كان فخرا ومصدر عيش للمجتمع القالمي
بعث نفس جديد في حرفة "النحاس".. ضرورة

- 97

توارث المجتمع الڨالمي عبر الأجيال، صناعات وحرف تقليدية أصبحت عبر الزمن، فخرا ومكسبا للولاية، إذ تعتبر الصناعات التقليدية والحرف من أهمّ مقوّمات السياحة في ڨالمة، وشكّلت الحرف التقليدية عبر العصور، المجال المتميّز لتجسيد مهارات وإبداعات الحرفيات والحرفيين بالولاية، فلا أحد يستطيع أن ينكر ما تملكه الولاية على غرار ولايات الوطن، من موروثات حضارية مازالت محافظة عليها إلى يومنا هذا.
تزخر قالمة بصناعات تقليدية توارثها جيل بعد جيل، تتميّز بالتنوّع والأصالة، ويعتبر موقع الولاية الجغرافي، عاملا مساعدا على ذلك، ما أحدث التميّز والتنوّع في قطاعاتها، حيث تزخر بصناعات تقليدية توارثت عبر الأجيال، عرفت آفاقا واعدة، ومنها ما هو في طريق الاندثار كحرفة الفخار، وحرفة النسيج خاصة الزربية الڨالمية، وحرفة "النحاس".
كان يمارس حرفة "النحاس" بولاية قالمة، في سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات وحتى أواخر التسعينات، عدد كبير من الحرفيين، تفنّنوا في إتقانها بأشكال مختلفة خاصة في الصينية بما يعرف "سني بومِترا"، فكان لا يخلو بيت من البيوت القالمية من أدوات وآلات "النحاس" التي تعدّدت أدوارها، كانت تستعمل لأغراض معيّنة، فبعض الأدوات لا تزال ضرورية في الحياة اليومية، وبعضها اندثر، تقتصر على بعض العائلات، ومازالت شاهدة على تمسّك الڨوالمية بهذا التراث، حيث يستعملها الغني والفقير، ومع بداية العشرية الثانية من القرن الحالي، بدأت الحرفة تتلاشى مع عزوف الحرفيين عنها وعزوف المشترين، فيما لا تزال بعض العائلات الڨالمية تحافظ عليها وتفتخر بها في المناسبات والأعراس، باعتبارها جزءًا هاما من ثقافة ناس ڨالمة، وباعتبارها أيضا، رمز الأصالة والهوّية الوطنية، وتعكس صورة عراقة وجمال وتاريخ هذه المنطقة.
يكتسي "النحاس" خصوصّية بارزة في المجتمع الڨالمي، يعبّر عن العادات والتقاليد السائدة في تلك المنظفة، إذ تتنوّع أدواته وتتعدّد منذ القدم حسب استخدامها، وحسب استعمالها كأدوات الزينة، حيث كان ولا يزال ضروريا في البيت الڨالمي، وأيضا، في جهاز العروس الڨالمية، مثله مثل الأفرشة والألبسة والذهب، إذ تُعدّ الحرفة من الوسائل المعبّرة عن ثقافة المجتمع الڨالمي وأصالته، كما كانت تعدّ من المصادر الرئيسية للعيش لكثير من أفراده.
وأهم أدوات "النحاس" التي كانت ضرورية في البيت، وفي جهاز العروس أيضا نذكر "سْنِـيْ" يسمّى عادة بـ"سْنِيْ" بومِترا، وهو صينية كبيرة الحجم بنقوش جميلة، يُستعمل لتقديم الأكل عند الغداء والعشاء في الأعراس والأفراح، "الصينية" وهي آنية نحاسية، دائرية الشكل ومزخرفة، تعرف بصينية القهوة، "السُّكْرِية" تكون منقوشة، يوضع فيها السكر عند تقديم صينية القهوة، "المْرَش" وهو إناء منقوش طويل الشكل، يوضع فيه ماء الزهر المقطّر أثناء تقديم صينية القهوة، "المَحْبَس" وهو عبارة عن وعاء كبير يتميّز بعمقه وبنقوش مميّزة، كانت تستعمله النسوة لوضع حلوى "المقروض" التي ترافق العروس عند زفافها إلى بيت زوجها، وبالنسبة للاستحمام والغسل، كان يتوفّر كلّ بيت على أدوات كانت ضرورية في جهاز العروس وهي "الوَضَّاية" وهي آنية نحاسية تستعمل في التوضأ والغسل، و"الكرْوَانة" وهي قصعة صغيرة على شكل دائري من "النحاس" لجمع ماء الوضوء والغسل، كانت تستعملها خاصة العروس، "البرّاد الإبريق" بما يعرف بـ"البقراج" وهو إناء له عنق وفتحة دائرية ومقبض لحمله، يستخدم لغلي الماء أو للوضوء، يكون بأحجام مختلفة، "السْطَل" وهو وعاء منقوش، يستعمل للحمّام، و"الطاسَة" عبارة عن إناء صغير دائري الشكل يستعمل لجلب الماء في الاستحمام، و"قصعة النحاس" على شكل دائري، ومن النحاس الأصفر، تستعمل لغسيل الملابس.
لكن الملاحظ أنّ هذه الأدوات انقرضت مع اندثار الحرفة التي تعاني من غياب الدّعم والتسويق، وللحفاظ على الموروث الثقافي التقليدي واستمراره ونقله عبر الأجيال، باعتبار الحرفة اليدوية التقليدية الرصيد الحضاري لناس ڨالمة خاصة، وللجزائر عامة، يرى المختصّون، أنّه لا بدّ من توثيق التواصل والحفاظ على الحرفة من عوامل الاندثار، وذلك باجتهاد المسؤولين والقائمين على قطاع السياحة والصناعات التقليدية، لبعث نفس جديدة لحرفة "النحاس" من أجل إبراز الأعمال اليدوية التراثية مع توفير الإنتاج المحلي ذي الجودة والنوعية العالية، وبيعه في ظلّ منافسة المنتوجات الأجنبية، باعتبار التراث المادي الجمالي من أعرق الصناعات التقليدية، ويبقى الأمل قائما لبعث السياحة من جديد في هذه المنطقة، ما يفتح المجال على الاستثمار الاقتصادي والسياحي ويساهم في خلق مناصب شغل في الولاية وفي الوطن. يُذكر أنّه يتم تنظيم كلّ سنة في فصل الربيع، معرض للصناعات التقليدية والحرف، يعرف بمعرض "الشلال" بحمام الدباغ، يلتقي فيه العديد من الحرفيين القادمين من مختلف ربوع الوطن، لعرض وبيع منتوجاتهم الحرفية، من بينها "النحاس".