الحرف والصناعات التقليدية في الجزائر
تنوع ثقافي وفسيفساء بحاجة إلى نفض الغبار

- 803

قال الأستاذ الجامعي بجامعة "8 ماي 45" في قالمة، الدكتور عبد الله بن الشيخ، إن للجزائر رصيدا حضاريا، يمكنه أن يكون رافدا اقتصاديا، من خلال العدد الهائل من الحرف، تواجه به شبح البطالة وتحافظ من خلاله على الهوية الجزائرية، كما لها فسيفساء من التنوع من الجانب الجمالي، وهي ميزة لا تكسبها الشعوب الأخرى، وهذا الاختلاف أدى إلى التنوع الثقافي لو يُستغل ويُدَعم من مجالات عديدة، تصبح الجزائر قطبا عربيا وإفريقيا، داعيا إلى العودة إلى هذا الإرث واستغلاله بشكل منتج للقيمة المضافة. جاء ذلك في الملتقى الثاني من نوعه، الموسوم بـ"الأيام الوطنية للفنون والألبسة التراثية والصناعات التقليدية"، والذي نظمته جمعية "الينابيع الثقافية الخاصة بالفنون والصناعات التقليدية لولاية قالمة "بدار الثقافة "عبد المجيد الشافعي".
عالج الدكتور بن الشيخ في مداخلته، مرحلة العطاء وبعدها التدمير التي مرت بها الجزائر من 1518 إلى 1962، وقال إن الجزائر مرت بمرحلة العطاء خلال المرحلة العثمانية، ومرحلة التدمير خلال الاحتلال الفرنسي، مضيفا أن الجزائر ازدهرت في مرحلة الأوج، ثم مرحلة التدمير التي لازلنا نعاني منها، وما عمله الاحتلال الفرنسي بالحرف والحرفيين لمدة 132 سنة، أوضح المتحدث أن الجزائر كان لديها تبادل تجاري، وكانت منتوجاتنا الحرفية تصل إلى أقصى الجنوب، باتجاه تمبكتو ومالي والنيجر، وإلى الضفة الشرقية والشمالية، وبحكم المناخ الذي يسود البلاد من الجاف وشبه الجاف والصحراوي، كان له تأثير على نشاط الجزائري، بإنتاج منتوجات حرفية، حسب البيئة والنمط المعيشي اللذين كان لهما انعكاس مباشر على الحرفة، على غرار "القشابية"، "الحايك"، "البرنوس" والزربية وغيرها، أنتجت في ظروف مناخية طبيعية، وأكد أن التعايش مع البيئة والعوامل الجغرافية له تأثير في ذلك.
مضرب مثل في أوروبا
أشار المتحدث، إلى أن الجزائر خضعت للاحتلال الإسباني الذي احتل السواحل الجزائرية كلها، وأتى بحضارة من اللباس والعمران والموسيقى وغيرها، وبسقوط الأندلس التي كانت معلما من معالم الحرف، أثر ذلك على الجزائريين الذين استنجدوا بالعثمانيين، وأصبحت الجزائر فيما بعد، أكبر قوة بحرية ولها رصيد حضاري ثقافي، وامتزجت الحضارة بتأثيرات شرقية بإضافة حضارة الأندلسيين، وبلغت هذه المرحلة أوج عطائها، وبدأت الدولة في تنظيم الحرف، فكانت بعض الحرف داخل المدن وأخرى خارجها في الريف، و90 بالمائة من الجزائريين كانوا عبارة عن قبائل وأعراش، وكانت كل قبيلة تحافظ على موروثها الثقافي من الخيمة واللباس وغير ذلك، ونتج عن استقرار البلاد في ذلك الوقت، الإبداع والإنتاج، فكانت لكل من أهل المدينة بما يعرف بـ"حضرية" وأهل الريف بما يعرف "البرانية" خصوصياته، وأوضح عبد الله بن الشيخ أن المدينة كان لها قسمان، مثل قسنطينة، تلمسان، عنابة وغيرها، كان القسم الأول: القصبة وهي مكان إداري وعسكري، والقسم الثاني: خارج المدينة، يوجد بها المسجد والعمارة، والحمامات بما يعرف "الحمامجية"، وما شهد الغرب على الجزائريين في ذلك الوقت؛ النظافة.
فكانت الجزائر مثالا يُضرب في الدول الأوروبية، ثم من حيث العمران، كانت الجدران تُطلى بالجير الأبيض، ومع زرقة البحر، يعطي المنظر جمالا رائعا، وهذا يعتبر فنا من الفنون، وكان الطابق الأول من العمارة مخصصا للتجارة، والطابق الثاني للمبيت والطابق الثالث للنساء والأشغال اليدوية اليومية، وكانت للمنتوجات مكانة في التجارة تُسوق إلى الخارج، أما أسواق الحرفيين فكانت متخصصة في النحاس، الدباغة، الذهب وغير ذلك، ومن أهم الحرفيين، ذكر المتحدث؛ "الحواكة" (المنتوجات الصوفية)، "الخياطون"، "القزازُون" (حرفيو خيوط الحرير)، "الخراطون" (النوافذ والشرفات)، "الدباغون"، "الرقاقٌون" (آلات موسيقية من الدربوكة والبندير والزرنة)، "الحْلاوْجِيَة" (حلوة تقليدية معسلة ومن اللوز)، "الصياغون" (خاصة الخلاخل والخواتم)، "الجلابون" (المواشي)، إلى جانب الزَّوَاقون و"الدلالون" و"الفكاهون" وغيرهم، أي ما يقارب 100 حرفة، وكانت كل حرفة تسمى "الجماعة أو أصحاب الصنعة"، وكان لكل حرفة "شيخ" يجب أن تتوفر فيه خصائص معينة، وهي من الرتب العليا، ثم يأتي "المْعَلَّمْ" ثم "المبتدأ".
أما مرحلة التدمير، فقد أكد عبد الله بن الشيخ، أن فرنسا لما احتلت الجزائر، أول ما قامت به؛ تدمير الحرفيين والجماعات والطواف والبنية الاقتصادية، لأن الحرفة تمثل الأمن القومي للجزائريين، خدمة لاقتصادها، وبدأت بعملية التفقير، ورغم هذا، حافظ الجزائريون على حرفيهم من اللباس والفخار والنحاس وغير ذلك.