تسويق المنتوج الحرفي ما زال يؤرق الحرفيين

تسويق المنتوج الحرفي ما زال يؤرق الحرفيين
  • القراءات: 555
 حنان.س حنان.س

ما تزال إشكالية تصريف المنتوج الحرفي تلقي بظلالها على عمل الحرفيين في الوطن، وبالرغم من إقامة العديد من المعارض بين الفينة والأخرى من أجل التقاء الحرفي بالزبون، إلا أنها تبقى مبادرات قليلة لا ترقى إلى المجهود المبذول من طرف الحرفيين الذين يسعون إلى الحفاظ على إرث ثمين. فيما يعتقد آخرون أن إنعاش الحركة السياحية من شأنها حل هذا الإشكال وتحفيز الحرفي للإبداع أكثر كل في مجاله.

أجمع حرفيون تحدثوا إلى «المساء»، خلال معرض «هدايا نهاية السنة» المنتظم مؤخرا بمركز «مصطفى كاتب»  بالعاصمة، على أن إشكالية تسويق المنتوج الحرفي تبقى تطرح نفسها بشدة في ظل غياب أماكن قارة تسمح للحرفي ببيع منتوجه بأريحية، حيث قالت الحرفية في الخزف الفني، صفية جبار، بأن عملها الفني مرهون بتنظيم معارض للحرف التقليدية سواء في ولاية الجزائر أو ولايات أخرى، ملفتة إلى أنه تم طرح هذا الإشكال عدة مرات على الجهات المختصة بما فيها وزيرة القطاع عائشة تقابو التي زارت المعرض يوم افتتاحه، ووعدت بإيجاد حلول ترضي الجميع في انتظار تحقيق ذلك.

من جهته، تقول الحرفية سامية خوري بأنها تواجه كغيرها من الحرفيين مشكل تسويق منتوجها الحرفي من قطع فنية، وتؤكد أنها استطاعت على مدار سنوات عملها الحرفي أن تنسج علاقات مع زبائن أصبحوا بمرور الوقت أوفياء لها، إذ تقول: «أعمل كحرفية في الخزف الفني منذ 16 سنة، سمحت لي مشاركاتي في عدة معارض وطنية ودولية من تكوين شبكة من الزبائن أتعامل معهم عبر الهاتف، أحيانا يطلبون بعض القطع وأتكفل بنقلها». وأبدت المتحدثة أسفها عن هذا الأمر، داعية الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة القطاع، لتنظيم معارض قارة بقلب العاصمة بهدف السماح للحرفي بتصريف منتوجه الحرفي، مما يحفزه على العمل أكثر والحفاظ على موروث ثقافي واجتماعي من الزوال.

كما تطالب الحرفية في صناعة الحلي التقليدية فازية لادوي، بتحديد مكان قار للحرفيين يمكّنهم من بيع منتوجهم الحرفي، معتبرة أن تنظيم معرض من أربعة إلى خمسة أيام قليل جدا بالنظر إلى الإقبال الكبير للزبائن، تقول: «صحيح أننا نستغل فرصة معرض من خمسة أيام لتصريف منتوجنا الحرفي، وصحيح أننا نتمكن أيضا من ربح بعض المال، لكنها تذهب هباء بعدها بسبب البطالة التي نركن إليها لمدة قد تصل إلى ثلاثة أشهر بعد أي معرض، كوننا لا نبيع إلا في المعارض فقط».

من جهته، يشير الحرفي في الحلي التقليدية جمال أوزڤال، أن تنظيم معرض ‘هدايا نهاية السنة’ في خمسة أيام لا يكفي  بالنظر إلى الإقبال الملحوظ، يقول: «لقد علمتنا التجربة أن معرض نهاية السنة يعرف إقبالا كبيرا من طرف مواطنين يسعون إلى اقتناء هدايا لأحبتهم بمناسبة حول السنة الجديدة، لكن المبادرة وإن كانت تستحق الشكر إلا أنها غير كافية، لأننا كحرفيين نعاني من انعدام شبه كلي لفضاءات تسويق المنتوج الحرفي. فمثلا أنا أعمل في ورشتي الخاصة في بني يني بولاية تيزي وزو، ولي زبائني، لكن هذا لا يكفي لأننا نود أن يصل الإرث التقليدي إلى الجميع. فلكل حرفي بصمته الخاصة والمعارض قليلة نشارك في بعضها، صحيح لكنها تبقى غير كافية، مما يعني أنه على الحرفي أن يجتهد في تصريف بضاعته وإلا فإن حرفته ستعاني الركود».

وإن اجتمعت أغلب آراء الحرفيين على نقص أماكن التسويق، مما يرهن مستقبل الحرف التقليدية وإقبال الشباب عليها، إلا أن الحرفي في صناعة الجلود محمد وردن من تمنراست يطرح إشكالا آخر، فبالنسبة إليه، إشكال نقص الحركة السياحية هو الذي يؤدي بالمنتوج الحرفي إلى الركود يقول: «لدي خيمة قارة في مقام الشهيد، أعرض فيها مختلف المنتوجات الحرفية التي أصنعها شخصيا من الجلود الطبيعية للماعز أو الإبل، لكن الإشكال الحقيقي هو عدم الإقبال على المنتوجات الحرفية لأن المواطن يرى سعرها باهظا فيعزف عن اقتنائها، وفي المقابل يشتري المنتوجات الصينية الرديئة. ومقارنة بالسياح الأجانب فإنهم متعطشون لمنتوجات مصنوعة يدوية، لذلك أعتقد أن الذي ينقصنا حقيقة هو إنعاش الحركة السياحية أكثر فأكثر في صالح البلد والحرفيين».

والقول بأن الشباب الجزائري يعزف عن تعلم حرف يدوية غير منصف، والتأكيد جاءنا على لسان الشاب صديق بوثلجة ابن 24 سنة، الحرفي في صناعة النافورات من براقي، الذي أكد حقيقة نقص فضاءات تسويق المنتوج الحرفي وفند أمر عزوف الشباب على تعلم حرفة يدوية، يقول: «أعتقد أنه تماما مثل فروع التكوين المهني التي يتحصل بموجبها المتربص على دبلوم، فإن للحرف التقليدية أيضا دبلوم خاص بها وهو حب الحرفة للإبداع فيها، ذلك تماما ما كنت أؤمن به وجعلني أبدع في صناعة نافورات بالاعتماد على أبسط الأشياء. كما أنني طورت حرفتي لصناعة لوحات جدارية فنية، لكنني أضم صوتي لزملائي الحرفيين في التأكيد على أهمية إيجاد فضاء قار يسمح للحرفيين بتصريف منتوجهم. فمثلا يمكن التداول على فضاء معين بين كل فترة وأخرى بين الحرفيين، من أجل السماح لأكبر عدد ممكن منهم للالتقاء في فضاء خاص لتبادل التجارب والأفكار وبيع منتوج حرفي يعتبر عصارة جهدهم، حتى لا نسأم ونتخلى عن إرث جميل».

كانت هذه أراء حرفيين أتعبتهم حرفة يدوية، لكنهم لم يتخلوا عنها، فهل تجد اقتراحاتهم أذان صاغية وتحمي بذلك إرثا جميلا وفنيا يحمل بصمة شخصية لكل حرفي على حدا!