الحرفيّ حمزة نصر الدين لـ "المساء":

تصميم السفن الجزائرية القديمة يحفظ التاريخ

تصميم السفن الجزائرية القديمة يحفظ التاريخ
حمزة نصر الدين حرفيّ في صناعة الخشب
  • القراءات: 841
رشيدة بلال رشيدة بلال

يحب حمزة نصر الدين حرفيّ في صناعة الخشب، أن يرى الأشياء الكبيرة التي تحيط به، في حجم صغير. وفلسفته في ذلك أن النماذج كلما كانت صغيرة تجلب إليها الانتباه، ويكون من الصعب تقليدها لشدة إتقانها. بدايته الأولى كانت بتصميم سيارة صغيرة من مادة الخشب، بما توفر لديه من إمكانيات. ثم تخصص في صناعة البواخر، وأصبح حاملا لرسالة تاريخية، يحدثنا عنها في هذه السطور.

قال الحرفي حمزة في بداية حديثه مع "المساء" على هامش مشاركته في معرض للصناعات التقليدية بالبليدة مؤخرا، بأن التخصص في صناعة  النماذج المصغرة لبعض الأشياء، لم يكن اختيارا وإنما كان وليد الصدفة. ويردف: "أذكر أني في طفولتي وبمناسبة زيارة عائلية، وقع بصري ـ وسني لم يكن يتجاوز سبع سنوات ـ على باخرة صغيرة مصنوعة من الخشب فظلت صورتها راسخة في ذهني، ولم أتمكن من نسيانها لشدة إتقانها ومطابقتها للسفن الحقيقية". ومرت السنوات وظلت الباخرة الصغيرة المصنوعة من مادة الخشب، عالقة في ذاكرة محدثنا. وعلى الرغم من أنه امتهن التعليم، غير أن ميوله إلى كل ما هو صناعات تقليدية، جعله ينجذب إليها خلال فترات الفراغ، وكان أول نموذج مصغر له سيارة خشبية، شكّلها بإمكانات بسيطة جدا. وبعد النجاح الرمزي الذي حققه قرر أن يخوض تجربة صناعة السفن في نماذج صغيرة ويحقق حلم طفولته. وبعد بحث في أنواع الخشب ودراسة المقاييس الواجب اعتمادها لصنع نموذج مصغر لسفينة تعود إلى سنة 1830 والتي تُعتبر أول سفينة دخلت إلى الجزائر، فإن بداية ولوج عالم المجسمات الصغيرة، حسبه، كانت مجرد فضول، ولإشباع رغبة شخصية، غير أنه، اليوم، يتطلع لإعادة تصوير بعض الأحداث التاريخية التي كانت فيها السفينة رمزا من رموز الحرب والتجارة في محيط البحر الأبيض المتوسط .

الرسالة التي يحملها الحرفي حمزة، تتمثل في المساهمة في ترسيخ بعض الأحداث التاريخية، ولأن السفن، حسبه، ليست مجرد مجموعة من الخشب يتم إلصاقها ببعضها البعض، وإنما هي عمل فني، له أبعاد جمالية تستحق الوقوف عندها، وتأملها، خاصة في صورتها المصغرة؛ من خلال المعارض التي تسمح للجمهور باكتشافها، مشيرا إلى أنه منذ أن تخصص في صناعة السفن في شكلها المصغر، كوّن مجموعته الخاصة، وفي جعبته، اليوم، ست سفن، تعكس كلها محطات تاريخية هامة في تاريخ الجزائر. وحول الوقت الذي يستغرقه الحرفي حمزة في صناعة باخرة واحدة، أوضح أن  النماذج المصغرة للسفن تحتاج إلى وقت طويل ليتم تصميمها؛ لأنه يعتمد على مقاييس حقيقية للسفن الكبيرة، ومن ثمة يقوم بتصغيرها، ليتمكن من تصميم النموذج المصغر، وبالتالي فإن اختيار النموذج والبحث عن مقاييسه واختيار الخشب المناسب، كل هذا قد يفوق السنة. من أجل هذا تكون تكاليف هذه النماذج بعد الانتهاء منها، مرتفعة من جهة. ومن جهة أخرى، يؤكد أن "زبائن هذا النوع ممن الحرف فئة خاصة؛ كالمشرفين على متحف، أو لتزيين الموانئ أو الهياكل السياحية أو لتزيين المنازل الفاخرة".

ويتمنى الحرفي حمزة أن تولي الجهات المعنية أهمية لمثل هذه الحرف، وأن تعطي لحرفته أهمية عند تنظيم معارض؛ من خلال تخصيص مساحات واسعة، تمكنه من جلب كل نماذجه، ليتسنى له التعريف بكل ما يمكنه القيام به، إلى جانب الاهتمام بتأمين المواد الأولية التي يحتاجها الحرفي، الذي يقول إنه تأثر كثيرا من تبعات فيروس كورونا؛ حيث اضطر كبقية الحرفيين، لترك الحرفة؛ سعيا وراء مهن أخرى، لتأمين لقمة العيش.