العولمة أثرت على أصالتنا وغيرت عاداتنا

"الموضة" تطال أسماء المواليد الجدد

"الموضة" تطال أسماء المواليد الجدد
  • القراءات: 1212
رشيدة بلال رشيدة بلال

تحوّل اختيار أسماء المواليد الجدد عند بعض العائلات الى انشغال حقيقي، بالنظر إلى الصعوبة الكبيرة التي تواجههم في عملية البحث، ومرجع ذلك رغبتهم في ايجاد اسم مميز غير متداول وفريد من نوعه، وعند العثور عليه يدخلون في خصومات مع المكلّف بالحالة المدنية لفرضه عنوة، الأمر الذي  تعود عليه العاملون بالمصلحة وأصبح يتم علاجه بعبارة واحدة مفادها "توجّه الى المحكمة واستصدر أمرا بالموافقة".

كان اختيار أسماء المواليد الجدد فيما مضى من الأحداث الاجتماعية المميزة، لأنّها كانت تنسب الى  أكبر فرد في العائلة وعادة  كانت الجدة  هي التي  تختار الاسم، خاصة إن كان المولود الأوّل في العائلة، وأكثر من هذا كانت الأسماء التي يجري اختيارها تقليدية  حيث يسمى المولود على اسم جده أو عمه أو خاله، بينما كان يميل البعض الآخر الى الاختيار من أسماء الأنبياء والرسل، فيما فضل آخرون أسماء المجاهدين وأبطال الثورة، ومع مرور الوقت تغيّرت العديد من المعطيات الثقافية والاجتماعية  ولعلّ ما عزّز هذا التغيّر، الانفتاح الإعلامي الذي أبهر البعض، إن صح التعبير، وبلغت درجة الانبهار حدّ الرغبة في تسمية المولود على اسم بعض المشاهير في عالم الرياضة أو الفن  وأكثر من هذا الرغبة في أن يكون مثلهم في المستقبل.

الحاجة الاجتماعية  عزّزت التغيير

في استطلاع للرأي، أكّد عدد من المستجوبين من شرائح عمرية مختلفة أنّ التخلي عن الأسماء التقليدية أو تلك التي كانت متداولة في الماضي، ضرورة فرضها المجتمع، فبعض الأسماء القديمة، إن صح التعبير، أصبحت لا تواكب "الموضة" على حد تعبير الآنسة "أمال. ف« (طالبة جامعية) التي أشارت في معرض حديثها إلى أنها محظوظة، لانّ اسمها غير تقليدي، مضيفة في السياق أنّها تشعر بالانزعاج من بعض الأسماء التقليدية وتعطيها انطباعا بأنها تعيش في الماضي.

ومن جهتها، تأسفّت الحاجة خدواج (من سكان الابيار) في معرض حديثها عن تخلي المتزوجين الجدد عن تسمية أبنائهم بأسماء مباركة، على حدّ تعبيرها، مرجعة السبب إلى التأثر بما تروّج له البرامج التلفزيونية الأجنبية التي "أثرت على ثقافتنا وجعلت أبناءنا يتخلون على جزء من  تقاليدهم، بعدما كنا  ننال شرف تسمية المولود الجديد  أصبحنا نسمع به ونعجز حتى عن حفظه لصعوبته ".

بينما أوضحت مواطنة أخرى في معرض حديثها أنّها اختارت أسماء كلّ أبنائها بعد بحث مطوّل على شبكة الانترنت عن أسماء غريبة وغير مألوفة في مجتمعنا وهدفها من وراء ذلك الشعور بالتميز والانفراد، مشيرة إلى أنّ من بين الأسماء "جولان" و«أيهم"، فيما أعرب آخرون عن أن الواقع الاجتماعي اليوم، وما عرفه من تغيّرات أثّر على طريقة اختيار أسماء الأبناء حتى لا يشعروا، على حد تعبيرهم، بالخجل منها ويبادروا الى تغييرها عندما يكبرون، ولعلّ هذا ما جعل أغلبية العائلات تختار أسماء أبنائهم مما تروج له الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي لشخصيات عربية وغربية في مجالات فنية ورياضية.

صراع يومي لفرض أسماء

وعن الطريقة التي تتعامل بها المصالح المكلفة بتسجيل المواليد الجدد على مستوى  البلديات، تحدثت "المساء" مع بعض العاملين في المصلحة، حيث أكد موظف بمصلحة بالعاصمة، مصالح تسجيل المواليد الجدد شهدت في السنوات الأخيرة موجة جيدة من الأسماء غير المعروفة والغريبة  في آن واحد، والمفارقة، حسبه، أنّ من يأتي لتسجيل ابنه ويختار اسما غير جزائري يحاول بكلّ الطرق إقناع العامل بالمصلحة بوجوب تسجيله، ويشير إلى انّه "في المقابل كموظفين مطّلعين على الأسماء المسموحة والممنوعة، نرفض تسجيل المولود إن كان اسمه غير جزائري أو عربي"، ويذكر في الإطار قصة أب جاء لتسجيل ابنه واختار له اسم "انزو" وهو اسم مكسيكي، وبعد رفض تسميته أثار زوبعة من الفوضى انتهت بتوجيهه الى  المحكمة لاستصدار أمر من وكيل الجهورية لتسمية ابنه بهذا الاسم غير الجزائري.

وردا على سؤال حول المقاييس المعتمدة على مستوى مصالح الحالة المدنية لتسجيل الموالي، أكّد الموظف الذي اكتفى بتقديم المعلومة دون اسمه "المطلوب وفق آخر تعليمة أن يكون الاسم جزائريا أو أمازيغيا أو من أصول عربية، وبعيدا عن هذه الأسماء ترفض كلّ الأسماء الأخرى"، مشيرا الى أن بعض الأسماء التركية ذات الأصول العربية أصبحت مقبولة ويتم تسجيل المواليد بها وهي الأكثر انتشارا في السنوات الأخيرة.

بينما أشارت موظفة أخرى عاملة بمصلحة تسجيل المواليد الجدد، إلى أنّها تملك قائمة بالأسماء المسموحة، وعادة لا يتم التقيّد بها وإنّما تعتبر بمثابة المرجع عند الشك بعد أن تمّ إدراج 300 اسم جديد 150 للذكور و 150 للإناث، حيث أصبح المعيار المعتمد، حسبها، هو أن يكون الاسم عربيا أو أمازيغيا مثل "ماسينيسا" أو" يوغرطا" وبعيدا عن هذه المعايير، تؤكد "ترفض كلّ الأسماء الأخرى" معربة في السياق عن أسفها لتخلي المجتمع عن بعض الأسماء  وتقول "قل ما أصبحنا نسمع بها  بالنظر الى ما يجري تسجيله يوميا من مواليد حيث تكاد تغيب بعض الأسماء مثل خديجة، فاطمة الزهراء، زينب وحلّت محلها أسماء يصعب حتى تذكرها بالنظر الى كونها غير متداولة".

أسماء أبنائكم أمانة ..أحسنوا اختيارها

في هذا الشأن، يرى الإمام موسى زروق، إطار بالمركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة، أنّ ما أصبحت تغفل عنه بعض العائلات اليوم سعيا وراء التقليد وتأثرا ببعض المشاهير، أنّ اختيار الاسم حق من الحقوق التي يتمتع بها المولود، وحسن اختيار الاسم مطلوب لأنّه أمانة ينادى به في الدنيا والآخرة، ويوضّح "التوجّه اليوم في اختيار أسماء المواليد فيه إساءة كبيرة، خاصة وأنّ بعض الأسماء تحمل معان قبيحة، مشيرا إلى أنّ الأولياء مقصرون ويعيشون تحت تأثير ما تروّج له الفضائيات أو شبكات التواصل ويسارعون الى التقاط ما هبّ ودب من الأسماء "وبالمناسبة لدينا موسوعة كبيرة من خيرة الأسماء ويكفينا شرفا تسمية أبنائنا بأسماء الأنبياء والرسل والشهداء".

وأوضح من جهته، الشيخ زهير بمسجد "أسامة بن زيد" أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصا على اختيار الأسماء التي فيها جمال وتحمل معاني الحسن، وقد ثبت أنّه غيّر الكثير من الأسماء ومنها مثلا غير اسم الحسن الذي كان يسمى حرب، مشيرا إلى أنّ الانفتاح الذي حدث فى العالم الخارجي بسبب التكنولوجيا أثّر بشكل كبير على أصالتنا، وبالمناسبة  ينصح  العائلات بضرورة العودة الى الأسماء التي كانت رائجة والتي لم نعد نسمع عنها مثل حميدة ورقية وربيعة وفاطمة.