فن التطريز بقالمة
تراث محلي يجب الحفاظ عليه

- 136

توارث المجتمع الڨالمي عبر الأجيال، صناعات وحرفا تقليدية أصبحت عبر الزمن، فخرا ومكسبا للولاية، إذ تعتبر الصناعات التقليدية والحرف من أهم مقوّمات السياحة في ڨالمة، موزّعة على قطاعات مختلفة، منها الصناعة الحرفية الفنية، الصناعة الحرفية لإنتاج المواد، والصناعة الحرفية لإنتاج الخدمات، فلا أحد يستطيع أن ينكر ما تملكه ولاية ڨالمة من موروثات حضارية مازالت محافظة عليها إلى يومنا هذا، حيث يمارس عدد كبير من الحرفيين نشاطهم حفاظا على الصناعة التقليدية والموروث الثقافي.
يعتبر موقع قالمة الجغرافي عاملا مساعدا على ذلك، ما أحدث التميّز والتنوّع في قطاعاتها، بحيث تزخر الولاية بصناعات تقليدية توارثت عبر الأجيال، تعرف حاضرا منعشا وآفاقا واعدة منها ما هو في طريق الاندثار ( صناعة الفخار – صناعة النسيج خاصة الزربية القالمية ) ومنها ما لا يزال يحافظ على رواجه بصورة كبيرة، بينما تتميّز الصناعات التقليدية في قالمة، بالتنوع والأصالة، حيث شكّلت الحرف التقليدية، عبر العصور، المجال المتميّز لتجسيد مهارات وإبداعات الحرفيات والحرفيين في الطرز، فكانت تستعمل أدوات وآلات لأغراض معيّنة، وتُعد صناعة الطرز التقليدي من أهم الصناعات التقليدية والحرف الموجودة بالولاية، ومازالت شاهدة على تمسك القوالمية بهذا التراث، حيث يستعملها الغني والفقير، مما يعكس صورة عراقة وجمال وتاريخ هذه المنطقة، إذ لا تزال بعض العائلات القالمية، تحافظ عليها رغم أن جزءا منها في طريق الزوال والاندثار.
كما يعد الطرز التقليدي من النشاطات العريقة في قالمة ويوضع على الأقمشة أو القطيفة أو التركال، برسم أشكال ورسومات متنوّعة واستخدام الحرير والكتان، يستعمل لتزين مختلف أثاث المنزل، كطقم السرير وطقم الطاولة، والأفرشة، ومن أنواع الطرز على القماش نجد: "الكروشي"، طرز ما يسمى "غرزة الحساب"، طرز "نابال"، "المسلول"، طرز "نابال في المسلول"، "بيك بيك"، "الطروفة" وغير ذلك، وتعتبر هذه الصناعات مورد رزق لفئة كبيرة من النساء اللائي وجدن في هذه الحرف خصائص تتلاءم مع البيئة الاجتماعية والاقتصادية للولاية، إذ يعتبر فن التطريز رصيدا ثقافيا وحضاريا وإنسانيا لسكان الولاية.
كانت هذه الصناعة التقليدية تعرف انتشارا واسعا على مستوى الولاية، تمارسها عدد كبير من الحرفيات يتفنّن في إتقانها بأشكال مختلفة وألوان زاهية متعدّدة للتزيين والتأثيث، إذ تستخدمها المرأة القالمية، منذ سنوات غابرة، خاصة في جهاز العروس، وعند استقبال الضيوف، فكانت الحرفة التقليدية محلية، وزادت انتشارا منذ الستينيات والسبعينيات والثمانينيات وحتى التسعينيات من القرن الماضي، لما لهذه الحرفة من دور أساسي في مظهر حياة وبيت المرأة القالمية.
وتعتبر نساء قالمة، أكثر اهتماما بهذه الحرفة وإقبالا عليها سواء بإتقانها أو شراء الأطقم والأفرشة حسب الحالة الاقتصادية والمستوى المادي، فهذه الحرفة تكتسي خصوصية في المجتمع القالمي تعبّر عن العادات والتقاليد السائدة في الولاية، إذ تتنوّع وتتعدّد منذ القدم حسب استخدامها، وتحمل في طياتها خصوصية معبّرة عن البساطة والصلابة، فكان الطرز التقليدي، النشاط الأكثر شعبية بين النساء القالميات، سواء الماكثات في البيت أو الطالبات أو العاملات والموظفات، ولا يزال إلى يومنا هذا، لكن بدرجة قليلة جدا، ومنذ العشرية الأولى من القرن الحالي، أصبحت هذه الصناعات تعاني من غياب الدعم والتسويق، وحتى الإقبال، فمنها ما تزال مصدر عيش، ومنها ما هو في طريق الزوال، وأخرى اندثرت، ومنها التي بقيت متداولة باعتبارها من المصادر الرئيسية لعيش لكثير من أفراد المجتمع.
وللحفاظ على الموروث الثقافي التقليدي واستمراره ونقله عبر الأجيال، باعتبار الحرفة اليدوية التقليدية الرصيد الحضاري لناس قالمة لا بد من توثيق التواصل والحفاظ على الحرفة من عوامل الاندثار، وذلك باجتهاد المسؤولين والقائمين على قطاع الصناعات التقليدية لبعث نفس جديدة وديناميكية جديدة لفن الطرز من أجل إبراز الأعمال اليدوية التراثية، وبيعه في ظل منافسة المنتوجات الأجنبية، ويبقى الأمل قائما لبعث السياحة من جديد في هذه المنطقة، مما يفتح المجال على الاستثمار الاقتصادي والسياحي ويساهم في خلق مناصب شغل في الولاية.
يذكر أنه يتم كل سنة في فصل الربيع، تنظيم معرضا للصناعات التقليدية والحرف، يعرف بمعرض "الشلال" ببلدية حمام الدباغ، يلتقي فيه العديد من الحرفيين والحرفيات القادمين من مختلف ربوع الوطن، لعرض وبيع منتوجاتهم الحرفية.