اعتبروه نوعا من الترف فتخلوا عنه

تراجع عادة توديع الحجاج في المدن الكبرى

تراجع عادة توديع الحجاج في المدن الكبرى
  • القراءات: 1341
رشيدة بلال رشيدة بلال

  تعيش بعض العائلات الجزائرية هذه الأيام، على وقع الاحتفال بتوديع بعض الأهل والأقارب والجيران من الذين منّ الله عليهم من فضله، وجعلهم من المخيرين الذين حازوا تذكرة زيارة البقاع المقدسة لأداء مناسك الحج، هذه المناسبة الدينية التي يتم الاحتفال بها عند مغادرة الحاج لأرض الوطن، بإقامة الولائم ودعوة المقريين لطلب المسامحة وتحميله بما يرغبون أن يدعو لهم به.وحول مدى تمسك العائلات بتقليد التوديع بعد موجة التغيرات التي طرأت على المجتمع ككل، كان هذا الاستطلاع.

يعتبر الحج من الأركان الأساسية التي بني عليها الإسلام، وتأديته يعد من الأمور التي يتطلع إليها كل أفراد المجتمع، وهي القناعة التي أبداها كل من تحدثت إليهم ”المساء”، في استطلاع للرأي، فالرغبة في أن يعيشوا مناسك الحج دفعت بالبعض ممن تحدثنا إليهم، إلى أداء مناسك العمرة في شهر رمضان، إذ قيل عنها بأنها تعادل حجة، لعدم صدور أسمائهم ضمن قائمة الحجاج بعد إجراء القرعة، مما يعكس مدى تعطشهم إلى مثل هذه العبادات.

يرتبط الحرص على مثل هذه العبادات بعدد من التقاليد التي دأبت على إحيائها العائلات، وتوارثتنا أبا عن جد، ومنها عادة ”التوديع” التي مفادها، حسبما جاء على ألسنة عدد من المواطنين، جمع أفراد العائلة والمقربين وحتى الجيران، عشية مغادرة الحاج أو الحاجة لأرض الوطن، حيث تحضر وليمة عشاء يقوم على أثرها الحاج بتوديع الحضور وطلب السماح منهم، لأنه مقبل على أداء هذه العبادة التي يتطلع من ورائها إلى العودة إلى أهله خاليا من الذنوب، كيوم ولدته أمه، وعند مغادرته إلى المطار، تعد له العائلة موكبا يشبه موكب العروس ويطلب منه كل مرافقيه الدعاء لهم، كل هذه العادات، حسبما جاء على ألسنة المستجوبين بدأت في السنوات الأخيرة تتراجع، خاصة على مستوى المدن، بالنظر إلى التغيرات التي يعرفها المجتمع، والتي أثرت عليها التكنلوجيا، حيث أصبح البعض يكتفي بتوديع الحاج أو الحاجة عبر رسالة قصيرة.

حسب بعض المستجوبين، فإن من أكثر التصرفات التي أساءت إلى صلة الرحم وأثرت على العلاقات الاجتماعية، أن بعض الحجاج وبعد حصولهم على تأشيرة زيارة البقاع المقدسة لأداء هذه الفريضة، يرفضون حتى التصريح بها حتى لا يسمع غيرهم، حيث يذهبون حسب شهادة مواطنة في معرض حديثها، متخفين  ويكتفون بتبليغ أبنائهم فحسب، خوفا من أن يتم تكليفهم ببعض الحاجيات، بينما أوضح البعض الآخر إلى أن السبب في تخلي البعض عن عادة التوديع، هو عدم الرغبة في التواصل والخوف من الحسد واعتباره نوعا من الترف المنهي عنه، في حين أشار آخرون إلى أن البعض لا يعلم أنهم في البقاع المقدسة، إلا بعد الاحتفال بعودتهم، الأمر الذي يشعرهم بالأسف، وتكون ردة فعلهم في المقابل، رفض تهنئتهم بأداء هذا الركن.

ماذا عن رأي المختصين في الموضوع؟

يرى الدكتور عبد الرشيد بوبكري، مختص في التنمية البشرية حول تراجع عادة التوديع في المجتمع الجزائري، بأن ”الحج ركن من الأركان التي بني عليها الإسلام، وتأدية هذا الركن يوفر للمسلم حياة أخرى غير التي كان يحييها قبل الحج، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ”من حج فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه”، لهذا المعطى يوضح ”يعتبر الحج عند الجزائريين بمثابة العرس، اختلطت فيه العادات الدينية بالمجتمعية، فأصبحت عرفا متوارثا”.

من بين هذه الأعراف، حسبه ”عرف توديع الناس والأقارب وطلب السماح، لأن صحة الحج متعلقة بصفاء الإنسان من كل الأحقاد التي تكون بينه وبين الآخرين، ومن ثمة يسعى الحاج إلى أن يتناسى الأحقاد ويصفي الود، وأن يسرع لصلة رحمه، وإزالة أية خلافات كانت بينه وبينهم، وكأنه يقول ”في حالة تصالح مع نفسه، ومع جميع من حوله والتقرب إلى الله تعالى بعبادته وسلوكه وأخلاقه”.

من جهة أخرى، أوضح محدثنا بأن ”هذه العادات تراجعت، لأن البعض أصبح يركز في الحج على الجانب المادي أكثر، مما يركز على الجوانب الروحية، فالحج مشقة ـ يشير ـ ”والنبي صلى الله عليه وسلم لما اشتكت إليه عائشة مشقة الحج قال: إنما الأجر على قدر المشقة”، فاختلاف نيات الناس جعل البعض يرى في بعض العادات والتقاليد أنها نوع من الترف الزائد، خاصة في المدن الكبرى التي ربما تخلت على مثل تقليد توديع الحجاج، لكنه لازال موجودا، يؤكد ”في المدن الداخلية، وعلى الخصوص في ولايات الجنوب، حيث يجتمع فيه أهل البلد في مكان واحد ليقام نوع من التجمع يحضره الأئمة والمشايخ وأهل الحجاج وأقاربهم وعموم الناس لتوديعهم، نفس الأمر يقام عند عودتهم، فالمجتمع ـ حسب محدثنا ـ« تغير وتخلى عن الكثير من قيمه ومعتقداته، وهذا راجع إلى نفسيات الناس”.