بعد الارتفاع الذي عرفه سعر الوقود

تراجع طفيف في الضغط المروري

تراجع طفيف في الضغط المروري
  • القراءات: 1514
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

تتداول هذه الأيام، أقاويل حول انخفاض ملموس في نسبة الضغط المروري، بعد الارتفاع المسجل في سعر الوقود. فهل تمكن المواطن أخيرا تخلي عن سيارته بسبب الواقع الذي فرض عليه وأصبح يستعملها لضرورة ملحة، على خلاف السابق، حيث كان يستغلها من أجل التنقل إلى أقرب مسافة، أو بهدف التجول وتمضية الوقت. لعل البحث عن إجابة لهذا التساؤل البسيط يمكن أن يفتح الباب على مصراعيه أمام جملة من الأسئلة المرتبطة بمدى تبني المواطن ثقافة عدم الإسراف والاقتصاد في مصاريفه من جهة، وهل حان وقت البحث عن بديل في التنقل، هذه التساؤلات طرحتها "المساء" على المواطنين خلال استطلاعها الميداني. 

أجمع مواطنون مسهم الاستطلاع، على أن ارتفاع سعر الوقود دفع المواطن إلى الاقتصاد في مصاريفه، وهذا يعود بالإيجاب على ميزانية الوطن والحفاظ على الثروة المحلية. من جهتهم رواد موقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوك"، لم يخفوا تعجبهم من انخفاض مستوى الازدحام المروري مباشرة بعد أيام قليلة من ارتفاع سعر البنزين، وفي هذا الخصوص، أوضحت مواطنة أن سعر البنزين سابقا كان وراء تبني ثقافة "استعمال السيارة دون سبب"، فقد كان البعض يجولون يوما كاملا بالسيارة ذهابا وإيابا في رحلات ليس لها أي هدف، إلا أن اليوم وعلى واقع ارتفاع أسعار الوقود، بات المواطن أكثر وعيا بأهمية الاقتصاد في خزان وقوده واستعمال سيارته للضرورة.

وعلى صعيد آخر، لم يؤثر الأمر بشكل كبير على بعض الذين لا يبدون قلقا من ذلك الارتفاع، خصوصا بالنسبة لمالكي سيارات "المازوت"، حيث أوضح كمال أن الاستغناء عن السيارة بالنسبة للمتعودين على استعمالها شبه مستحيل، وأن اختيار المواطن الدخول في روتين ركن السيارة واستعمال مثلا النقل العمومي، يجعله بين فكي الالتزامات اليومية من عمل وأشغال من جهة، والحاجة إلى الاقتصاد في المصاريف من جهة أخرى. وإذ كان عددا محدودا من المواطنين قبلوا رفع هذا التحدي في غياب بدائل "لائقة"- حسب تعابير البعض- ، فإن الغالبية منهم يصرحون بأنهم مجبرون على ركن سياراتهم إذا لم تستدع الضرورة لاستعمالها.

من جهتها، أكدت مريم سائقة سيارة أجرة، أن انخفاض نسبة الضغط المروري في هذه الأيام يعود إلى عزوف البعض عن استعمال سياراتهم وبحثهم عن بديل للتنقل، واعتبرت أن بعض وسائل النقل العمومي تغيب عنها مقاييس الراحة وتكون في أغلب الأوقات مملوءة عن آخرها، ناهيك عن عجزها على تغطية جميع الأحياء، هذا ما جعل ثقافة استعمال وسائل النقل العمومية غير راسخة لدى المواطن من قبل، إلا أن الأمر تغير بعد ارتفاع سعر البنزين الذي دفع إلى تبني تلك الثقافة، خصوصا أن الأسعار في المتناول. وحدثنا عامل بمحطة بنزين في العاصمة، مشيرا إلى أنه لاحظ  تراجعا بسيطا في الإقبال على المحطة مقارنة بوقت مضى، وبرر ذلك بوعي المستهلك بأهمية الاقتصاد في خزان وقوده، فالوعي أساس التحضر وهذه السياسة حتى وإن كانت جريئة في نظر البعض، إلا أنها ستساهم في تلاشي الثقافة السلبية وتنمية السلوك الإيجابي عند المجتمع.

من جهة أخرى، أكد عامل آخر بنفس المحطة، أن حملات التوعية والتحسيس بأهمية استعمال النقل العمومي والتخلي عن السيارة من حين إلى آخر، مثل حملات "يوم دون سيارة" التي تهدف إلى خلق وعي جماعي بخصوص ضرورة الحد من التلوث، لم تجد نفعا، موضحا في المقابل أن المواطن يتفاعل مباشرة إذا ما تم التصويب نحو ميزانيته أو قدرته الشرائية، فالارتفاع في سعر الوقود جعله مجبرا على التفكير في استعمال وسائل النقل العمومية. وفي محطة أخرى، قال حميدو عون صيانة، أن بعض الزبائن الذين يقبلون على المحطة من أجل خدمة ملء الخزان تتباعد فترات قدومهم، وهذا يدل على التوفير أكثر في مادة الوقود والاستعمال العقلاني للسيارة، وجاء على لسانه استياء المواطنين الذين يبدون تذمرهم بعد ملء خزانهم بسبب ارتفاع سعر الوقود، وأكد المتحدث أنه إذا كان ارتفاع سعر البنزين سببا في نقص عدد السيارات التي تتسبب في حوادث المرور، فلا بأس في ذلك".  

زبدي يدعو إلى استعمال النقل العمومي

دعا السيد مصطفى زبدي، رئيس المنظمة الوطنية لحماية وإرشاد المستهلك، إلى ضرورة تبني ثقافة استعمال وسائل النقل العمومي للاقتصاد في المصاريف بعد الارتفاع في سعر الوقود، نظرا لتعليمات قانون المالية الجديد. أوضح السيد زبدي أن المستهلك وضع اليوم أمام واقع ليس له مخرج سوى الاقتصاد في استعمال المركبة، أي عند الحاجة فقط، مضيفا أن الأيام التي كان يأخذ فيها الشخص سيارته طيلة اليوم والتسكع بها دون هدف قد ولت، وجاء زمن الاستهلاك الرشيد. من جهة أخرى، أوضح المتحدث أنه لا يمكن تحسيس المواطن بأهمية استعمال النقل العمومي إلا إذا تمت ترقية ذلك القطاع بما يخدم المستهلك ويمنح له الراحة التي تسمح له بالتخلي عن سيارته خلال تنقله، وفي هذا الخصوص، دعا المتحدث مسؤولى شركات النقل العمومي وكذا الجهات المعنية في قطاع النقل، إلى التشبث ببرامج إعادة الهيكلة التي صادقت عليها الوزارة الوصية بهدف ترقية هذا القطاع. وشدد زبدي على حاجة شركات النقل العمومي لإصلاحات عاجلة نظرا لأهميتها الاقتصادية وتنامي أعبائها على المجموعة الوطنية، مع العمل على تحقيق شراكة بين القطاعين العام والخاص بما يطور القطاع ويخدم المستهلك.

كما أكد رئيس اللجنة الوطنية لحماية المستهلك أن قطاع النقل لا يزال يعاني بعض النقائص في مجال الخدمات، وتمس القطاع الخاص، خصوصا الحافلات التي لا تحترم الوقت وقدم المركبات، إلى درجة تعفن مقاعد بعضها. أشار السيد مصطفى زبدي إلى أن المستهلك الذي له سيارة اعتاد استعمالها ولو للتنقل بين نقطتين قريبتين ولمسافة قصيرة، إلى درجة أن التخلي عنها بات بالنسبة للبعض مستحيلا، حتى في ظل ارتفاع سعر البنزين، فليس من الهين على امرئ اعتاد على المركبة في التنقل إلى مقر عمله يوميا أو نقل الأطفال من وإلى المدرسة، أو قضاء أشغاله اليومية، أن يتخلى عن هذه السلوكيات التي أصبحت روتينية في سياق عام يطبعه عموما غياب البحث عن وسائل نقل بديلة. من جهة أخرى، أوضح المتحدث أن هذه السياسة، أي استعمال النقل العمومي، يساهم أيضا في الحفاظ على البيئة، فمركبات أقل يعني كربون أقل وتلوث أقل، فتبني تلك السلوكيات كفيل بالكشف عن مؤشرات تدل على مدى وعي المواطن بقضايا البيئة وضرورة الحفاظ عليها.