البروفسور عبد الكريم مسعودي مختص في الأمراض العقلية لـ ”المساء”:

الوقاية حجر الزاوية في المنظومة الصحية والمجتمعية

الوقاية حجر الزاوية في المنظومة  الصحية والمجتمعية
البروفسور عبد الكريم مسعودي مختص في الأمراض العقلية بمستشفى تيزي وزو
  • القراءات: 848
حاورته: حنان. س حاورته: حنان. س

قال البروفسور عبد الكريم مسعودي مختص في الأمراض العقلية بمستشفى تيزي وزو رئيس الجمعية الوطنية للصحة ومساعدة المرضى (قيد التأسيس)، إن الوقاية تبقى حجر الزاوية في المنظومة الصحية والمجتمعية على السواء؛ لإبعاد كل أخطار الإصابة بالأمراض العضوية والنفسية. وأضاف أن الجمعية جاءت للتأكيد المتواصل على أهمية التنسيق بين عدة قطاعات، للوصول إلى أهداف مشتركة وليس لسد فراغ. ويشرح رؤيته في هذا الحوار مع المساء، التي التقته على هامش يوم طبي تحسيسي حول مرض السرطان، انعقد مؤخرا ببومرداس.

بداية، حدثنا عن الجمعية وما الذي يميزها عن باقي جمعيات المجتمع المدني في الحقل الصحي؟

❊❊ أولا أريد الإشارة إلى كون جمعيتنا لا تهتم بمرض معيّن كالسكري أو أنواع السرطان أو ارتفاع الضغط وسبل الوقاية منها، على غرار ما هو متعارف عليه بالنسبة للعديد من الجمعيات المعروفة بمجتمعنا، وإنما هي جمعية جاءت لأهداف توعوية وتحسيسية؛ لترقية الصحة، ومرافقة المرضى أينما كانوا وكيفما كان مرضهم، مع شرح البرامج الصحية وتبسيطها لهم، لاسيما كل ما يتعلق بتشخيص المرض وسبل التعايش معه، طبعا مع اهتمام خاص بالوقاية؛ باعتبارها أحد أهم الأعمدة التي تقوم عليها الجمعية للحفاظ على الصحة العمومية.

وهي نفس الأهداف تقريبا التي تقوم عليها جمعيات أخرى مماثلة..

❊❊ نحن لا ننكر ذلك، ولكن أردنا من خلال تأسيس جمعيتنا هذه عدم الاهتمام العيني بمرض معيّن مثلما هو متعارف عليه بالنسبة لجمعيات مساعدة مرضى السرطان أو مساعدة مرضى السكري وغيرها، بل أردناها جمعية لمساعدة المرضى فقط بدون تحديد مسبق لنوع المرض الذي نود تقديم المساعدة بشأنه. فجمعيتنا خيرية، تحاول في مساعيها مد يد العون للمرضى في عمق المجتمع، ومرافقتهم وشرح شبكات العلاج المتواجدة عبر الوطن، وهو الهدف من وراء تأسيس الجمعية الوطنية للصحة ومساعدة المرضى.

هل تعتقدون أن المساعدة الصحية والمرافقة قد تختلف باختلاف المرض والمصابين به؟

❊❊ طبعا، المرض يختلف باختلاف المنطقة حتى وإن كانت عوامل الإصابة تتشابه، ولكن خصائص المرض تختلف باختلاف خصائص المريض نفسه والطبيعة التي ينتمي إليها أو يعيش فيها. كذلك الحاجة إلى المساعدة والمرافقة تختلف باختلاف هذه العوامل، ولذلك جاءت الجمعية من أجل مرافقة كل المرضى المصابين بأمراض مزمنة. ولأبسّط فكرتي أكثر، فإن جمعيتنا جاءت أيضا لتقوية حملات التوعية والتحسيس بكل الأمراض وسبل الوقاية منها بعمق المجتمع. وستنطلق الجمعية بداية من ولايتي بومرداس وتيزي وزو، لتنتقل بعدها تدريجيا نحو باقي الولايات. صحيح أن هذا يتطلب وقتا في سبيل إنشاء خلايا عبر كل ولاية، لكننا نؤمن بأهدافنا النبيلة؛ لذلك نتمنى أن نلقى الدعم والمساعدة.

هل هو نداء توجهونه لكل من يقرأ هذا؟

❊❊ نعم، والنداء هنا موجه للجميع من عمال الصحة؛ أطباء ومحسنين ورجال أعمال وغيرهم، سواء أكان ذلك في عملية التكفل الطبي أو مرافقة المرضى أو في الوقاية والتحسيس.. فكل مساعدة مرحب بها، لاسيما أن الهدف التخفيف عن المرضى.

التكفل بالأمراض في مجتمعنا وخاصة الأمراض المزمنة، خُصصت له استراتيجيات وبرامج هامة، ولكن ذلك لم يكبح أمر انتشارها؛ ما أسباب ذلك حسبكم؟

❊❊ انتشار الأمراض المزمنة أو الثقيلة مثل الأمراض القلبية وارتفاع الضغط الشرياني والسكري والسرطان، في تزايد مطرد بالمجتمع، وهذا واقع. ومن هذه الأمراض ما أعد بشأنها دراسات وبائية، وأخرى هي بحاجة إلى هذه الدراسات الوبائية لمعرفة خصائص انتشارها بمجتمعنا، والاطلاع أكثر على عوامل الخطر والإصابة، وأيضا معرفة تواجدها بالضبط، والوصول إلى وضع برنامج عمل للتصدي لانتشارها، وهذا معروف ومأخوذ به، ولكن المهم بين هذا وذاك هو التنسيق بين مختلف القطاعات لإجراء هذه الدراسات، وكذا تطبيقها على أرض الواقع؛ فالجزائر تتوفر على كل الوسائل من أجل إجراء هذه الدراسات. هناك عمل ميداني أجري في هذا المجال، ولكن يبقى غير كاف، ولا بد من تقويته مستقبلا.

يقال في الطب إن الوقاية تبقى خير علاج؛ ما تعليقكم خاصة في ما تعلق بالأمراض الثقيلة؟

❊❊ طبعا تبقى الوقاية خير علاج، ونحن نؤكد أن الوقاية ليست من عمل وزارة الصحة لوحدها، وإنما هي عمل مجتمعي مشترك، لا بد من تضافر الجهود لتقويتها إذا أردنا مكافحة الأمراض، خاصة الثقيلة منها مثل السرطانات أو السكري أو الأمراض القلبية وغيرها. مصالح الطب الوقائي تقوم بعملها في كل الولايات والمديريات الفرعية للوقاية على مستوى مديريات الصحة والسكان لتشخيص الأمراض والوقاية منها، لكنها لا تكفي إن لم ينخرط كل المجتمع في هذا المسعى. أعطيكم مثالا، بصفتي مختصا في الأمراض العصبية والعقلية بمستشفى تيزي وزو، يمكنني القول إن الوقاية من هذه الأمراض تبقى أحسن ألف مرة من التكفل الطبي بها، حيث إن الإصابة بالأمراض العقلية لها عوامل متعددة ومعقدة، حيث يوجد أولا ما يسمى بعوامل باطنية المنشأ (أندوجان)؛ أي عوامل ذات علاقة بالشخص. وهناك عوامل خارجية المنشأ (أكزوجان) مثل البطالة والقلق والتوتر والضغط، وكل المشاكل الأسرية والمجتمعية المختلفة والمتعددة. هذه العوامل قد تؤدي في الأخير، إلى الإصابة بمرض عصبي مثل الانهيار العصبي، وهو المرض الأكثر شيوعا بمجتمعنا.

وللتكفل بهذا المرض لا بد أولا من التكفل بعوامل الإصابة، وهنا تدخل الوقاية تحديدا. قد يظهر هذا الجانب ثقيلا، ولكنه غير مستحيل، فلما نرى أن التكفل الطبي بالمريض من ناحية الاستشارة وصرف الأدوية وحده لا يكفي وقد لا يأتي بنتيجة مرضية، هنا يمكننا تأكيد أن الاهتمام بالجانب الوقائي المجتمعي أهم بكثير، وهو الكفيل بإحداث الفارق في التكفل الطبي.

وكيف يمكن هنا الوقاية من عوامل القلق رغم كونها كثيرة ومتعددة بمجتمعنا؟

❊❊ الانهيار العصبي إصابة مرضية شائعة جدا بمجتمعنا، ولكن معظم المصابين لا يستشيرون مختصا. والسبب تراكمات مجتمعية تجعل من يستشير نفسانيا أو مختصا في الأمراض العصبية والعقلية، يُنظر إليه على أنه مهبول؛ أي مجنون. ونحن نتأسف لذلك، فالمثل الشعبي يقول: المهبول هو ألي ميعرفش صلاحو، ولكني أؤكد هنا أن الانهيار العصبي عبارة عن مرض حقيقي بحاجة إلى تكفل. والتكفل يكون أولا بالتحكم في أسبابه وعوامله، وأهمها الضغط والتوتر والقلق، لذلك أرجع وأؤكد أن الوقاية لا تختص بقطاع دون آخر، وإنما هي متعددة القطاعات؛ من أجل تكفل أحسن بالفرد والابتعاد به عن المرض العصبي والمرض العضوي قدر المستطاع.