هواية الفروسية في الأوراس

انتعاشها يطرح إشكالية وجوب تقنين ممارستها

انتعاشها يطرح إشكالية وجوب تقنين ممارستها
  • القراءات: 1987
حكيم حكيم

عادت الفروسية والفنطازيا بالأوراس خلال السنوات الأخيرة بقوة، لتستعيد بذلك مجدها وسحرها من خلال إضفاء الطابع التقليدي على الأعراس ومختلف التظاهرات في مظاهر يطبعها الاستمتاع برقص الخيول والفرح والفرجة، لتؤصل بذلك لموروث تقليدي هام بعد تراجع دام سنوات، إلا أن هذا النشاط أصبح بحاجة إلى قواعد تضبط ممارساته لاسيما مع مخاطر حمل السلاح غير المرخص وكثرة الحوادث التي باتت محل تساؤلات في كل مرة. 

وترجع أسباب انتعاش هذا الموروث الثقافي من جديد وبشكل غير مسبوق ـ حسب عدد من المهتمين ـ إلى توجه شباب الجيل الجديد إلى الاهتمام الكبير به وتطويره،وذلك من خلال تأسيس عشرات الجمعيات الثقافية المختصة في هذا الميدان على مستوى الولاية بمعدل أكثر من جمعية واحدة في كل بلدية، أهمها جمعية "بريكة للخيالة والبارود" و«جمعية جبل ملحم للبارود" و«الخيالة تالخمت"، "جمعية نقاوس" وكذاجمعية "شيليا للبارود والخيالة" و«جمعية البارود والخيالة فاروق ويوسف"، الجمعية "الأوراسية للفنطازية"، "الأوراس ثقافة وتراث للخيالة والبارود التقليدي فرع أشبال الأوراس للبارود التقليدي" وجمعية أولاد دراج للخيالة والبارود" و "جمعية إزلماظن للخيالة والبارود بباتنة" بالإضافة إلى فرقة "بريكة لألعاب البارود والخيالة والأفراح والمناسبات"... مما دفع بالمسؤولين القائمين على قطاع الشباب والرياضة للتفكير في إنجاز مركز ضخم للفروسية والسباقات بمواصفات جد عالية ويحتوي على كل المرافق الضرورية واللازمة وذلك بغرض تثمين الجهود القائمة وتشجيع هذا النوع من النشاط أكثر.. ولقد تحقق ذلك بالفعل ببلدية جرمة القريبة من مقر الولاية وذلك بالإضافة إلى مركز تربية الخيول الكائن ببريكة.

كما وجد الشباب في هذا الفن ضالتهم للتأكيد على رجولة الفارس الذي لا يقهر وسط هالة عنفوان قوة السلاح وجموح الفرس والتفاخر والتباهي و رمزا للانطلاق والتحرر من كل القيود لحظات الانطلاق وهواية فتحقق المتعة والتسلية وإشباع رغبة جامحة تسكنهم وهم يعبرون عن فرحتهم وافتخارهم حين يمتطون بسرعة جيادهم البربرية والعربية الأصيلة المزينة، مستمتعين برقصها تحت أنغام القصبة والبارود وزغاريد النسوة ويحملون بنادقهم التي يعطر بارودها الأجواء المعفرة بالغبار الذي تثيره حوافر الخيل، مجسدين بذلك أدوارا تاريخيةبأسلوب مثير كون "الفانطازيا" تتمتع بشعبية واسعة في أوساط مختلف فئات المجتمع الجزائري.

كما أن الحراك في المشهد الثقافي والسياسي خلال السنوات الأخيرة ـ حسب بعض  رؤساء الجمعيات المهتمة وتحسن الوضع الاجتماعي كثيرا، سمح هو الآخر للكثير إيلاء الاهتمام بتربية الخيول بشكل غير منتظر، كما كان له دور كبير في تشجيع البعض الآخر على اقتحام عالم الفروسية وتعلم فن الفنطازيا كون هذا النشاط أصبح يدر مداخيل كبيرة لبعض الجمعيات وفرق البارود خاصة التي وجدت فيه الكسب السهل والسريع.

الفروسية نشاط مكلّف ويتخبط في الكثير من المشاكل

تقف الكثير من المشاكل والصعوبات في وجه هذه الجمعيات باستمرار في غياب البديل، يختصرها البعض ممن تحدثت إليهم "المساء" في استعمال البنادق التقليدية غير المرخصة لا سيما المقطوعة الماسورة من نوع ـ قرافوزي ـ مما يتسبب في حجزها ويعرضهم للتوقيف وإخضاعهم للتحقيقات وتقديمهم للجهات القضائية مع كل مناسبة تقريبا لاسيما مع ما يعرفه هذا النشاط من حوادث وتعريض حياة الناس للخطر وعرقلة حركة المرور من خلال إطلاق البعض العنان للبارود والمبالغة في استعماله بداعي يراه فني ولكنه يتحول بفعل العشوائية إلى حوادث مميتة نظرا لقلة تجربة وخبرة الكثير منهم وسوء تقدير أعضاء فرق البارود في كثير من الأحيان لخطورة الحركات والألعاب الفنية التي يقدمون عليها إرضاء للجمهور وتحقيق المتعة والفرجة خلال مواكب الزفاف في أحياء المدن خاصة وعبر الطرقات مما يستوجب التفكير في إيجاد حلول نهائية وتسوية قانونية لهذا الإشكال.   

من جهته، يرى عبد الحميد مسوس، رئيس جمعية أشبال الشاوية للخيالة والبارود "الرحبات" التي أُسست سنة 2011، والتي ساهمت هي الأخرى في بعث هذا النشاط الذي يتقاسم رأيه مع آراء ممن التقيناهم من مربي الخيول أن جمعيات الخيالة والبارود تواجه في غياب الدعم المالي الكثير من المشاكل كون هذا النشاط مكلف جدا لاسيما مع ما تتطلبه تربية الخيول من اهتمام خاص ورعاية مستمرة، إلى جانب الأعباء الكبيرة الناجمة عن تربية الخيول خاصة مع ارتفاع أسعارها في الأسواق والتي تفوق الـ20 مليون سنتيم، زيادة على مصاريف تغذيتها الكبيرة .. إلخ.

ومن جملة الصعوبات أيضا التي تواجه إعادة الاعتبار للفروسية ـ حسب ذات المتحدث ـ "مخاطر اقتناء مادة البارود من مصادر غير مرخص بها أو من خلال مختلف الجمعيات فيما بينها خلال الأعراس والحفلات، حيث يتم ذلك بطرق غير شرعية مما يخلق لنا إحراجا باستمرار أثناء تنقلاتنا للمشاركة في إحياء الأعراس والحفلات كل مرة في غياب فواتير من شأنها تبرير حمل الذخيرة الحية، خلال نقاط المراقبة وعمليات التفتيش الأمنية ونفس الشيء في غياب التراخيص بحمل السلاح والتي تنتهي دوما بتقديمنا أمام المحاكم كل مرة كون معظم الأسلحة التي يحملها عشاق الفنطازيا ذات طابع تقليدي توارثته الأجيال أبا عن جد ولم تستطع هذه الجمعيات تسوية وضعيتها  القانونية والحصول على ترقيم لها من طرف مصالح الولاية، كما أن اقتناء الأسلحة  رغم قلتها وإصلاحها هو الآخر يتم بصعوبات كبيرة أمام انعدام مصادر البيع وبخاصة مع زوال وغياب الورشات التقليدية لصناعتها.

ومع ازدياد عدد الحوادث وبخاصة المميتة منها كل مرة هذه الوضعية المقلقة أصبحت تطرح بقوة أمام الجهات الوصية لاسيما، وهو ما دفع يوميا بعامة الناس مطالبة السلطات الولائية لمنع استعمال البارود إلّا وفق ضوابط محددة.