المختصون يؤكدون:

المكفوفون بحاجة إلى دار نشر تتكفل باحتياجاتهم

المكفوفون بحاجة إلى دار نشر تتكفل باحتياجاتهم
  • القراءات: 1030
رشيدة بلال رشيدة بلال

لطالما أمن معرض الكتاب الدولي "سيلا" في طبعاته المختلفة لا سيما الأخيرة 24، مطالب عشاق المطالعة، حيث توفرت وتنوعت الكتب لتمس كل المجالات وبمختلف اللغات إلا لغة البراي، التي اقتصر تواجدها على ما عرضته وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، ممثلة في المصحف الشريف، وبعض الكتب المدرسية التي بادر الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية بعرضها، والموجهة لمختلف الأطوار التعليمية للفئة الكفيفة. وعن أسباب عزوف الناشرين عن الاهتمام بالنشر لفائدة المكفوفين، تحدثت "المساء" إلى عدد منهم، فكان هذا اللقاء.

البداية كانت مع وزارة الشؤون الدينية، التي عرضت كتابا واحدا بلغة "البراي"، ممثلا في المصحف الشريف حتى يطلع عليه الزوار، وليتسنى للباحثين عنه تسجيل أنفسهم للحصول على نسخة.

وحسب عبد الرحمان حمادو، المدير الفرعي للمطبوعات وإحياء التراث الإسلامي بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، فإن الوزارة تولي فئة المكفوفين اهتماما خاصا، حيث تقدم لهم المصحف الشريف برواية ورش في ستة أجزاء بصورة مجانية، وهي خدمة تقدمها لهم منذ أكثر من عشر سنوات، مشيرا إلى أن الوزارة لا تقوم بطباعته، وإنما تستورده لعدم وجود دور نشر تهتم بتقديم خدمة لهذه الشريحة، لافتا إلى أن السبب راجع إلى كون التقنية التي تُستخدم في الطباعة "بالبراي"، موجودة عند الأجانب، وأن استيرادها يتطلب دراسة عميقة من حيث السوق لضبط التقنية؛ يقول: "الأمر الذي حال دون إمكانية تحقيق هذا المطلب". وبالمناسبة يشير إلى أن "الاهتمام بالنشر لفائدة فئة المكفوفين، يُفترض أن يكون مشروعا تهتم به الدولة، خاصة أن الطلب عليه كبير في مثل هذه المعارض؛ من أجل هذا نعرض ما لدينا كوزارة، لتلبية رغبات الباحثين عن المصحف الشريف".

وأوضح محدثنا في السياق، أنه بعيدا عن المصحف ليس هناك عناوين أخرى في مجال الفقه الإسلامي أو التفسير لفائدة المكفوفين؛ لأن النشر لفائدة المكفوفين يظل شحيحا، خاصة أن هذه الفئة ليست كبيرة. ولعل، حسبه، من بين الأسباب التي جعلت هي الأخرى الناشرين لا يهتمون بهذه الشريحة، أن المشروع بالنسبة لهم لا بد أن يكون مربحا  بالعقلية التجارية، يوضح: "وبالتالي كل هذه العوامل جعلت أغلب الناشرين لا يبالون بالأمر". وأضاف أن كل ما يتمناه في السنوات القادمة أن تبادر بعض الجمعيات أو المتطوعين، بتبنّي هذا المشروع، وإدخال هذه التقنية ضمن الاهتمامات، وتبادر، على الأقل، دار نشر واحدة بالنشر لفائدة هذه الفئة، يقول محدثنا.

ومن جهته، أوضح مصدر أن الديوان الوطني للمطبوعات وحده من يَعد الكتب الموجهة للمكفوفين كوحدة مركزية، غير أنه حصر نشاطه في الكتب المدرسية؛ ما حرم هذه الفئة من حقها في الاستمتاع بقراءة الرواية أو القصة أو أي مادة علمية أخرى. وحسب ذات المصدر فإن الديوان سبق له أن نزل عند طلب بعض المبادرات التطوعية التي قدمها بعض المهتمين بنشر عدد من الكتب المختلفة في مجالات متنوعة، غير أن هذه المبادرات تظل قليلة؛ ما يعكس، حسبه، "عدم الاهتمام بالنشر لهذه الفئة؛ لعدم تحقيق أرباح".

النشر لفائدة المكفوفين عمل خيري لا يلزم أحدا

برر عدد من الناشرين الذين تحدثت إليهم "المساء"، عزوفهم عن النشر لفئة المكفوفين، بارتفاع التكلفة، من جهة، مقارنة بالكتاب العادي، وضعف القدرة الشرائية عند المكفوفين من الذين يتعذر عليهم اقتناء مختلف أنواع الكتب بالنظر إلى ارتفاع أسعارها، وهو ما يجعلها تتحول إلى مشروع خيري لا يتطلع من ورائه الناشر إلى تحقيق مكسب مادي، غير أن مثل هذه المشاريع الخيرية، حسبما جاء على لسان ممثل اتحاد الناشرين، لا يُكتب له النجاح "بالنظر إلى ما تتطلبه العملية من تكاليف؛ الأمر الذي يجعل من فرضية تدخل الدولة للتكفل بدعم المشاريع الخاصة بالنشر لفائدة المكفوفين في مختلف العنوانين، ضرورة بجل الدول العربية".

وحسب غادة زاوي عن دار النشر "الجزائر تقرأ"، فإن نجاح مشروع النشر لفائدة المكفوفين، لا بد أن يتبناه من يتطلع من ورائه، إلى تقديم خدمة تطوعية إنسانية بعيدا عن الربح المادي، وهو المشروع الذي يقول إنه يتطلع للتفرغ له في مجال الرواية، مشيرا إلى أن "هذا التوجه يأتي لتحقيق غاية ثقافية بعد أن تمكن رفقة عدد من الطلبة الجامعيين، من طرح ثلاث روايات لفائدة المكفوفين عن طريق التسجيلات الصوتية، ونشرها بالمواقع التي تعنى بهذه الفئة".

وعلى صعيد آخر، أوضح المتحدث أن الفئة المكفوفة اليوم تعتمد على الاستماع أكثر من القراءة، خاصة أن التكنولوجيا تؤمّن هذه الخدمة. يبقى فقط لتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية، السعي أيضا من باب إنساني، لتأمين بعض العناوين في نسختها الورقية بلغة البراي، خاصة في مجال القصة والرواية.

انعدام التنسيق بين الناشر والكفيف لغياب دار خاصة

أرجعت ممثلة دار الحكمة مليكه صادق بحكم خبرتها الطويلة في بيع الكتب والتي تزيد عن 20 سنة، عدم اهتمام دور النشر بتخصيص نصيب من الكتب في مختلف العناوين بما في ذلك القصص الموجهة للأطفال بلغة البراي، إلى غياب التنسيق بين دار النشر التي لا تملك صورة واضحة عن احتياجات هذه الفئة من جهة، وبين المكفوف الذي نادرا ما يتواصل مع المكتبات للبحث عن مادة علمية معيّنة بلغة البراي؛ الأمر الذي جعل، حسبها، "المكتبات لا تهتم بعرض الكتب المخصصة لهذه الفئة، مشيرة إلى أن المطلوب، اليوم، هو مبادرة الجمعيات والمراكز التي تعنى بفئة المكفوفين، والتواصل مع دور النشر، وعرض احتياجاتها لتمكين الناشرين من معرفة ما تتطلبه السوق، ومن ثمة تشجيعهم على الاستثمار في هذا المجال حتى لو لم يكن العدد كبيرا؛ تقول: "لأن الغاية هي توفير ما يمكن أن يبحث عنه الكفيف في بعض الكتب كغيره من الأشخاص العاديين، وحتى يكون لديهم اطلاع على كل ما يتعلق بالأدب الجزائري، وهذا ما يؤسس في المستقبل لفكرة إنشاء دار نشر خاصة بالمكفوفين، تهتم وتلبي احتياجات الكفيف في المادة الأدبية والعلمية والترفيهية والدينية حسب الطلب".

ماذا عن دُور النشر العربية؟

يبدو أن عدم اهتمام دور النشر بفئة المكفوفين لا يقتصر على الجزائر فقط، وإنما انشغال موجود في كل الدول العربية، وهو ما جاء على لسان ممثل عن دار النشر المصرية، أوضح في معرض حديثه، أنه لم يسبق مطلقا لهم كدار نشر، أن فكروا في تقديم خدمة للمكفوفين، وليس لها أي تجربة في المجال، مرجعا ذلك إلى غياب سوق من جهة، وحتى إن وُجدت فتتصف بعدم الديمومة، فضلا عن أنها لا تحقق للناشر الربح الذي يتطلع إليه.

وأشار حسن كمال عن شركة المطبوعات اللبنانية، إلى أن "فئة المكفوفين حقيقة تعاني من نقص في مجال الكتب المعدة بالبراي؛ لأن هذا يتطلب ضرورة وجود فريق عمل متخصص، وهذا يحتاج، حسبه، إلى تكلفة عالية وميزانية كبيرة، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا إذا تكفلت به الدولة، خاصة أنه لا يمكن فرض هذا على دور النشر التي تعتمد على المنحى التجاري".

وحسب محدثنا "فإن الطلب على كتب البراي موجود في جل الدول العربية، ويقابله عدم اهتمام من دور النشر؛ الأمر الذي يتطلب تدخل الهيئة التي بيدها القرار، لإنشاء دور نشر خاصة بفئة المكفوفين على الأقل، لتقديم الحد الأدنى، ويتم تغطية النقص المسجل بالمادة الصوتية المسجلة".