ليالي سكيكدة الصيفية

بين سطورة وركود المدينة

بين سطورة وركود المدينة
  • القراءات: 1600
بوجمعة ذيب بوجمعة ذيب

تشهد العديد من شواطئ المدن الساحلية بولاية سكيكدة ليلا، حركة منقطعة النظير تمتدّ إلى غاية ساعات متقدّمة جدا من الليل؛ إذ تفضل العائلات السكيكدية، منذ سنوات، إتمام سهراتها الصيفية على شاطئ البحر هروبا من حرارة البيوت ومن الروتين، ومن ثمّ الاستمتاع بنسمات البحر على وقع السنفونية التي تعزفها الأمواج حينما تصطدم بالصخور حينا، وببعضها البعض حينا آخر، وسط ديكور حالم. وما شجع العائلة السكيكدية أكثر على السمر بشاطئ البحر، توفر الأمن؛ من خلال التواجد المكثف لأفراده من درك وشرطة في إطار ما يُعرف بالمخططين الأزرق والدلفين.

من بين المناطق التي تعرف إنزالا حقيقيا من قبل العائلات السكيكدية ليلا، منطقة سطورة الساحلية بما فيها ميناؤها الترفيهي، الذي يعرف منذ بداية الموسم الصيفي الحالي ليلا، توافدا قياسيا من قبل العائلات السكيكدية وحتى السياح، بمن فيهم أفراد الجالية المهاجرة إلى الخارج، الذين يفضلون ككل سنة، قضاء عطلتهم الصيفية داخل الوطن.

توافد قياسي على اللؤلؤة سطورة

هكذا يشهد المحور المؤدي إلى سطورة على امتداد طريق الكورنيش انطلاقا من قصر الجنة إلى غاية وسط سطورة بما فيه الطريق العلوي، يشهد كل ليلة على مدار الأسبوع كله خاصة الخميس والجمعة والسبت، ازدحاما مروريا لا مثيل له، يشتدّ بداية من الساعة الثامنة مساء، ويستمر إلى غاية ساعة متأخرة من الليل. وما يزيد الطين بلة مواكب سيارات الأعراس الذاهبة والقادمة، حيث تساهم هي الأخرى في تأزيم الوضع إلى حد التشبّع، الأمر الذي يجعل العديد من العائلات تفضّل التوجّه إلى سطورة مشيا على الأقدام لأكثر من أربع كيلومترات، مستمتعين بنسمات البحر وبأنغام الأمواج، وحتّى بألحان مختلف الموسيقى المنبعثة من المحلات الممتدة على طول الكورنيش. وما زاد في جمالية المنطقة أنوار المصابيح ذات الألوان الزاهية المختلفة التي تزين واجهات المحلات المنتصبة على طول الطريق المؤدي إلى سطورة.

وأرجع بعض من تحدّثت معهم المساء سر تفضيل السكيكديين إتمام السهرات بسطورة، إلى الأمن من جهة، ومن جهة أخرى  استفادتها من منتزه المارينة المطل على البحر، الذي وجدت فيه الأسرة متنفسها الوحيد هروبا من حرارة البيوت ومن هجمات الناموس، التي فشلت المصالح البلدية المختصة على الأقل، في التخفيف من وقع غزوه، لتبقى سطورة التي ترفض الاستسلام للنوم، الوحيدة التي تضمن للعائلات السكيكدية والشباب، قضاء سهرات حالمة لا تُنسى.

نفس الحيوية يعيشها أيضا شاطئ العربي بن مهيدي إلى غاية فلفلة، حيث تفضل العائلات قضاء لياليها على شاطئ البحر، مستمتعين بالجو المنعش والنسمات البحرية التي تجمل تلك الليالي.. ليال لا تُنسى وسط أباريق الشاي والقهوة والمثلجات، وهي فرصة لتسامر العائلات فيما بينها إلى غاية ساعة متأخرة من الليل.

مدينة سكيكدة تستسلم للنوم مبكرا

وبخلاف سطورة، فإنّ وسط مدينة سكيكدة بأحيائها وساحاتها تعيش شبه ركود تام إن لم نقل الركود بعينيه، حيث تستسلم للنوم مبكرا. والغريب في أمر المدينة أنّه عدا بعض المقاهي المتواجدة بساحاتها أو على طول امتداد شارع الأقواس وبعض الأحياء، فإنّ المدينة ليلا تشبه، حقيقة ومجازا، مدينة الأموات، فكل محلاتها التجارية تغلق مبكرا، كما تنقص بها حركة سير المركبات بخلاف النهار؛ حيث تعيش المدينة اختناقا مروريا حقيقيا عبر مختلف شوارعها وأنهجها.

ركود تام، بعوض وروائح كريهة تحاصر الأحياء

وكما هو الوضع على مستوى وسط مدينة سكيكدة، فإنّ نفس المشهد التعيس تعيشه الأحياء السكنية التي تبقى تحت رحمة الناموس والبعوض والروائح الكريهة المنبعثة من أقبية العمارات، وكذا على وقع مشهد الفئران والجرذان التي أصبحت جزءا من ديكور تلك الأحياء. وعدا بعض المحلات التجارية منها محلات بيع الأكلات الخفيفة ومقاهي الأنترنث والمقاهي، فإنّ أحياء سكيكدة ليلا تعيش الركود والروتين، فيما تفضل بعض العائلات وعلى قلّتها، السهر في محيط العمارات أو ما تبقّى من المساحات الخضراء التي لا تحمل سوى الاسم بعد أن غزتها الحشائش الضارة، بينما يفضل بعض الشباب إتمام سهرته في لعب بابي فوت أو ممارسة كرة القدم على مستوى بعض الملاعب الجوارية، التي أضحت هي الأخرى، تعاني من الإهمال رغم الأموال الضخمة التي تمّ رصدها من أجل إنجازها، وسط ضجيج عارم وصراخ وما ينجرّ عنه من كلام خادش للحياء. والغريب في واقع أحياء سكيكدة الجديدة منها أو القديمة، غياب الأنشطة الثقافية الليلية والمبادرات الشبانية؛ سواء تلك التابعة لمديرية الشباب والرياضة أو حتى الجمعيات والرابطات الرياضية رغم أنها تدعَّم كل سنة بأموال؛ من خلال تأطير ليالي صيفيات سكيكدة على مستوى مختلف الأحياء.