لها بُعد اجتماعي اقتصادي وتراث شعبي
"الڤربة" ثلاجة الأجداد الصامدة وصمام الحياة لسكان البدو الرحل بأدرار...

- 3792

تعتبر الڤربة من الأدوات القديمة التي كان يستخدمها الناس في منازلهم وفي ترحالهم، إذ لا يكاد يخلو بيت منها، لما لها من فائدة كبيرة في عملية تبريد الماء خاصة في فصل الصيف مع اشتداد درجة الحرارة، علما أن الڤربة تصنع من جلود الغنم، البقر أوالإبل. وكان الدبّاغون يأخذون جلد الخروف المليء بالصوف، فيقلبونه ويجعلون الصوف في الداخل، ثم يضعون بداخله تمرا فيغطى ويكتم، وهو ما يسمى بتمار الجلود، وذلك لمدة يومين حتى يفسد التمر ثم يخرج منه، وإذا بالصوف تنتزع من الجلد ليصبح داخل الجلد كخارجه، ثم يأتون بهدب شجر الأرطي اليابس فيطبخونه بالماء ثم يسكبون الماء فاترا على الجلد، وهذا يسمى نفس واحد، فيكون سمكه رقيقا ليبرّد الماء ولكن تبقى بعض الثقوب الصغيرة التي ربما لا ترى بالعين المجردة، فإذا سكبوا مرة أخرى أصبح نفسين وإذا سكبوا ثالثة أصبح ذو ثلاثة أنفاس فيصبح سميكا لا يتسرب منه الماء، ولكنه بطيء جدا في التبريد.
الڤربة تدخل أيضا في جهاز العروس
وتُعد الڤربة من الأدوات التي كانت العروس تحملها ضمن الجهاز لتأثيث البيت، وكانت أغلب القرب مصنوعة من جلود الغنم حتى تتمكن المرأة من حملها، فالنساء أكثر من يقوم بالري للبيوت من الآبار ومن الأودية أثناء جريان السيول وكذلك من المزارع أثناء سقي الزرع، أي من مصادر المياه العذبة. وكانت القربة تعلق على خشبتين من خلال القوائم الأمامية والخلفية لجلد الغنم وفي مكان ظليل ومرتفع من الأرض، ويعلق بجوارها كأس من الخشب أوسحلة زبدية أوطاسة من المعدن ليشرب منها العطشان. كما نجد أن للڤربة قيمة مضافة للتراث لأنها كانت ولاتزال في العديد من المدن والقرى الجزائرية خاصة عند البدو الرحل في الصحراء، والذين يستخدمونها في فصل الصيف، والكثير من الناس في وقتنا الحاضر يحتفظون بها كتراث، حتى يشاهد الأبناء كيف كان الآباء والأجداد يبردون المياه والأشياء التي يحفظون فيها الماء والأماكن التي تعلق فيها والأواني التي يستخدمونها للشرب.
وكانت للڤربة في الماضي منزلة كبيرة نظرا للدور الذي تقوم به، حيث يجلب فيها الماء للبيوت للشرب والغسيل والطبخ وتتم تفقد الڤرب من الثقوب التي يمكن أن تكون فيها بعد السلخ من قبل ربات البيوت. وتتميز الڤرب في مرونتها وليونتها وخفتها في الوزن والقدرة على حفظ الماء باردا ولمدة طويلة، فهي لا تفارق المرأة على الدوام في يومياتها، علما أن للڤربة أهمية اجتماعية واقتصادية كبيرة في الماضي وحتى في أيامنا الحالية، وهي موجودة في بعض المدن، كما يستعملها السائقون للشاحنات طويلة المسافات في الجنوب، حيث تجد في كل شاحنة ڤربة معلقة في أحد جوانبها والماء بها باردا سائغا للشاربين مهما ارتفعت درجة الحرارة، والسر في ذلك يكمن في أنها خالية من الرطوبة نتيجة الطريقة التي صنعت بها. من جهتهم سكان البدو الرحل في برج باجي مختار، أوتيمياوين بولاية أدرار من أشد المتعلقين بالڤربة، إذ يعتبرونها ضرورية في معيشتهم وتنقلهم في أطراف الصحراء، فهي صمام الحياة بالنسبة إليهم، إذ يستعملونها بشكل أوسع لأنهم يسكنون الخيمة ويتنقلون كثيرا من أجل البحث عن الكلاء والماء.
عموما سكان ولاية أدرار، كانوا يستعملون الڤربة في توفير وتبريد الماء في الماضي، أما اليوم فصارت معلقة كتراث وتحفة ذات قيمة من الماضي ليطلع عليها الأجيال، وهناك أنواع من الڤرب تستعمل في مخض اللبن وأخرى للماء والثالثة التي تسمي بالمزود، فهي مخصصة للموسيقي لا يزال يعزف عليها بعض سكان أدرار وتسمي محليا بالزمار، وهي مرافقة لفرق البارود، كما زنها مصنوعة من جلد الماعز وتسمي ڤربة الموسيقى. الجدير بالذكر أن الڤربة لا تزال موجودة في الكثير من المدن والقرى والأرياف الجزائرية لكونها تضمن الحصول على شربة ماء منعشة وتزداد النشوة فيها إذا أضيفت لها مادة القطران مما يعطيها نكهة خاصة، فهي ثلاجة تقليدية معلقة لم تفقد قيمتها وأهميتها بالرغم من التقدم التكنولوجي، وهي أيضا مصدر رزق الكثير من الناس في الصحراء، فهناك من يصنعها ويبيعها للزوار، حتى أصبح أهل المدن الحضرية يقبلون على شرائها وتعلق في أحد الأمكنة كتراث تقليدي، ومنهم من يشتري مادة القطران ويشرب منها هربا من روتين الثلاجة العصرية، كما أصبحت الڤربة تستهوي الكثير من الناس بعد معرفة مزاياها، حيث صارت شربة ماء منها أمنية أغلبية الجزائريين.