حملات تنظيف المقابر حررت عددا من ضحايا الشعوذة

انتشار فيديوهات "السحر" يثير الهلع والوسواس

انتشار فيديوهات "السحر" يثير الهلع والوسواس
جمال غول، رئيس المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية والأوقاف
  • 209
رشيدة بلال رشيدة بلال

أحدثت مقاطع الفيديوهات المتداولة عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، التي توثق العثور على صور أشخاص تعرضوا لأعمال سحر مدفونة داخل المقابر، حالة من القلق والخوف، خاصة لدى الذين يعانون من الوسواس، فقد أصبح كثيرون يربطون تدهور أحوالهم النفسية أو الاجتماعية باحتمال تعرضهم للسحر، ورغم الجانب الإيجابي لهذه الفيديوهات التي أسهمت بمعية بعض المتطوعين، في فك السحر عن عدد من الضحايا، إلا أنها في المقابل ساهمت في نشر مغالطات دفعت البعض إلى الاعتقاد بإصابتهم بأعمال سحرية دون دليل. "المساء" تواصلت مع مختصين لتشخيص الظاهرة وفهم تأثيراتها في المجتمع الجزائري.

وفي هذا السياق، صرح جمال غول، رئيس المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية والأوقاف، أن مسألة السحر ليست بالجديدة، بل هي موجودة منذ قرون. وأضاف: "ما حدث هو أن مواقع التواصل الاجتماعي كشفت المستور، وكثرة الحديث عن الموضوع جعله يبدو وكأنه ظاهرة طارئة، ما تسبب في حالة من الهلع لا مبرر لها". وأكد المتحدث على ضرورة عدم ربط كل ما يصيب الإنسان من مشاكل أو ابتلاءات بأعمال سحر، لأن ذلك يُضعف العقيدة ويحول السحر إلى شماعة لتبرير كل فشل أو مرض ودعا إلى التحصين بالرقية الشرعية والأدعية دون الانجراف وراء الوساوس.

وفيما يتعلق بالأشخاص الذين ينشرون محتويات عن أعمال سحر وضحاياها، أوضح غول أن الأمر يحتمل وجهين: "إذا كان الهدف هو التوعية ومحاربة الظاهرة، فهو أمر إيجابي. أما إذا كان الغرض هو البحث عن عدد كبير من المشاهدات عبر تضخيم أو تلفيق وقائع غير صحيحة أو التشهير بأشخاص، فذلك أمر مرفوض، ويجب معالجته بحذر ووفق أطر شرعية وعلمية". كما حذر من التوجه إلى المشعوذين بدعوى فك السحر، مؤكدا أن ذلك يشجع على الظاهرة ويغذيها. ولفت إلى أهمية أن يتولى المختصون فقط توعية الناس، مشيدًا ببعض الحملات التحسيسية التي نظمتها جمعيات ومتطوعون، لكنه نبّه إلى عدم تحويل حملات تنظيف المقابر إلى عمليات نبش غير لائقة تمس بحرمة الموتى.

حملات لتنظيف المقابر بالبليدة

وتفاعلاً مع ما يتم تداوله، بادرت جمعية قوافل الخير لرعاية الأرملة واليتيم بولاية البليدة إلى إطلاق حملات واسعة لتنظيف المقابر. وقال رئيس الجمعية، محمد رومادني، في تصريح لـ«المساء"، إن هذه الحملة جاءت على خلفية العثور على كميات كبيرة من الأعمال السحرية المدفونة بالمقابر.

وأوضح أن أولى العمليات التي شملت بعض المقابر، كشفت عن عدد من الطلاسم المدفونة بجوار القبور، تم فكها بالتعاون مع رُقاة شرعيين. وأضاف أن ما نُشر عبر صفحات الجمعية ساعد العديد من العائلات على التعرف على أفرادها الذين كانوا ضحايا لأعمال سحر، ما دفعهم للمساهمة في تنظيف المقابر. وأكد رومادني أن هذه المبادرة غير مسبوقة بالنسبة للجمعية، لكنها أصبحت ضرورة ملحة بعد تنامي الظاهرة. ووجه نداءً إلى سكان البليدة لزيارة مقابر ذويهم والمشاركة في تنظيفها، مشيرًا إلى احتمال وجود أعمال سحرية مدفونة بجانب بعض القبور.

كما شدد المتحدث على أن الهدف من هذه الحملات هو المساهمة في محاربة ظواهر سلبية تمس المجتمع وتؤثر على استقراره الأسري، داعيًا السلطات المعنية إلى دعم المتطوعين وتزويدهم بالأدوات اللازمة. وبيّن أن المبادرة مرخصة رسميًا، وقد لقيت ترحيبًا واسعًا من سكان الولاية، مشددًا على أن التوعية لا تتحقق إلا من خلال الخطاب الديني المعتدل والتفاعل المجتمعي الواعي.

مختصون في القانون يدعون إلى تشديد العقوبات

من جهته، أكد نبيل دريس، المختص في القانون في تصريح لـ«المساء"، أن الانتشار الكبير لظاهرة السحر والشعوذة، التي أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في كشفهما، يتطلب تحركًا قانونيًا صارمًا. وقال دريس إن هذه الظاهرة تمس كل شرائح المجتمع، ويجري استغلالها بشكل ممنهج من طرف محترفين في هذا المجال. وأشار إلى أن المحاكم تشهد منذ سنوات قضايا متعلقة بالسحر والشعوذة، ويجري علاجها، داعيًا إلى تغيير طريقة التعامل معها قانونيًا من خلال تشديد العقوبات وتكييفها مع خطورة هذه الجرائم.

وأضاف أن إثبات هذا النوع من الجرائم صعب، لكنه أصبح أكثر سهولة اليوم بفضل التوثيق المصور والوعي المجتمعي المتزايد. وختم بدعوة إلى تعزيز آليات الإثبات ومعاقبة المتورطين، حمايةً للمجتمع من هذه الممارسات التي أفسدت حياة الكثير من الأفراد.