ديكور بألوان الأصالة والحضارة

تظاهرة "ثافسوث" موعد لإبراز تقاليد سكان الأوراس

تظاهرة "ثافسوث" موعد لإبراز تقاليد سكان الأوراس
عيد الربيع بالاوراس
  • القراءات: 1211
 ع. بزاعي ع. بزاعي

انطلقت الاحتفالات بعيد الربيع المعروف بـ ثافسوث، خلال نهاية الأسبوع الفارط، بمنطقة الأوراس، في أجواء بهيجة، وسط ديكور يعبر عن الأصالة والأبعاد الحضارية للمناسبة، التي أشرفت على إحيائها جمعية مازر للثقافة والعلم بقرية مازر، دائرة ثنية العابد، الواقعة على بعد 65 كلم عن مدينة باتنة، بإقامة مهرجان ثقافي تم خلاله عرض نشاطات متنوعة، تقوم أساسا على إبراز عادات وتقاليد سكان الأوراس، بالموازاة مع تسجيل حضور مميز لسكان المناطق المحاذية لثنية العابد أيضا.

ميزت هذه التظاهرة استعراضات رائعة، في ديكور جمع بين الرقصات الفلكلورية والألعاب الشعبية العريقة المتوارثة في الجهة، إضافة إلى ما تضمنه البرنامج من تقديم عروض مسرحية للأطفال ونشاطات ثقافية مميزة بالمناسبة، جلبت إليها جمعا غفيرا من مواطني المنطقة ومدعوين من مناطق عديدة من الوطن، إلى جانب تقديم محاضرات ألقاها دكاترة مختصون.

تعد هذه المناسبة التي تتزامن مع توديع فصل الشتاء بعنفوانه وطقسه البارد، واستقبال الربيع الذي يبشر بالاخضرار والازدهار، فرصة لإحياء العديد من الطقوس التي تساير المناسبة، مع تحضير أكلات تقليدية ووجبات تتماشى مع الاحتفاء بالربيع والتفاؤل بعام فلاحي خصب ومتنوع المحاصيل.

لعل ما يعرف عن هذه التظاهرة السنوية، التي تنظمها الجمعية لأول مرة في هذه القرية، أن العائلات تقوم بتحضير مستلزمات المناسبة، والمتمثلة في إعداد عصي مصنوع من شجرة البلوط، يستخدم للتحكم في الكرة المصنوعة من ضفائر الحلفاء، من أجل المشاركة في المهرجان الرياضي الذي يتم في الحقول والتجمعات السكنية، والذي يعرف مشاركة كبيرة للنساء، يطلق على هذه اللعبة اسم ثاكورث، وتردد عند لعبها عبارات خاصة بها، إلى جانب هذا، تلجأ بعض النسوة إلى الغابة من أجل اقتلاع فسائل العرعار، ليتم طحنه، وهي العملية التي تتم في جو يسوده الغناء والزغاريد، كلها تدخل في إطار إحياء التراث الأوراسي.

أوضحت رئيسة الجمعية فيروز زغدار، أن ثافسوث أو عيد الربيع، يتم في اليوم الأول من موسم الربيع، وفق العادات والتقويم الأمازيغي، والذي يعد بمثابة اليوم الأخير من فصل الشتاء، الذي يكون بالاحتساب الفلاحي الأمازيغي 14 فورار الموافق لـ25 فيفري من كل عام. وأبرزت جوانب مهمة من التظاهرة التي-بحسبها- فرصة للتعريف بعادات وتقاليد سكان المنطقة في هذا العيد، واستطردت قائلة: في هذا اليوم المميز، تخرج العائلات إلى البراري والساحات إيذانا بتوديع الشتاء بكل عنفوانه، واستقبال الربيع فصل الخصوبة والبهاء، لجمع الحشائش والنبات المعروف لديها، والذي تحضر منه وجبة عشاء الليلة الأولى في احتساب أيام الربيع، وعادة ما يكون كسكسي محلي بحساء تلك الأعشاب، على وقع أول أيام ربيع السنة الفلاحية.

حرصت السيدة زغدار، على تعريف الأطفال بالمناسبة، لتذكيرهم بتقاليد الأجداد التي لها ارتباط بالتاريخ العريق لسكان الأوراس، وألحت على ضرورة توسيع مثل هذه المبادرات التي تصب في خانة لمّ الشمل والتعريف بالموروث التاريخي للمنطقة.

أكدت الحاجة همامة، التي رغم تقدمها في السن، لازالت تحتفظ بذكريات طقوس إقامة أفراح ثافسوث، وحسبها، فإن النساء يقمن بإعداد البراج على شكل معين أو مستطيل، إذ يُحضّر أساسا من الدقيق والسمن وتمرالغرس، يوضع على نار هادئة ليكون لذيذ المذاق، وأضافت أن الاحتفالات تتواصل إلى وقت متقدم من الليل، مع إعداد أكلة دسمة من لحم الخروف أو الجدي، ويستذكر أفراد العائلة مع الجد والكبير في العائلة، الأقاصيص والحكم، على نار الموقد الهادئة.

من جهته السيد مولود زغدار، أحد المنظمين لهذه التظاهرة، قال إن المناسبة تهدف بالدرجة الأولى إلى نفض الغبار عن تقاليد المنطقة، والتعريف بقرية مازر المعروفة باسم حيدوس، نسبة إلى الجد الأول عبد الله الحيدوسي، وهي قلعة العلم والعلماء والثورة والمجاهدين، كما أضاف أنه حفظ العلم بها، بفضل الزاويتين الدردورية الرحمانية بالقصر، التي زارها العلامة عبد الحميد بن باديس سنة 1933، ونزل ضيفا عند عمر دردور، أحد تلاميذه وقائد الحركة الإصلاحية في الأوراس، وزاوية جامع أحمد بوغرارة، كما لجأ إليها أحمد باي الذي انتقل فيما بعد إلى منعة، التي توجد بها مقصورة أولاد بن عباس (دار الشيخ)، التي فيها 10 أضرحة لأئمة من سلالة أولاد عباس، هم من الأولياء الصالحين، إضافة إلى ضريحين بالمقصورة هما من أبناء أحمد باي، قائد المقاومة الشعبية في الشرق الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي. وحسب مرجع تاريخي موثق معلق في لوحة بالمقصورة، فإن ابني أحمد باي، هما محمد وشريف البالغين من العمر 5 و13 سنة، توفيا بسبب مرض وكان والدهما أحمد باي قد لجأ إلى منطقة منعة بالأوراس للاحتماء والتحصن رفقة 500 فارس، بعد سقوط قسنطينة، ومكث مع عائلته بالمنطقة إلى غاية سنة 1860م.

على العموم، الهدف من هذا المهرجان؛ توديع فصل الشتاء القاسي، واستغلال دقيق العرعار لدبغ الجلود التي تستعمل في صناعة القربة و«المزود. وأوضحت رئيسة الجمعية فيروز زغدار، أن التظاهرة تهدف إلى إعادة الاعتبار لجزء كبير من التراث الأمازيغي غير المادي، وإبراز غنى وثراء هذا التراث، والعمل على إعطاء هذا الحدث بعدا وطنيا.

للإشارة، فقد ساد الاعتقاد بمنطقة الأوراس، أن إحياء عيد ثافسوث يزيدهم قوة ومناعة لمجابهة ظروف الحياة الصعبة. كما يمكن الإشارة إلى أن مازر كلمة شاوية، تعني بالعربية الماء المتدفق بقوة، وهي قلعة ترقد على مخزون تراثي وعلمي، أنجبت العديد من المشايخ وحفظة القرآن، وأطلق عليها اسم القاهرة الصغيرة، لذلك يقصدها العديد من الناس من القرى المجاورة، وحتى من مدينة باتنة عاصمة الأوراس، لفض الإشكالات والخلافات العائلية في حالات النازعات والخصومات، يوجد في هذه القرية منبع مائي يعد شريان الحياة لسقي البساتين، فضلا عن استعمالاته المنزلية، حيث يسقي ما يفوق 5 كلم من المساحات الزراعية بالنسبة للضفة الشرقية والغربية، بما يعادل 60 هكتارا مساحة إجمالية، ووفقا للمخطط البلدي، يوظف في سقي 60 ألف شجرة مثمرة. وقد تعرض المنبع، حسب تصريحات سكان المنطقة، لعدة اعتداءات، منها حفر المناقب على مستوى المحور الممون، تتعدى مساحته 7 كلم، حسب مخطط الحماية.