بعد أن كان زينة المرأة السكيكدية

الموضة المستوردة تحيل "الحايك" و’’الملاية" إلى المتحف

الموضة المستوردة تحيل "الحايك" و’’الملاية" إلى المتحف
  • القراءات: 4205
بوجمعة ذيب بوجمعة ذيب

تعد "الملاية" أو"الحايك" زينة المرأة الجزائرية التي كانت تصنع شخصيتها المتميزة والموروثة من تراثنا الشعبي. فإلى جانب أنه لباس الحشمة والسترة، فإنه كان يضفي على المرأة جمالا واحتراما، لكن بين الأمس واليوم كل شيء  تغير، إذ لم يعد "الحايك" أو "الملاية" ذلك اللباس الذي كان يصنع شخصية المرأة الذي يغطي أنوثتها كلما همت للخروج من بيتها، إما للتسوق أو لزيارة الأحباب أو لقضاء حاجة من الحوائج التي كانت تلزمها أن تغادر مسكنها بنوع من الكبرياء والآناقة والثقة في النفس.

فمن النادر اليوم أن نجد أمّا أو أختا أو جدة أو عمة أو خالة أو أية امرأة من نساء سكيكدة بوجه خاص، ونساء الجزائر بوجه عام، يجبن شوارع المدينة بأزقتها وهن مرتديات "الحايك" أو "الملاية"، فكل شيء تغيّر لتحل محله ألبسة متنوعة تحمل أسماء مختلفة جلها مستمد من ثقافات أمم وأقوام، والبعض الآخر فرضته موضة العصر، فحتى النساء والعجائز فضلن ركوب الموجة.

وعن هذه الظاهرة، ترى الإعلامية والكاتبة والشاعرة زهرة بوسكين، بأنّ الحديث عن "الحايك" و«الملاية" هو حديث عن ثقافة أفراد ومجتمع بأكمله، وهذا اللباس الذي ارتدته الجزائرية في مناطق معينة وفي ظروف معينة أيضا، يعكس وضعا اجتماعيا وطبيعة حياة كانت سائدة خلال حقب من الزمن، مضيفة بأنّ المجتمع الجزائري المحافظ عرف "الحايك" بعدة تسميات حسب المناطق، مشيرة في هذا الصدد إلى أن بعض المصادر التاريخية ترى بأن نساء الشرق الجزائري كن يلبسن "الحايك" إلى غاية عام 1792، تاريخ وفاة صالح باي الذي كانت له مكانة مرموقة وسمعة جيدة لدى السكان، ليستبدل بالملاية السوداء حزنا على موته، مؤكدة بأنّ "الملاية" تبقى لباس المرأة في الشرق لحقب من الزمن، وعن سبب اختفاء هذا اللباس في زمننا، تقول  بوسكين بأن ذلك يعود إلى عوامل عديدة ومتغيرات سوسيولوجية وثقافية أثرت في طبيعة اللباس، سواء عند المرأة أو الرجل الذي نجده حاليا استغنى عن  الشاش والعمامة والقندورة التقليدية. وتضيف "بالتأكيد من الطبيعي أن يتأثر اللباس بالانفتاح على ثقافات أخرى واكتساب الجديد من خلالها، وطبيعة المجتمع تختلف وتتغير تماما كتغير بنيته واختلاف المعايير بين الماضي والحاضر، ليبقى هذا اللباس في نظرها تراثا ماديا وموروثا ثقافيا يجب تثمينه ودراسته أيضا مع دراسة الأوضاع الاجتماعية التي ارتبط بها، خاصة أن "الملاية" و«الحايك" كان لهما دور كبير في الثورة التحريرية المضفرة".

من جهته، وعن سبب تخلي المرأة الجزائرية بوجه عام عن "الحايك" أو "الملاية" وحتى "الجلابية" في الجهة الغربية من الوطن، يرى الدكتور فوزي بن دريدي، وهو أستاذ مختص في علم الاجتماع، بأن اللباس ومادام أنه يرتبط بمنظومة ثقافية واجتماعية، فإنّه بذلك يستمد امتداداته من المرجعيات التي تحكم مجتمعا معينا، والمجتمع الجزائري ضمن تطوره التاريخي شهد أنماطا من اللباس الذي يتوافق مع المراحل الثقافية الدينية التي حكمت البلاد، وطبعا مع دخول الدين الإسلامي إلى الجزائر، تمظهر السلوك الجماعي في عملية تغطية للجسد، هذه التغطية المتناغمة مع روح الإسلام أضفي عليها الطابع الخصوصي المحلي، وبذلك ظهر "الحايك" و«الملاية" و«الجلابية" تبعا لخصوصية المناطق كلباس يتجاوب مع العقلية الجزائرية ومع تعاليم الدين، من تغطية الجسد الأنثوي في أجزاء معينة، غير أن التحول الثقافي الكبير الذي شهدته الجزائر من خلال بروز العولمة وولوج المرأة المدرسة والجامعة، وما صاحبه من تحول في النمط الثقافي المحلي، كلها ـ كما قال ـ عوامل أدت إلى انحسار هذا النوع من اللباس الذي أصبح مقتصرا فقط على مجموعة من النسوة الكبار في مناطق معينة، مضيفا بأنّ التحولات الجذرية في المجتمع ساعدت على تغيير نمط لباس المرأة الجزائرية، ولعل البعد الذهني المرتبط بمنظومة التواصل العالمية والتراجع عن منظومة القيم السائدة في المجتمع وبروز قيم جديدة، كل ذلك ساعد على تبني المرأة الجزائرية لإشكالات أخرى من اللباس، ويرى الدكتور فوزي بن دريدي بأنه ومن الملاحظات السوسيولوجية أيضا في لباس المرأة الجزائرية، بروز بعض الألبسة التي تؤدي نفس وظيفة "الحايك"، لكنها مستوردة من مجتمعات أخرى، مثل الجلباب والحجاب بأشكاله المتنوعة والبرقع وغيرها، وهو مؤشر ـ كما قال ـ على فقدان المجتمع الجزائري لبعض خصوصياته التي كان يتميز بها وتطبع به هويته.

تعتقد الأستاذة "ليلى.خ" أستاذة بجامعة 20 أوت 55، اختصاص علوم دقيقة، وخلال دردشة معها، تعتقد أنّ المرأة بارتدائها "الحايك" تكون مثل الزهرة غير المتفتحة، الكل يرنو إليها بعين منكسرة وتكون هي بمناي عن كل المضايقات، كما أنها لا تتحمل وزر الفتنة المتفشية في النفوس الضعيفة، معتبرة أن "الحايك" يعكس بصدق التربية ويعكس الانتماء، وأنّ استبداله بألبسة أخرى كان نتيجة حتمية للتغيرات والتناقضات التي أعقبت الاستقلال مع بروز الحركة الإسلامية في الثمانينات ولأن المتاجر تخلت عن بيع "الملايات" و«الحايك".

وعن سبب تخلي المرأة السكيكدية، على غرار نساء الجزائر، عن "الملاية" أو "الحايك"، فقد أرجعت ذلك إلى نقص الوعي عموما، لاعتقادها أن "الحايك" أو "الملاية" يرمزان إلى التخلف والفقر ويعكسان أيضا مرارة الحقبة الاستعمارية، لذا رأت تلك المرأة أن الخلاص في النهضة الإسلامية، بين قوسين، لذلك هناك من ارتدت الحجاب وهناك من واكبت موجة السفور الذي ـ حسبها ـ مرادف للتقدم.

وعن استفسارنا حول ما إذا كان اللباس الحالي للمرأة هو أحسن بديل، قالت السيدة ليلى بأنّ العودة اليوم إلى ما كانت ترتديه أمهاتنا، يبقي أمنية صعبة التحقيق لأن هناك فجوة في مسيرتنا وتفكيرنا لا يمكن تجاوزها، ومنه كما قالت، فتقبّل فكرة العودة للباس أمهاتنا أمر مستحيل، لأنّنا تعودنا على النمط الحالي والتغيير سيكون معجزه، لأن الدهنيات تغيرت والسلطة الأبوية انعدمت والتحرر طبع كل الأفكار وغمر كل السلوكات والمدرسة والمسجد فقد دورهما في التوجيه.

من جهتها رأت الأستاذة في الرياضيات (أ/ حسينة)، بأنّ الثقافة الجزائرية الأصيلة اندثرت فعلا، بعد أن أصبحت سوقا مفتوحة على جميع الثقافات من خليجية ومغربية، إلى هندية، إلى مشرقية، مؤكدة على ضرورة العودة إلى الأصل لأنه فضيلة، متسائلة في نفس الوقت؛ لماذا نحن لا نسوّق للخليج مثلا "حايك لمرمة بالعجار" المطرز أو "الملايا" الجزائرية، مضيفة أن المرأة الجزائرية في كل هذا كانت ومنذ القدم، امرأة أصيلة ومتأصلة ومتسترة ومتشبثة بتقاليد وعادات الآباء والأجداد.