المختصة في علم النفس مونية دراحي لـ "المساء":

تحقيق معادلة الانتقال من العطلة إلى المدرسة يتطلب تحضيرا نفسيا

تحقيق معادلة الانتقال من العطلة إلى المدرسة يتطلب تحضيرا نفسيا
  • القراءات: 1768
رشيدة بلال رشيدة بلال
يجد عدد كبير من الأطفال صعوبة في التأقلم مع الدراسة بعد انتهاء العطلة الصيفية، بل إن البعض وتحديدا الذين يدرسون في الطور الابتدائي، يرفضون العودة إلى المدارس بعد أن تعودوا على اللعب والمرح وإطالة السهر إلى وقت متأخر من الليل من دون أية التزامات، فيما يختار آخرون التغيب في الأيام الأولى هروبا من روتين المدرسة، ومن هنا تظهر أهمية التحضير النفسي الذي تحدثنا مونية دراحي المختصة في علم النفس عن أهميته في هذا الحوار، لتمكين المتمدرسين من الانتقال بصورة تدريجية من جو العطلة إلى جو التمدرس.
❊ بداية فيم تتمثل أهمية التحضير النفسي للدخول المدرسي؟
— يجهل عدد كبير من الأولياء أهمية تحضير أبنائهم للدخول المدرسي ويعتقدون أن المسألة بسيطة تبدأ بصورة تلقائية عند الشروع في شراء اللوازم المدرسية، مثل المحافظ والمآزر التي عادة يفضل عدد كبير من الأولياء شراءها في الأيام الأخيرة من العطلة، غير أن هذا التصرف لا يدخل في إطار التحضير النفسي. فما يجهله الأولياء أن هناك نوعين من الأطفال، فئة منهم استمتعت بعطلتها على أحسن وجه، حيث استفادوا من خرجات ترفيهية إلى أماكن بعيدة عن المنزل، مثل أولئك الذين يختارون الاصطياف في ولايات ساحلية أو أنهم عاشوا متعة البحر والتسلية في مختلف الفضاءات، بالنسبة لهذه الفئة يمكن القول بأنها تشعر بالرضى لأنها عاشت أجواء العطلة، بينما تقابلنا فئة أخرى من الأطفال الذين فرضت عليهم بعض الظروف قضاء العطلة بين مشاهدة مختلف البرامج التلفزيونية والتسكع في الشوارع، هذه الفئة لا تشعر مطلقا بأنها عاشت متعة العطلة وهي الفئة التي تعاني من صعوبات جمة وترفض التأقلم مع جو الدراسة في أسابيعه الأولى ومن هنا تظهر أهمية التهيئة النفسية للرجوع إلى المدرسة.
❊ إذن التحضير النفسي في رأيك مهم بالنسبة للفئة التي لم تستمتع بالعطلة كما يجب؟
— على العكس، التحضير النفسي مهم للأطفال الذين استمتعوا بعطلتهم والذين لم يخرجوا من حدود أحيائهم. لماذا؟ لأن الفئة الأولى تعودت على جو العطلة، وإذا عدنا إلى المدة الزمنية للدراسة نجد أنها طويلة بالمقارنة مع مدة العطلة، بالتالي فالفئة التي استمتعت بالعطلة ترغب في المزيد من المتعة ولا تحبذ مطلقا فكرة انتهائها، أما الفئة الثانية فلا ترغب في العودة إلى المدرسة لأنها لم تشعر مطلقا بأنها في عطلة، كونها لم تغير الأجواء، بل على العكس نجد أن هذه الفئة تنتابها حالات قلق وتشعر بضغط كبير، ومن هنا يمكن القول بأن كل التلاميذ وتحديدا المتمدرسين في الطورين الابتدائي والمتوسط بحاجة إلى تحضير نفسي لنحقق معادلة الانتقال التدريجي من العطلة إلى جو التمدرس.
❊ من يتكفل بمهمة تحضير الأبناء نفسيا للدخول المدرسي؟
— في اعتقادي، المسؤولية يتحملها الأولياء بالدرجة الأولى، لأنهم الأدرى بالطريقة التي أمضى بها أبناؤهم عطلتهم ولابد أن يأخذوا في الاعتبار أنه كلما كان استمتاع أبنائهم بالعطلة قليلا كلما كان تأقلمهم مع المدرسة صعبا، وعلى العموم أهم ما ينبغي تجنبه هو الضغط على المتمدرسين في الأسابيع الأولى من المدرسة، وهو عادة الخطأ الذي يقع فيه عدد كبير من الأولياء، إذ يلجأ بعضهم في الأيام الأخيرة من العطلة إلى حرمان أبنائهم من مشاهدة ما تعودوا عليه في العطلة، وحرمانهم من بعض الألعاب وحتى الخروج من المنزل، أي أنهم يغيرون برنامجهم بصورة مفاجئة ومن دون أية مقدمات، الأمر الذي ترفضه عقولهم، وفي المقابل الأصح أن يتم ومن دون إشعار الأبناء بالتغيير، فمثلا التقليص من ساعات مشاهدة التلفزيون يكون باستبدالها بنشاطات أخرى، فعوض أن يشاهد التلفاز لثلاث ساعات متتالية، تقترح عليه والدته أن يطالع قصة أو يرسم، مثل هذه الأنشطة تستقطبه دون أن يشعر بكل ما هو مرتبط بالمدرسة، وبالنسبة لمواعيد النوم تتفق مثلا كل العائلة على النوم عند الساعة العاشرة عوض منتصف الليل حتى يستسلم ابنهم للنوم ويبرمج نفسه على الخلود للنوم مبكرا بهذه الطريقة يتمكن الأولياء من تغيير برنامجه بصورة تدريجية ويجنبونه الدخول فيما يسمى بالقطيعة، فلا يخفى عليكم أن الجهاز العصبي بعد تعوده على أمر معين يحتاج إلى مدة زمنية لإعادة البرمجة.
❊ ما الذي تقترحينه كمختصة نفسانية لجعل الدخول المدرسي للأبناء ناجحا؟
— في الواقع أنجح الطرق المعتمدة في علم النفس تقوم على تبني فكرة تسطير البرنامج بين الأولياء والأبناء، بمعنى أنه بعد التدرج في جعل الطفل يقتنع بضرورة الرجوع إلى المدرسة وأن وقت العطلة نفذ، على الأم مثلا أن ترسم مع ابنها خطة أسبوعية يتم فيها تقسيم الواجبات، بحيث تترك لابنها متسعا من الوقت للراحة، والقيام ببعض الأمور التي يحبها دون إهمال دروسه طبعا، وفي هذه النقطة بالذات أحب أن أشير إلى خطإ يقع فيه عدد كبير من الأولياء، حيث يحملون أبناءهم منذ اليوم الأول من الدراسة مسؤولية تحقيق نتائج جيدة وضرورة النجاح، الأمر الذي يجعله يشعر بالضغط والتوتر بعد فترة الراحة التي عاشها ويحفز لديه الرغبة في بناء القطيعة بينه وبين المدرسة، لذا من المهم جدا تجنب مثل هذه الأخطاء والتوجه نحو تعويد ابنهم، إلى جانب البرنامج اليومي، أن يبني لنفسه برنامجا تلقائيا يساعده على تنظيم وقته والقيام بكل الأشغال التي يحبها. بهذه الطريقة يكون الطفل محضرا ويتأقلم بطريقة سهلة مع الدراسة.
❊ في رأيك، هل تدرك الأسر الجزائرية أهمية التحضير النفسي لأبنائهم؟
— في الواقع الأولياء في مجتمعنا على الرغم من تطور مستواهم الثقافي، بالنظر إلى أن أغلبهم اليوم لهم مستوى معين من التعلم، إلا أن الاهتمام بالجانب النفسي فيما يخص كيف يستأنف الطفل دراسته بعد العطلة، وما إذا انسجم أو أنه يعاني من صعوبات، لا يزال قليلا وهو ما يعكسه الواقع، إذ أن الشائع في التحضير للدخول المدرسي لا يزال مرتبطا في ذهنية أغلب العائلات بكل ما هو مادي، أي شراء اللوازم المدرسية من كتب وكراريس ومآزر ومحافظ، لذا في عشية الدخول المدرسي أنصح الأولياء بضرورة الجلوس إلى أبنائهم والدردشة معهم حول أهمية العودة إلى المدرسة التي تمثل فترة زمنية معينة ضرورية لتغذية العقل تنتهي بتحقيق النجاح.
❊ ألا تعتقدين أن للمعلمين دورا في تهيئة المتمدرسين نفسيا؟
— إذا كان الأولياء يتحملون جزءا كبيرا من جعل أبنائهم يتقبلون فكرة الرجوع إلى مقاعد الدراسة بعد عطلة طويلة، فإن الجزء المتبقي يقع على عاتق المعلمين، وفي هذا الخصوص أنبه المدرسيين إلى مسألة مهمة وهي إعطاء انطباع حسن في التعامل مع المتمدرسين في الأسابيع الأولى، لأنهم يولون أهمية كبيرة للمعلم الذي سيرافقهم طيلة المشوار الدراسي وبالتالي ينبغي أن لا يشعروهم بالخوف،  بتجنب القسوة أو الصراخ، لأن الصورة الأولية إذا اهتزت في مخيلة المتمدرسين من الصعب تغييرها، لذا فمن الضروري أن يكون صورة حسنة عن معلمه، خاصة إن كان معلما جديدا لم يسبق له أن درس لديه لما لهذه المسألة من أهمية على مشواره الدراسي.
❊ بعض التلاميذ يرفضون العودة ويتمسكون بمعلمهم السابق، فما تعليقك؟
— حقيقة عشية كل دخول مدرسي، يعتقد أغلب الأطفال وتحديدا في الطور الابتدائي أنهم سيدرسون عند معلمهم أو معلمتهم السابقة، غير أن البعض منهم يصطدم بتغييره، الأمر الذي يجعلهم يرفضون العودة إلى المدرسة، ليدخل الأولياء في دوامة الجري وراء المدير لتغيير القسم، وفي هذه الحالة أنبه إلى نقطة مهمة وهي أن فئة الأطفال التي تطرح هذا الإشكال هي الفئة التي لديها ارتباط كبير مع الوالدة وهذا خطأ مرجعه خلل في التربية، فالأم التي عودت طفلها على حماية مفرطة عند دخوله إلى المدرسة يربط هذه الحماية بالمعلم أو المعلمة، لذا يجد صعوبة في تقبل شخص آخر، وبالتالي حل هذا الإشكال يعود إلى الأم التي يقع على عاتقها تعليم أبنائها منذ الصغر كيفية الاعتماد على النفس وربط علاقات مختلفة ليسهل عليهم التأقلم والتكيف مع أي تغيير.