"بلاك فرايداي" في الجزائر

بين قلة المعروض ورغبة في إنعاش السوق

بين قلة المعروض ورغبة في إنعاش السوق
  • 139
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

شهدت الجزائر خلال السنوات الأخيرة، تحولا واضحا في أساليب التجارة وتسويق السلع. وبدأ كثير من التجار ينخرطون في السياسات التجارية العالمية التي تعتمدها كثير من الدول، خصوصا مع توسع ثقافة المستهلك، وتغيُّر نمط حياة المواطنين. حيث أصبح عدد كبير منهم يسايرون هذه التوجهات الحديثة، لا سيما ما يتعلق بعرض السلع بطريقة ديناميكية دون تكديس، والسعي لتجديد المنتجات بما يتماشى مع الموضة وتحديثات الأزياء في كل موسم، حيث كان من أبرز هذه السياسات التجارية المتداوَلة عالميا، حسبما وقفت عليه “المساء” خلال تجوالها بالسوق في آخر أسبوع من شهر نوفمبر، ما يُعرف بـ "البلاك فرايداي" أو "الجمعة الأسود" الذي بدأ يظهر تدريجيا في السوق الجزائرية كمفهوم أدرجته المحلات متعددة الجنسيات الأجنبية، وتبنّاه التاجر الجزائري. ونجح هذا العام في استقطاب التجار والزبائن على حد سواء.

قبل الخوض في تفاصيل ما يحدث خلال هذه الأيام القليلة الموافقة لآخر أسبوع من شهر نوفمبر في المحلات الجزائرية، من تخفيضات حلت محل “موسم الصولد” الذي تراجع بشدة نظرا لقلة المعروضات؛ بسبب القيود المفروضة على السلع المستوردة، يجدر هنا تقديم توضيح بسيط للعلاقة بين “البلاك فرايداي” كسياسة جديدة رحب بها التاجر في ظل قلة المعروضات في السوق. 

ففي الواقع، تشجعت المحلات في تطبيق هذه السياسة التي عادت تدوم يوما واحدا، ليوسعها البعض الى يومين أو ثلاثة. وآخرون يفضلون برمجتها طيلة أسبوع كامل. ونظرا لقلة السلع في السوق ارتأى التجار تقديم تخفيضات لأيام قليلة فقط لإعادة بعث الحركة في المحلات دون تفريغها، والبقاء على نشاط طيلة الموسم. فعلى عكس سياسة "الصولد" التي تدوم غالبا ما بين ثلاثة وستة أسابيع، يفضل آخرون سياسة ترويجية وتخفيضات لأيام قليلة فقط لا تكلفهم الكثير.

والجدير بالذكر أن سياسة "الجمعة السوداء" تُعد حدثا تسويقيا عالميا، يتميز بتخفيضات كبيرة تُطرح، عادة، في الجمعة الأخيرة من شهر نوفمبر. ويندرج هذا التقليد ضمن الجانب الاقتصادي والتجاري البحت. وقد اكتسب شهرته نظرا لدوره في تنشيط حركة البيع والشراء بشكل ضخم خلال يوم واحد فقط. أما اسم "البلاك فرايداي"؛ أي "الجمعة الأسود"، فقد ظهر لأول مرة في الولايات المتحدة، عندما استخدم ضباط الشرطة في فيلادلفيا، هذا المصطلح لوصف الازدحام المروري الكبير في شوارع المدينة، والحركة منقطعة النظير للمواطنين خلال يوم الجمعة الذي يلي عيد الشكر نتيجة تدفق المتسوقين خصوصا مع اقتراب احتفالات نهاية السنة. كما إنّ هناك تفسيراً آخر يرتبط بالمحاسبين في دول أوروبية، كانوا يسجلون الأرباح باللون الأسود، والخسائر باللون الأحمر، فصار اليوم الذي تحقق فيه المتاجر أرباحا عالية بفضل الإقبال الكبير، يوصف بـ"الجمعة الأسود".

وعلى ما يبدو أن في الجزائر لم يعد هذا الحدث مجرد تقليد أجنبي يُتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو ينحصر داخل المحلات الأجنبية التي لها فروعها بالجزائر، بل أصبح مناسبة حقيقية تشهد فيها الأسواق حركة غير مسبوقة. فقد لاحظت "المساء" خلال استطلاعها وتجولها بين عدد من المحلات بالعاصمة، حجم المشاركة الواسعة للتجار في هذه العملية الترويجية، حيث عُرضت تخفيضات تتراوح بين 30 و50 بالمائة على مختلف السلع، وهو ما خلق حركية واضحة داخل المحلات والشوارع التجارية رجالا ونساء على السواء، وأحيانا مناوشات ومشادات بسبب الظفر بالسلع، وأخذ أحلى قطعة من المعروضات. وأجمع كثير من الزبائن على أن هذه التخفيضات مكنتهم من اقتناء سلع طالما كانت خارج متناولهم في الأيام العادية، لا سيما أن سياسة الصولد لا تطبَّق بمفهومها الواسع على السنتين الأخيرتين بسبب ضعف حركة الاستيراد، وقلة السلع في السوق، خاصة ما يتعلق بالملابس الجاهزة بمختلف قطعها. كما إن هذه السياسة، حسبما أجمع على ذلك عدد من التجار حدثتهم "المساء"، فرصة ممتازة لتصريف المخزون، واستقطاب زبائن جدد، والتمكن من عرض المنتجات الجديدة الخاصة بموسم الشتاء.

وأكد أحد التجار في حديثه إلى "المساء"، أن اعتماد هذه السياسة لم يعد مجرد ترف أو محاولة للتشبه بالأسواق العالمية، بل أصبح ضرورة اقتصادية تفرضها المنافسة، وارتفاع متطلبات الزبائن.  وأوضح تاجر آخر أن التخفيضات ليست خسارة للتاجر كما يظن البعض، بل هي وسيلة ذكية لتحريك السلع، وتحقيق دورة تجارية أسرع، خاصة في فترات الركود. وشهدت تلك السياسة تخفيضات على جميع السلع؛ ملابس، وأحذية، وحقائب وغيرها، خاصة بالرجال والنساء والأطفال. وعلى عكس” الصولد” الذي يمس السلع الخارجة عن موسمها، كالتخفيض على سلع الصيف في موسم الشتاء والعكس، فـ "البلاك فرايداي" هو مناسبة لتخفيض السلع في موسمها.