مختصون يتحدثون إلـى "المساء" عن مشاكل الصيرفة الإسلامية

تكوين العنصر البشري.. الترويج الميداني وتغيير ذهنيات العملاء

تكوين العنصر البشري.. الترويج الميداني وتغيير ذهنيات العملاء
  • القراءات: 535
رشيدة بلال رشيدة بلال

قدّم المشاركون في فعاليات الملتقى العلمي الوطني الأول حول "التسويق الإسلامي، كمدخل استراتيجي لرفع أداء مؤسسات الصيرفة الإسلامية" الذي انعقد، مؤخرا بجامعة البليدة "2" علي لونيسي بالعفرون، جملة من المقترحات الميدانية، التي من شأنها استقطاب الزبون نحو مختلف المنتجات المالية الإسلامية، لتعميم استعمال الصيرفة الإسلامية في مختلف المعاملات؛ سواء بالنسبة للمستثمرين، أو المودعين، أو حتى المستفيدين من التمويل.

رصدت "المساء"، في هذا الصدد، آراء وتحاليل عدد من الأساتذة المختصين وممثلي البنوك الإسلامية من المتدخلين، لتحديد تصوراتهم، ومقترحاتهم في إنعاش مؤسسات الصيرفة الإسلامية في الجزائر في ظل الأوضاع الاقتصادية والقانونية الراهنة.

الدكتور في العلوم الاقتصادية حدو علي: مصطلح "قرض حلال" فيه مغالطة

يرى رئيس الملتقى حدو علي، الدكتور في العلوم الاقتصادية، أن الإشكالية التي تبحث عن إجابة لها من خلال فعاليات الملتقى، هي: كيف يمكن للتسويق الإسلامي أن يساعد تجربة الصيرفة الإسلامية  بالجزائر على الانتشار؟ هذه الصيرفة التي انطلقت منذ 1991 وبعد صدور نظام 20 /02، عرفت موجة تفعيل على مستوى الساحة والسوق الجزائرية، حيث تم إعطاء الأرضية من خلال التشريع القانوني. كما أثبتت إرادة الحكومة تبنّي هذه الصناعة، بقوله: "كل هذا أدى إلى تنظيم مختلف المنتجات، وكيفية إصدارها واعتمادها". وحسبه، فإن كل هذه الإجراءات "أعطت، أيضا، للبنوك من الهيئة الوطنية للإفتاء للصناعة المالية الإسلامية"، موضحا: "عند الحديث عن صناعة، فنحن نتحدث عن سوق، ما يعني وجود علاقة بين المنتج ـ وهي المؤسسة التي تقدم خدمة ـ والزبون الذي تقدَّم له الخدمة، وعليه لا بد من محاولة الوصول إلى إرضاء الزبون، والعمل على كيفية الوصول إلى الجودة في الخدمة المقدمة حسب التسويق الإسلامي". وقال إن الغرض ليس الوصول إلى تحقيق الربحية بقدر ما هو السعي إلى تحقيق مقاصد الشريعة، الممثلة في مؤشرات التنمية المستدامة، مضيفا أن الوصول إلى الرفع من أداء مؤسسات الصيرفة الإسلامية، يتطلب دراسة السوق من خلال البحث في العلاقة بين الزبون ومدى رضاه، ودراسة التجارب الدولية التي نجحت في تحقيق أداء عال فيها، وترسيخ التسويق الإسلامي كممارسة، وموضحا أنها، ببساطة، مؤسسات ربحية، تبحث عن جمع الأموال، وإعادة توزيعها بعقود تجارية لا عقود قروض، وذلك للابتعاد عن الربا". وأضاف: "عند تقييم الصيرفة الإسلامية في مجتمعنا، نجد أن هناك مشكلة في الاتصال التسويقي، وكيف أن المنتجين ـ وهم البنوك ـ يحاولون إعطاء أفضل ما لديهم، ولكن لايزالون بعيدين عن إرضاء الزبون". ويقول: "من أجل هذا، لا بد من الوصول إلى الزبون عن طريق التسويق، الذي من شأنه أن يغيّر قناعات الزبون، وفهم سلوكاته، وفهم احتياجاته، وتمكينه من الخدمات التي يتطلع إليها، وبنفس الجودة، ما يعني أن التسويق يظل الطريقة الأساسية للرفع من أداء هذه المؤسسات المالية".

وفي ما يخص أهم توصية يمكن التأكيد عليها قال: "هي الاهتمام بأدبيات التسويق، ودراسة السوق والاتصال التسويقي؛ لأن بعض المفاهيم مثل مصطلح (قرض حلال) على منتجات الصيرفة الإسلامية، قد تُحدث مغالطة؛ من منطلق أنها قروض مجانية، لكنها في الواقع هي عبارة عن عملية بيع".

المديرة المركزية ببنك التنمية المحلية زناد حورية: نجاح الصيرفة الإسلامية مرهون باستقطاب الأموال

ترى المديرة المركزية للصيرفة الإسلامية ببنك التنمية المحلية، حورية زناد، من جهتها، أن "المنتجات التي يعتمدها بنك التنمية المحلية والتي شرع في تسويقها، هي "مرابحة الاستهلاكية"، و"مرابحة السيارات"، و"مرابحة الاستغلال"، و"الاستثمار" بالنسبة للشركات وأصحاب المهن"، مشيرة إلى أن "البنك تمكن من إطلاق 18 فرعا من أجل الترويج لمنتجات الصيرفة الإسلامية عبر مختلف ولايات الوطن، في انتظار الرفع من عدد الوكالات مع نهاية السنة، إلى 40 وكالة". وحسبها، فإن عملية التسويق تعتمد، بالدرجة الأولى، على الإشهار، وموظفين مؤهلين في الصيرفة الإسلامية، وتجنيدهم فقط لهذه المهمة، ليتمكنوا من إقناع الزبون والحصول على الخدمة التي يبحث عنها".

وحول المنتجات الأكثر رواجا والتي يقبل عليها الزبون بكثرة بعد التركيز على العملية الترويجية، أوضحت المتحدثة أنها تتمثل في الإجارة منتهية التمليك لشراء مسكن، ومرابحة السيارات، والتي تلبي احتياجاته الضرورية، بينما يعمل البنك، في المقابل، على الترويج لباقي المنتجات الأخرى من أجل استقطاب أصحاب المؤسسات، الذين يبحثون عن تمويل مؤسساتهم لشراء المعدات والأجهزة، أو بحثا عن مرابحة الاستغلال لشراء المواد الأولية، للرفع من العملية الإنتاجية، مشيرة السياق، إلى أن تجربة البنك وقفت على الإقبال الكبير على التمويلات، غير أن استراتيجية البنك هي البحث عن سبل استقطاب الأموال، ليتمكن من القيام بالتمويلات.

ومن جهة أخرى، أوضحت المتحدثة أن "ثقافة الصيرفة الإسلامية لاتزال بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتعميمها، موضحة: "نجد أن زبائن البنك متعوّدون على المعاملات التقليدية؛ كالقرض الاستهلاكي، وشراء مسكن. أما بالنسبة للتمويلات الإسلامية، فإن العملية لاتزال محصورة في الاستفسار والبحث عن فهم طريقة العمل بها، خاصة بالنسبة للمطابِقة الشريعة"؛ ما يعني أن العملية لاتزال بحاجة إلى توضيح أكثر؛ لعدم الفهم؛ لأن مجرد الحديث عن الصيرفة الإسلامية يجعل الزبون يتصور أن المقصود هو التقدم من البنك، وطلب المبلغ، ليقوم البنك بشراء المنتج وإعادة بيعه له بنفس الثمن، وهو مفهوم خاطئ؛ لأن البنك مؤسسة مالية هدفها ربحي، وهو المفهوم الذي نسعى اليوم إلى تبسيطه؛ من أجل الرفع من أداء الصيرفة، من خلال تكثيف اللقاءات، والحملات التحسيسية، والندوات، للتعريف بمختلف الصيغ والمنتجات".

طالب دكتوراه معمر ملياني: استحداث خدمات جديدة ينعش الصيرفة الإسلامية

انطلق معمر ملياني، طالب دكتوراه، في مداخلته للإجابة عن إشكالية الملتقى الممثلة في كيفية العمل على التسويق الإسلامي للرفع من أداء مؤسسات الصيرفة الإسلامية، من إجراء مقارنة بين بنكين، ممثلين في بنك إسلامي، وهو "بنك السلام"، وبنك "التنمية المحلية"، في بعض أسعار الخدمات ممثلة في" تسيير الحسابات، والخدمات البنكية الإلكترونية، وخدمات بطاقات مصرفية، وبطاقات ما بين البنوك، والخدمات الخارجية، حيث قال: "اتضح لي من خلال المقارنة، أن الخدمات التقليدية التي تعتمدها البنوك العادية، تتفوق في تسيير الحسابات من حيث إقبال العملاء عليها، بينما في الخدمات المستحدثة نجد البنوك الإسلامية متفوقة في خدمات البطاقات، التي يقدم فيها البنك الإسلامي العديد من البدائل، وهذا يقودنا إلى نتيجة هامة، وهي أن نجاح البنوك الإسلامية والرفع من ادعاءاتها يتطلب منها أن تستحدث خدمات جديدة، وبأقل الأسعار، وألا تقتصر على تقديم خدمة واحدة".

إسماعيل أكنيش طالب دكتوراه: نجاح التسويق الإسلامي مرهون بالتكوين الشرعي للمستخدمين

يرى إسماعيل أكنيش، طالب دكتوراه صيرفة إسلامية، أن الرهان، اليوم، على إنجاح الصيرفة الإسلامية من خلال التسويق الإسلامي، يعتمد على العنصر البشري، لتحقيق رضا الزبون. وحسبه، فإن المورد البشري له دور هام في تحقيق رضا الزبون، حيث تبين لنا من خلال البحث، أن العنصر البشري يلعب دورا كبيرا في الوصول إلى إرضاء الزبون عن طريق الاهتمام بمشاعره، والاحتكاك المباشر به، وبالتالي، يردف، "كلما زاد الاهتمام بالعملاء زاد اهتمام العميل نحو البنك من خلال طريقة الشرح والاستقبال والترحيب به، والاهتمام بمشاكله، وطريقة تقديم المنتج والترويج له، والابتعاد عن أي نوع من التدليس أو المخادعة"، مشيرا إلى أن العملية التسويقية متوقفة على نوعية المستخدم الذي يعرض الخدمة.

وحسب المتحدث، فإن المستخدمين في البنوك الإسلامية يُفترض أن لديهم خصوصية عن غيرهم من المستخدمين، ما يفرض على المستخدم أن يكون لديه اطلاع خاص على الشريعة الإسلامية، وبالتالي لا يمكن أيّاً كان توظيفه بالبنوك الإسلامية. كما إن اهتمامه يكون منصبا على الجانب الشرعي أكثر من الربحي. ومن هنا يقول: "تظهر أهمية التكوين لإنجاح العملية التسويقية، وذلك في الجانب الشرعي أكثر من الجانب المعاملاتي، لأن الاحتكاك المباشر بالزبون وتقديم الخدمة من طرف المستخدم، كفيل بجعله يتمسك بالخدمة أو يعزف عنها، وبالتالي موظف الصيرفة الإسلامية لا بد أن يكون لديه اطلاع كامل على المعاملات من الجانب الشرعي".

البروفيسور ياسين قاسي: البنوك الإسلامية مدعوّة للترويج لمنتجاتها

يعتقد البروفيسور ياسين قاسي الذي شارك بمداخلة بعنوان "دور الترويج البنكي في إرساء ثقافة المضاربة والمرابحة في البنوك الإسلامية"، أنه بعدما أصبح لزاما على كل البنوك أن تفتح شباكا للصيرفة الإسلامية، لا بد من الإجابة عن التساؤل التالي: "كيف يمكن أن نقنع المودعين بالولوج ووضع الودائع بالبنوك الإسلامية؟"، مشيرا في هذا السياق، إلى أن الحل المقترح هو اللجوء إلى الترويج البنكي، الذي يُعتبر أول سبل التسويق الإسلامي"، وموضحا: "الترويج يحوي على خمس محاور؛ منها الإشهار، والبيع الشخصي، وتنشيط المبيعات، والعلاقات العامة والتسويق المباشر، غير أن الجهل بآليات الاقتصاد الإسلامي، يخلط بين بعض المفاهيم؛ كالمضاربة، والمرابحة، والمشاركة"، مرجعا ذلك إلى أن الصيرفة الإسلامية لاتزال جديدة العهد في الجزائر، قائلا: "لذا نقترح كمختصين من أصحاب شبابيك البنوك الإسلامية، العمل على إيصال الرسالة إلى الناس، ويأتي في مقدمتهم الطلبة الجامعيون، الذين يمكن المراهنة عليهم لإنجاح العملية الترويجية".

وحول مدى اعتماد البنوك الإسلامية على مختلف الصيغ الترويجية في العملية التسويقية للرفع من أداء الصيرفة الإسلامية، يرى المختص أن بعض البنوك بدأت تمارس بعض الأنشطة الترويجية؛ كإعداد المطويات، وتوزيعها، ولكن العملية تسير بصورة بطيئة وليست في المستوى المطلوب، وبالتالي "لا بد للبنوك الإسلامية أن تخرج إلى الميدان، وتعتمد على الاحتكاك المباشر"، حسب تأكيده.

ويختم المتحدث المختص بقوله: "في اعتقادي، تفعيل الترويج من شأنه أن يوصل المعلومة إلى عامة الناس، ويحفّزهم على التعامل مع مختلف الصيغ بالبنوك الإسلامية، ويرفع من أداء هذه المؤسسات المالية".