"المساء" ترصد واقع سوق المنتجات "وشيكة انتهاء الصلاحية"

بدائل استهلاكية بأسعار مغرية.. وخطر غير معلن

بدائل استهلاكية بأسعار مغرية.. وخطر غير معلن
  • القراءات: 299
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

تصريف سلع مكدّسة.. والنتيجة.. استهلاك أكبر بأسعار أقل

أدى تراجع القدرة الشرائية للمواطن خلال السنوات الأخيرة، إلى البحث عن بدائل استهلاكية للتوفيق بين المصاريف الشهرية والالتزامات المالية التي قد لا يوفق فيها دائما، لا سيما في ظل اتجاه السلوكات الاستهلاكية الجديدة التي تتبناها الأسر، وبحثا عن رفاهية المعيشة، والوصول إلى سلع وخدمات ذات نوعية جيدة، مقابل ارتفاع أسعار مختلف المواد الاستهلاكية.

وفي الوقت الذي انخفضت العملة الوطنية بشكل يجعل أجور البعض لا تغطي دائما الاحتياجات، لجأ البعض إلى أسواق تعرض منتجات بأقل الأسعار؛ حيث وجد هؤلاء سلعا على وشك انتهاء صلاحيتها؛ إذ تمنح هذه الأسواق "حرية" استهلاكية بأقل الأسعار، يقوم، من خلالها، البعض بتجربة منتجات قد لا تسمح الميزانية أبدا باقتنائها لارتفاع أسعارها خارج تلك الفترة. وبين مؤيّد ومعارض للفكرة، جمعت "المساء" عددا من الوقائع حول رواج هذه التجارة في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، ووجدت لها زبائن من كل الفئات، وتجارا مارسوها باعتبارها ربحية.

انطلقت الكثير من العائلات خلال هذه الأيام القليلة، نحو الأسواق ومختلف المحلات والفضاءات التجارية؛ بحثا عن تموين مطبخها بمختلف المنتجات الغذائية التي تحتاجها لتحضير وجبات الإفطار خلال رمضان. وتسعى العائلات خلال رحلاتها تلك، إلى محاولة التوفيق بين ميزانيتها الخاصة التي خصصتها لتلك المشتريات، وما هو متوفَّر من أسعار في السوق، التي قد تكون، أحيانا، عالية، خصوصا مع اقتراب مثل هكذا مناسبات، يستغلها الباعة في تحقيق الربح السريع في ظل حاجة المواطن.  ولتحقيق ذلك يتوجه البعض نحو هذه الفضاءات التي تعرض منتجات يؤول تاريخ صلاحيتها للانتهاء. وبين مؤيد ومعارض تبقى هذه التجارة تحقق نجاحا كبيرا لبعض المحلات الكبرى، التي تخصص مساحات كبيرة لعرض هذا النوع من المنتجات.

من أوروبا.. لمجابهة التبذير وتفادي إلقاء السلع في النفايات

برز هذا السلوك الاستهلاكي حول العالم قبل سنوات عديدة، انطلق من الدول الأوروبية التي كانت تبحث في إطار سياستها القضاء على التبذير الذي كانت تشهده السوق والاقتصاد عامة آنذاك، إلى منفذ لتلك السلع التي تتكدس في الرفوف ولا تجد مشتريا لها إلى حين اقتراب موعد انتهاء تاريخ صلاحيتها، ليتم عرضها بأسعار أقل بكثير وحتى أقل من تكاليف إنتاجها؛ بهدف بيعها بأقل خسارة ممكنه، أو بالأحرى المهم عدم إلقائها في النفايات، ليحاول البعض إعطاءها حياة ثانية، لتحقق بذلك معادلة "رابح- رابح" للتاجر من جهة، وللمستهلك من ناحية أخرى.

وظهر هذا السلوك الاستهلاكي في الجزائر خلال أواخر التسعينات وبداية الألفية، بنسبة قليلة جدا، وعلى مستوى محدود، بسلع قليلة يعرضها الباعة على مستوى بعض المحلات بأسعار منخفضة، من منتجات مستوردة، أوروبية خاصة، لتنتشر مع مرور السنوات، ويتم تعميمها كسياسة تجارية مربحة، يخصص البعض مساحات كاملة لهذا النوع من السلع. وفي جولة قادت "المساء" بين عدد من المحلات، لاحظت مدى إقبال المواطنين على هذه السلع، لا سيما مع اقتراب الشهر الفضيل.

والمحطة الأولى كانت بمتجر ببلدية بئر خادم بالعاصمة، يبدو أنه أعطى أولوية لهذه التجارة؛ منتجات بعضها تقترب تواريخ انتهاء صلاحيتها، وأخرى بأسعار منخفضة، خلقت بذلك جوا تنافسيا جيدا لباقي السلع، عرضها بلافتات كبيرة، صفراء وأخرى حمراء، وكتب عليها بالبنط العريض، السعر الأصلي، والسعر بعد التخفيض، لتثير بذلك اهتمام المارة.

وفي حديثنا مع بعض الزبائن، أبدى هؤلاء اهتمامهم بهذه التجارة، مؤكدين أنها ليست أول مرة يقتنون فيها منتجات من ذلك النوع، بل أكد آخرون ميولهم نحو هذه السلع، التي قد تساعد في تخفيض أعباء المصاريف، لا سيما إذا تعلق الأمر بكماليات الاستهلاك؛ كالحلويات، والشوكولاطة، والأجبان وغيرها، والتي قد لا يمكن البعض اقتناؤها إلا في مثل هكذا فرص. 

سياسة التخفيض اليومي وراء الإقبال الكبير 

محطة "المساء" الثانية كانت محلا ببلدية القبة؛ أحد أهم المحلات المتخصصة في التخفيضات في المنتجات الغذائية، وواحد من مطبقي سياسة عرض منتجات تقترب تواريخ صلاحيتها من الانتهاء؛ إذ أكد بعض المقربين من أصحاب المحل، أن أكثر ما ساعد في شهرته "التخفيضات التي يمارسها بصفة يومية" ؛ إذ يعتمد في الترويج لها على صفحات موقعي التواصل الاجتماعي، فايسبوك وانستغرام، وهو الأمر الذي أكده بعض الزبائن الأوفياء للمحل؛ على غرار السيدة صبرينة الخمسينية، التي أوضحت أن قدومها إلى المحل يكون بصفة أسبوعية حتى وإن كانت تنتقل من بلدية الرغاية إلى غاية القبة فقط للتبضع من المحل، ومعرفة كل جديد لاستغلال الفرصة قبل انتهاء المخزون الذي يكون محدودا.

ومن جهة أخرى، أوضح آخرون بمحل يقع ببلدية باب الزوار، سعيهم لأكثر من ذلك؛ بانتقالهم من ولاية إلى أخرى لاقتناء سلع "التخفيضات"، موضحين أن بعض الولايات المجاورة لا سيما البليدة، يعتمد كثير من محلاتها هذا النوع من السياسات التجارية. ولا يتردد بذلك الزبائن في التنقل؛ بهدف اقتناء منتجاتها؛ لاستغلالها في مائدة رمضان.