مهنة تصارع التكنولوجيا لترضي عشاق الكتاب

بيع الكتب القديمة استثمار يبحث عن اهتمام

بيع الكتب القديمة استثمار يبحث عن اهتمام
  • 1174
❊ رشيدة بلال ❊ رشيدة بلال

لا زالت مهنة جمع الكتب القديمة تصارع زمن التكنولوجيا، وتحاول بالاعتماد على ما تبقى من عشاق النسخة الورقية، الحفاظ على وجودها، ورغم تراجع ممارسي المهنة، إلا أن البعض أبى إلا أن يظل وفيا لها وللباحثين عن متعة تصفح كتب لم تعد موجودة اليوم في رفوف المكتبات، ومن هؤلاء عبد الرحمان بلحيمر الذي يعانق هذه المهنة لما يزيد عن 19 سنة، التقته المساء مؤخرا بحديقة البريد المركزي، وعن سرّ تمسكه بمهنة بيع الكتب القديمة وجملة العراقيل التي يواجهها في سبيل تأمين هذا الصديق الوفي، كان هذا اللقاء.

يقول بائع الكتب في بداية حديثه، بأن مهنة بيع الكتب القديمة لم تكن مطلقا ضمن مخططاته الحياتية، بالنظر إلى تخصصه في مجال الإليكتروميكانيك، لم تكن الكتب ضمن اهتماماته، غير أن صعوبة إيجاد عمل مناسب في مجال تخصصه، خاصة في سنوات العشرية السوداء، دفعه إلى ممارسة التجارة الموسمية ببيع ما يتوفر لديه من سلع، سواء تعلق الأمر بألبسة أو أوان أو أي شيء آخر قابل للبيع في سبيل تأمين مصروفه، يقول حدث أن التقيت بصديق محب للمطالعة،  كان يملك مجموعة قيمة من الكتب القديمة، راح يحاول بيعها بساحة البريد المركزي المعروفة منذ القدم ببيع الكتب، وفي المقابل، كان الإقبال على اقتناء الكتب كبيرا، خاصة ما تعلق منها ببعض العناوين التي لم تعد موجودة في المكتبات، ويردف شيئا فشيئا، لفت نظري هذا النوع من الأنشطة، وبعد ما كنت أشارك صديقي عملية البيع،  قررت تبني الفكرة بالبحث عن الكتب القديمة وإعادة بيعها، واليوم في رصيدي أكثر من 19 سنة في عالم الكتاب القديم الذي تحوّل مع مرور الزمن إلى صديق وفي لا يفارقني، ولا تخلو طاولتي من 500 عنوان يوميا.

تمسّك عبد الرحمان بمهنة بيع الكتب القديمة، جعله لا يتوانى لحظة واحدة في إرضاء زبائنه من عشاق المطالعة ومحبي النسخة الورقية، حيث يحاول في كل مرة البحث عن مختلف العناوين التي يطلبها زبائنه، بالتنقل إلى مختلف الأسواق التي تبيع مثل هذه الكتب، ومن بين الأسواق التي يقصدها بحثا عن الكتب القديمة؛ الأسواق الأسبوعية كسوق الحراش، حيث يصادف في السوق بعض الكتب التي يود أصحابها التخلّص منها، بعد أن فرغوا من مطالعتها بعرضها للراغبين في اقتنائها، مشيرا إلى أن الممارس لهذه المهنة لا يقتصر عمله على مجرد الشراء لإعادة البيع فحسب، وإنما يجتهد أيضا لإعادة إعطاء الحياة لهذا الكتاب، ويشرح في بعض الأحيان نشتري بعض الكتب في حالة متقدمة من الاهتراء، فنقوم بترميمها أو تجليدها وإعطائها وجها مقبولا يطيل عمرها، بينما نقوم بتغليف الكتب التي يصعب ترميمها بغلاف بلاستيكي، لأن عملية الترميم قد تؤثر عليه، ونحاول بيعه على حاله حتى لا نتلف بعض عباراته، خاصة إن تعلق الأمر ببعض الكتب النادرة، إن صح التعبير، كبعض الكتب العلمية المتخصصة أو تلك التي تروي تاريخ الجزائر القديمة. بالمناسبة، يقول بأن من بين الكتب النادرة التي باعها لزبون مهتم بتاريخ الجزائر، كتاب يتحدث عن الحلي الجزائرية لكاتب فرنسي.

زبائن عبد الرحمان من شرائح عمرية مختلفة، مما يعني أن اهتماماتهم مختلفة، غير أن الأكيد ـ حسب محدثنا ـ هو اجتهاده لتأمين كل الكتب التي يطلبونها تلبية لرغبات محبي هذا الصديق القديم، خاصة ما تعلق منها بالكتب العلمية المتخصصة والروايات وكتب الفلسفة وكذا الكتب التي تروي تاريخ الجزائر العريق، مشيرا إلى أن هذه المهنة أكسبته مع مرور الزمن، خبرة في التعامل مع الكتب القديمة التي تعتبر في حقيقة الأمر تراثا ماديا بحاجة إلى اهتمام وتثمين، في ظل الانتقال إلى العالم الافتراضي وما أحدثته التكنولوجيا من ثورة في مجال المعلوماتية، الأمر الذي أثر بشكل كبير على الكتاب بشكل عام، وعلى المهنة بشكل خاص، ومع هذا يؤكد حقيقة التكنولوجيا كان لها تأثير كبير، غير أن الكتاب لا زال حاضرا ويصارع بالاعتماد على ما تبقى من محبي هذا الصديق الوفي.

مهنة بيع الكتب القديمة كغيرها من المهن، تعاني العديد من المشاكل والعراقيل التي تحكم على بعض ممارسها بالتخلي عنها، لولا إصرار البعض على التمسك بها لعدة اعتبارات، أهمها الألفة التي تنشأ بين البائع والكتاب. وحسب محدثنا، من أهم المشاكل التي يتقاسمها رفقة عدد ممن اختار الاستثمار في الكتاب القديم، صعوبة نقل الكتب يوميا من وإلى ساحة البريد المركزي، يقول هذا الإشكال الذي في كثير من الأحيان، يضر بالكتاب القديم الذي يحتاج إلى معاملة خاصة، مشيرا إلى أن تواجد الكتاب على طاولة بساحة البريد المركزي يعرضه لمختلف العوامل الطبيعية، كالرياح والأمطار، وهو ما أثر على مهنتهم وأتلف كتبهم. بالمناسبة، يناشد الجهات المعنية وعلى رأسها رئيس بلدية الجزائر الوسطى، التدخل لتأمين أماكن خاصة تسمح لهم بإخفاء الكتب بها، عوض تكبد عناء نقلها يوميا، خاصة أن ممتهني هذه المهنة يلعبون دورا بارزا في إعطاء وجه جميل للحديقة، من خلال خلق حركة ثقافية يصنعها محبو المطالعة، معربا في السياق عن استحسانه للجهود التي بذلها رئيس بلدية الجزائر الوسطى، الذي سمح لهم بعملية البيع في الحديقة في ظروف آمنة.

رشيدة بلال