانت تقوم بربط اللحاف على الأكتاف بنوى ‏التمر ويكون حزامها الحزام مصنوعا من الصوف الذي تعد به الزربية النموشية الذي تشتهر به منطقتنا”.‏ يرافق اللحاف الشاوي قطعة قماش تسمى بـ “الشليقة”، وتسمى باللهجة الشاوية “ابخنوق” يصنع من الصوف، يوضع ‏على الأكتاف بفصل الشتاء ليؤمن الدفئ للمرأة، وفي فصل الصيف يوضع على الرأس ليحميها من حر الصيف.‏ الرداء لباس قديم قدم الشدة التلمسانية يطلق على الملحفة التلمسانية اسم “الرداء” ولعل الملاحظة الأولى التي تجعله يبدو قطعة مميزة كونه أتى مزينا ‏بالشدة التلمسانية، التي أبدعت الحرفية فاطمة الزهراء بابا أحمد، في إبراز جماليتها. تحدثنا عن خصوصية هذا ‏اللباس التقليدي فتقول: “الرداء يعتبر من أقدم الألبسة التي كانت تكسو جسم المرأة التلمسانية، ولعل أهم ميزاته أنه ‏يصنع من القماش والحرير المذهب، وكان قديما ينسج بالطريقة التقليدية، بعدها يخاط بالاعتماد على خيط المطاط ‏الذي يشد به خصر المرأة، ويضاف إليه الحزام ويزين بأحجار الجوهر، أما بالنسبة للألوان توضح قائلة: “فالرداء ‏التلمساني يعتمد تحديدا على الأبيض والذهبي أو الفضي، ولعل التقليد المنتشر بولاية تلمسان في الرداء أن العروس ‏تلبسه بعد مرور خمسة عشر يوما من زفافها، حيث تذهب العروس إلى الحمام، بعدها ترتدي الرداء الأبيض مزينا ‏طبعا بالشدّة التلمسانية، وهو دلالة اجتماعية مفادها استئناس العروس بحياتها الزوجية الجديدة”.‏ لون الملحفة يعكس المستوى الاجتماعي سعت الحرفية أم الخير سدراتي من ولاية ورقلة، إلى التعريف باللباس التقليدي الذي تشتهر به الولاية ممثلا في ‏‏“الحولي” و«الملحفة” اللذان يعتبران لباسان متشابهان إلى حد ما، ولديهما دلالات اجتماعية تعكس عراقة المنطقة ‏وأصالتها، حدثتنا عنها قائلة: “لعل الخصوصية التي تتميز بها ولاية ورقلة، أنها تحوي على نوعين من اللحاف، ‏الأولى تسمى بالملحفة وهي تصنع من مادة القماش وتحديدا قماش “الفيبران” وتلبس بفصل الصيف، أما الحولي فيتم ‏نسجه من الصوف الأبيض، بعدها يصبغ بالأسود أو الأخضر أو الأحمر ويلبس عموما بفصل الشتاء، لذا نجد أن ‏الحولي متوفر في ثلاث أنواع من الحولي الأحمر، الأسود والأخضر اللذان تلبسهما المرأة لدى زيارة الأولياء ‏الصالحين إذ أن لكل والي لون معين ينبغي أن تلبسه المرأة”.‏ كان ولا يزال الحولي والملحفة من أهم الألبسة التي كانت المرأة بولاية ورقلة ترتديها، والشائع بالألوان هو الأسود ‏والأبيض، ومن بين الدلالات الاجتماعية للألوان تقول الحرفية أم الخير، أن من تلبس الملحفة البيضاء تنتمي إلى ‏طبقة الأثرياء، أما من تلبس الملحفة السوداء فهذا يدل أنها تنتمي إلى الطبقة المتوسطة.‏ ما يجعل الملحفة الورقلية مختلفة عن غيرها كونها تخاط من جهة وتظل الجهة أخرى مفتوحة حسب الحرفية أم ‏الخير، ولا يزيد القماش فيها عن عشرة أمتار، وتشد بحزام وعلى مستوى الأكتاف تربط بالبروش الفضي، أما ‏الحولي يشد بالخلالة، وتؤكد الحرفية أن كل من اللحاف أو الملحفة والحولي يعتبران من الألبسة التقليدية التي لا ‏تستغني عنها المرأة بالأعراس والمناسبات السعيدة، ويعتبر أيضا من القطع الضرورية بتصديرة العروس التي ‏يشترط أن يكون لونها فاتح سواء أبيض أو أخضر أو بنفسجي.‏ الشطاطة الأغواطية لا تصنع إلا بالحرير الخالص عرضت الحرفية مريم عمار، رئيسة جمعية زهرة الرمال للصناعات التقليدية والمحافظة على التراث بولاية ‏الاغواط، أقدم ملحفة أو “شطاطة” كما تسمى بالولاية، يزيد عمرها عن القرن، وفي تعريفها لها قالت بأن أهم ما ‏يميز الشطاطة الأغواطية كونها تصنع خصيصا من مادة الحرير المنسوج وتشد بإكسسوار يسمى “الدرق”، وهي ‏عبارة عن ريشة مصنوعة من الفضة أو الذهب، حسب إمكانيات المرأة طبعا، وتلبسها العروس من دون حزام قبل ‏أن تذهب إلى بيت زوجها، وبعد الانتقال إلى الحياة الزوجية يتم تحزيمها دلالة على الانتقال إلى حياة جديدة.‏ لا تخاط الشطاطة الأغواطية وإنما يتم الحفاظ عليها كقطعة قماش واحدة، ولأن عملية نسج هذا القماش صعبة تم ‏التخلي عن هذا اللباس التقليدي الذي كان ولا يزال رمزا لحياء المرأة وحشمتها، إذ أن من أهم ميزاته تقول الحرفية ‏مريم: “كون الشطاطة تأتي طويلة بحيث تستر كل جسم المرأة، ويأتي في ألوان غير فاقعة إذ تتباين بين الأبيض ‏والأزرق، أو الأخضر والأبيض وتلبس مع الكاراكو، وتتزين بحلي فضية تخص الجبين وعقد معد من السخاب، ‏الخلخال والأسوار”.‏ الألوان الزاهية والحلي الفضية ميزة “املحف” القبائلية لا يمكن لأي كان أن يخلط بين الملحفة القبائلية وغيرها من الملحفات التي عرضت ببهو قصر الثقافة لسبب بسيط ‏وهو أن الملحفة القبائلية لديها العديد من المميزات التي تجعل أيا كان يجزم بأنها من منطقة القبائل، يكفي فقط النظر ‏إلى الحلي الفضية التي تزين بها، والألوان الزاهية في شكل خطوط ملونة، أو رموز أمازيغية، هكذا إرتأت الحرفية ‏وردية سكري من ولاية تيزي وزو، بدا حديثها عن هذا اللباس التقليدي وأردفت قائلة: “لا تختلف كثيرا الملحفة ‏بمنطقة القبائل عن غيرها المتواجدة عبر كل ربوع الوطن من حيث الشكل، غير أن الاختلاف الوحيد يتمثل في أن ‏جداتنا كن ينسجنها من أجل هذا يأتي قماشها مختلف وتسمى “املحف”. أما بالنسبة للألوان فليس هنالك لون محدد بل ‏كان يتم استخدام الألوان التي كانت متوفرة وقتها، بعدها يجري تزينها بالخيوط الملونة وفي كل منطقة من مناطق ‏القبائل كانت تعتمد على ألوان مختلفة لتتميز بها أو الاعتماد على بعض الرموز القديمة”.‏ تعتبر الملحفة من الألبسة الأساسية في تصديره العروس، حسب الحرفية وردية، ويشترط أن تكون بيضاء، يضاف ‏إليها منديل وحزام الحرير طبعا، وترافقها كل الإكسيسوارات الفضية بدءا من الرأس وصولا إلى الأقدام، وعلى ‏العموم توضح: “كانت الملحفة قديما لا تخاط من الجانبين، بل عبارة عن قطعة قماش تشد عند الأكتاف بالحلي ‏الفضية وتحزم، ولعل من خصائصها أنها طويلة لتستر جسم المرأة، بعدها أضيف إليها جبة مصنوعة من الحرير ‏لتكون أكثر حشمة، اليوم بعد أن تم عصرنتها يجري خياطتها من الجانبين لتكون أكثر عملية”.‏