احترام المرأة الحامل في الأماكن العمومية

تغيُّر في المفاهيم يربك قيم المجتمع

تغيُّر في المفاهيم يربك قيم المجتمع
  • 543
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

لم يعد أفراد المجتمع يولون ذلك الاحترام والرأفة بالنساء الحوامل، خصوصا في الأماكن العمومية! إذ كثيرا ما يصادف المتجول في بعض الأماكن التي تكثر فيها الزحمة على غرار وسائل النقل أو الإدارات أو حتى المساحات التجارية، تلك اللامبالاة بحالة الحامل الصحية رغم ظهور التعب والإعياء على ملامحها، وهي التي اضطرت للخروج لقضاء بعض حوائجها، ولا الصغير  أصبح يحترم الكبير، فيترك له الأولوية أو يمنحه مكانا يستريح فيه! والأدهى من ذلك، انتقال هذا السلوك إلى البالغين، الذين يُفترض أنهم يدركون معاناة العاجز، أو المرأة الحامل؛ في صورة توحي بجفاء في المشاعر، وتغيّر عميق في قيم المجتمع!... والسؤال المطروح هنا... إلى أين نحن ذاهبون بقساوة القلوب...؟!

ما لا يختلف فيه اثنان، أن في المحلات التجارية الكبرى ومراكز البريد والبنوك وغيرها من المؤسسات المالية والصناديق، هناك أولوية للدفع، تسمح للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة ولكن أيضا للنساء الحوامل، بالمضيّ قدما، ولهم أولوية المرور للدفع قبل غيرهم من الأشخاص في الطابور؛ نظرا لحالتهم التي لا تسمح لهم بالوقوف مطولا. ولكن في مقابل ذلك، يسود اعتقاد أن "الحمل ليس مرضًا"؛ فلهذا تجد أن الكثيرين يمتعضون من وضع تعليمات منح الأولوية للنساء الحوامل!

وحسب بعضهن، فإن حالة الحمل ترهق الكثيرات؛ بسبب التقلبات الهرمونية، والصحة النفسية، والعضوية.

ولأنه لا بد من تفادي الزحمة والأماكن الضيقة التي تشهد عددا كبيرا من الناس عندما تكون المرأة حاملا ووفق النصائح التي يقدمها الطبيب المعالج لتجنب خطر الولادة المبكرة، أو لأن الحامل تعاني من آلام الظهر، أو التعب الشديد، وحتى من الغثيان المستمر، وضع المشرّع جملة من القوانين التي تحمل في طياتها، الرحمة والإنسانية إزاء أشخاص أكثر حساسية من غيرهم؛ كالحوامل، وذوي الاحتياجات الخاصة، أو كبار السن؛ من خلال إعطائهم الأولوية لقضاء أشغالهم قبل غيرهم؛ لتكوين مجتمع مبني على الاحترام المتبادَل، والرحمة، والرفق بالغير. ورغم ذلك تجد البعض في المجتمع يضرب بتلك القوانين وحتى الأعراف، عرض الحائط، غير مهتمين لا بالقوانين ولا بقيم الجميع!

ولقد جمعت "المساء" بعض شهادات نساء حوامل كن ضحية "هضم" مباشر لحقهن، على الأقل مرة خلال حملهن، وتم منعهن من الاستفادة من تلك الأولوية الممنوحة لهن. وأجمعن على أن كثيرا من أفراد المجتمع ليست لهم ثقافة منح الأولوية للمرأة الحامل، أو الشخص الذي يعاني إعاقة، أو حتى كبير السن؛ لتجنيبه الانتظار وتسريع خدمتهم، وأشرن: "رغم أنه في بعض الحالات، هناك لافتات، تشير إلى أن للبعض الأولوية على الآخرين، إلا أنها لا تُحترم!".

وفي نفس السياق، أجمعت محدثات "المساء" على أنه "حتى إن لم تكن هناك قوانين تضبط هذا الأمر، فمن باب الرحمة والمساعدة، أن يتم احترام ذلك"، موضحات أنه لا يمكن أبدا نكران صنيع كثير من الأشخاص في المجتمع؛ من رجال ونساء كبار وصغار في السن، يحترمون هذا الحق، والدليل على ذلك التنازل عن الدور؛ خدمة للحامل، وترك لها فسحة المرور بدون الانتظار. كما إن الكثيرين يقفون لهؤلاء في الحافلات ومختلف وسائل النقل، حتى يتسنى للمرأة الحامل أو تلك التي تحمل رضيعا، الجلوس حتى وإن كان الشخص المبادر من كبار السن؛ إذ تُعطى الأولوية للحامل؛ رأفه بحالتها الصحية، ووضعيتها المتعبة.

وفي هذا الخصوص، قالت نادية مزنان، طبيبة منسقة بمؤسسة الطب الجواري لبرج الكيفان، إن المرأة الحامل تعاني منذ الأشهر الأولى من حملها، من تغييرات في الجسم، وحتى نفسيتها تجعلها حساسة جدا، وهي صحيا لا يمكن وصفها بالمريضة، إلا أن لديها أعراضا صحية تجعلها متعبة وتشعرها بإرهاق وتعب شديد، وأحيانا يصل الأمر بها إلى بلوغ آلام الظهر، والغثيان، وفي حالات كثيرة تتعب، ولا تقدر على الوقوف؛ إذ يشعر كثير من الحوامل بألم أسفل البطن، وهو ما يشكل خطرا على صحتها، وصحة جنينها، وقد يهدد بولادة مبكرة. وتشدد الطبيبة في هذا الشأن، على أهمية تثقيف المجتمع بخصوص المرأة الحامل، مؤكدة: "لا يكفي سن قوانين وقواعد داخلية لإعطائها الأولوية؛ لأنها ستجد نفسها أمام وضعيات لا يمكنها دائما تبرير نفسها، خصوصا إذا كانت السيدة تشعر بالخجل وفق عادات المجتمع، ولا يظهر عليها الحمل بشكل واضح، ولا يمكنها، بالتالي، تبرير رغبتها في المرور قبل غيرها"، مشيرة إلى ضرورة تثقيف الكبير والصغير باحترام مثل هكذا حالات؛ لجعل هذه السلوكات عفوية، وطبيعية داخل المجتمع.