ممارسة الشعوذة في المقابر

تعد على حرمة الموتى وحرية الأحياء

تعد على حرمة الموتى وحرية الأحياء
  • القراءات: 849
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

بعدما كانت للمقابر في وقت مضى رهبة خاصة تقشعر لها الأبدان ويتخذ منها البعض موعظة لتذكر الموت ومعرفة أن البقاء لله وحده، أصبحت اليوم بؤر فساد انتهك حرمتها ضعاف النفوس من المشركين بالله الذين نبشوا القبور ومارسوا فيها مختلف أنواع السحر، كالذي يطلق عليه اسم"القبر المنسي" الذي وصفه بعض محدثينا بالضربة القاضية التي تجعل الشخص المسحور ميتا وسط عالم الأحياء.

قبور وشواهد غطتها أقفال وأقمشة ملطخة، قصاصات من الورق المكتوبة بلغة وعبارات غير مفهومة، كتل من الرصاص، حناء وأشياء أخرى، تعمد البعض جعل القبور مخبأ لها، وهي ممارسات تتم في وضح النهار بعيدا عن أعين الحراس الذين استأمنوا وجوها غطاها الحزن- ظنا منهم أنه حزن على موتاهم- لكنه مجرد قناع نفاق لعبور البوابة والبحث عن قبر لضحية جديدة برمي شيء يخصها فيه لن يبحث عنه أي شخص، لا تشوبهم شبهات بأن نيتهم هي تخريب بيت أو إحزان شخص أو تدمير حياة، كل ذلك بسبب أشخاص سببت لهم الغيرة والحسد والبغضاء والكراهية عقدا نفسية لا يعبرون عنها إلا بالشر وأفعال المنكر، نفوس تغذيها الإساءة للناس جهلت أن الله فوق كل شيء ولا تصيب بني آدم مصيبة إلا بإذنه.

حول هذا الموضوع، كانت لـ"المساء" جولة ميدانية إلى إحدى أشهر المقابر بالعاصمة، وهي مقبرة القطار التي لها سبعة مداخل، يزورها مئات الأشخاص يوميا لتبلغ الذروة بالآلف يوم الجمعة بين نساء ورجال، حيث يبدو أن نية البعض ليست الزيارة فقط. ففي الوقت الذي يترحم بعضهم على موتاهم، يسعى البعض الآخر بكل ما لديه إلى دفن حي يرزق.

اقتربنا من مراد بن دايخة مسؤول فرقة الأعوان الخاصة بحماية القطار نهارا، وأعرب لنا عن استنفاره لهذه الظاهرة المتمثلة في ممارسة الشعوذة في القبور والتي باتت تطغى على تفكير الكثيرين، وانتشرت بصورة بلغت حدا لا يسكت عنه في ظل غياب القوانين الصارمة والرادعة لهذه الأفعال بصفة نهائية، حيث قال: لقد بلغت الظاهرة واقعا يحكى عليه في كل مكان، والأدهى ما في الأمر أنها تتم بصفة تكاد تكون عادية، الأمر الذي زعزع ذلك الجانب الإنساني لفاعلي الخير، منهم أعوان الحراسة وكذا بعض الجمعيات والفرق الكشفية، بتنظيم حملات تنظيف خاصة بإزالة السحر وفكه أو نشره على صفحات "الفيسبوك" حتى يراها المعني بها وربما يكون له الشفاء على يد فاعل خير.

على صعيد آخر، أوضح نفس المتحدث أنه سبق أن تم اكتشاف أشياء داخل القبور لا يصدقها العقل ولا يتقبلها عاقل، أشياء غريبة من صور لضحايا ودبابيس وحيوانات ميتة وعلب حديدية وقطع من الأقمشة وغيرها،  لم يجد أمامها جامعوها إلا قراءة القرآن عليها ورقيتها لفك السحر عنها.

وأضاف مراد بن دايخة أن المقابر المنسية وغير المحروسة بعيدا عن العاصمة ملاذ المشعودين لممارسة أفعالهم غير الإنسانية، خاصة بالقبور التي غطتها الأعشاب والتي يتم فيها دفن صور، علب حديدية وأقمشة وقصاصات ورقية، دم وقطران وحيوانات. 

وعلى صعيد آخر، حدثنا أمين عون حراسة بالمقبرة قائلا: "إن ذوي النفوس الضعيفة باتوا يبحثون عن أكثر الوسائل المسيئة للإنسان ومن أخطرها رمي السحر وسط القبور، أو ما يعرف بسحر القبر المنسي، وهو من أصعب أنواع السحر وأكثره فعالية، مضيفا أن النساء أكثر فئة ممارسة لهذه الرذيلة التي تعد شركا بالله.

وأوضح أمين الذي وصف هؤلاء المجرمين بشيطان قائلا: "من الضروري أن يتحلى الأشخاص الذين يغسلون موتانا بالأمانة، الصدق والخوف من الله وعلى الناس أن لا يتركوا موتاهم بين أياد غير تقية، لأن البعض أصبحوا يتاجرون مع المشعوذين ليبيعوا لهم ماء الغسل أو قطعة من الكفن أو غيرها بالملايين، لذا لابد من ضبط قانون رادع للتصدي لهذه الظاهرة بتخصيص فرق مختصة لمحاربة هذه الجريمة وعدم السكوت عن المنكر وفرض قوانين صارمة على هؤلاء".

وعلى صعيد آخر، قال الإمام طارق بركان من مسجد في قسنطينة، بأن الشعوذة أخدت منعرجا جد خطير في الجزائر، لا يمكن القول بأنها سابقة فهي أفعال كانت موجودة منذ زمن طويل، إلا أنها اليوم ازدادت بشكل مخيف ومثير للقلق، وأرجع المتحدث تنامي تلك الظاهرة وسط شعب مسلم إلى ابتعاد البعض عن أحكام الشريعة الإسلامية، وضعف الإيمان في نفوس البعض بسبب شهوات الدنيا، حيث تجد هؤلاء يسعون بكل ما لديهم لتحقيقها حتى وإن كان ذلك عن طريق إغضاب الله.

وأضاف المتحدث قائلا؛ لا يختلف اثنان على أن السحر والشعوذة حرام، سواء بممارستها أو تعلمها أو حتى الإيمان بها، لأنه شرك بالله وهو من الكبائر، والسحرة مطردون من رحمة الله لا تقبل توبتهم ولا تجوز فيهم الشفاعة، فإلي جانب تدخلهم في حكم الله بمحاولة تغيير مجرى حياة إنسان، فتلك الأفعال تسيء للفرد وتحول حياته إلى جحيم، إلا أن الضرر لا يتم إلا بإذن الله.

وأكد الإمام طارق أنه مهما حاول المشعوذ إيذاء الناس، فإن السحر ينقلب عليهم ليصبحوا عبدة الشياطين والجن، يعيشون حياة غير مريحة يعمها الخوف والبلاء ولا يفلحون في شيء من الأعمال الصالحة وإنما يزيدهم الله شقاء في الدنيا والآخرة.