ظاهرة تعود كل سنة بعد التسجيلات الرسمية

المقبلون على "الباك" يهجرون مقاعد الثانويات

المقبلون على "الباك" يهجرون مقاعد الثانويات
  • 1353
رشيدة بلال رشيدة بلال

قرر عدد من الطلبة المقبلين على اجتياز شهادة البكالوريا، بعد الانتهاء من التسجيلات ودفع الرسوم، الانقطاع عن الذهاب إلى الثانويات، والاعتمادَ على ما يقدمه لهم أساتذتهم في مراكز الدعم من دروس خصوصية. وحسبهم، فإن هذا الانقطاع هو تقليد تعوّدوا عليه منذ سنوات؛ حتى يتمكنوا من تحضير أنفسهم جيدا لاجتياز شهادة البكالوريا، معتبرين أن ما يقدَّم من دروس على مستوى مؤسساتهم التعليمية، لا يؤهلهم لاجتياز هذا الامتحان المصيريّ.

تفشت بين الطلبة المقبلين على اجتياز شهادة البكالوريا في السنوات الأخيرة، ظاهرة تحولت إلى تقليد تبنّاه عدد كبير منهم، تمثلت في الامتناع عن الذهاب إلى مؤسساتهم بعدما ضمنوا مقاعدهم عقب التسجيل ودفع الرسوم؛ من أجل التفرغ لدراسة المقرر الدراسي، والتحضير للبكالوريا بالاعتماد على ما يقدمه لهم أساتذتهم من دروس خصوصية، مبررين ذلك ببعض الحجج، التي اعتبروها كافية للتوقف عن الدراسة، والاعتماد على النفس في التحضير.

وأوضح بعض الطلبة الذين تحدثت إليهم "المساء" بثانوية بوضياف بالبليدة، أن مستوى بعض الأساتذة ضعيف، ويواجهون صعوبات في الفهم؛ الأمر الذي فرض عليهم الاعتماد على الدروس الخصوصية، بينما أشار البعض الآخر إلى أن الذهاب الدوري إلى الثانوية مضيعة للوقت، خاصة أنها مطالَبة بتطبيق البرنامج على خلاف الدروس الخصوصية، التي تقدم دروسا كنماذج جاهزة لامتحان البكالوريا، وهو ما يبحثون عنه، فيما أكد آخرون أن بعض الأساتذة يسجلون غيابات أثرت عليهم؛ الأمر الذي جعلهم يفضلون الدروس الخصوصية، ويقررون التفرغ التام، لا سيما أن المنهاج الدراسي واضح، يكفي فقط أن يتوفر لديهم نماذج عن الدروس؛ حتى يتم حفظها، وتحضيرها مسبقا؛ لأن العبرة في العلامة المحصل عليها يوم الاختبار.

وعلّق آخرون بأن ما يربطهم بالثانوية بعد التسجيل الرسمي، هو الامتحانات الفصلية التي يتم اعتبارها بمثابة اختبار لمعارفهم المكتسبة من الدروس الخصوصية، ومدى جاهزيتهم، لا غير.

لأهل الاختصاص رأي آخر

يرى سعد دراجي مختص في علم التربية، أن ما شجع طلبة البكالوريا على عدم الذهاب إلى ثانوياتهم، المنظومة التعليمية في حد ذاتها، التي لم تساهم في جذب الطلبة إليها؛ قال: "لو أن قدرات الأستاذ في الجذب والتوضيح كانت في المستوى المطلوب، لاستغنى الطلبة عن الدروس الخصوصية، خاصة أن الأستاذ يُفترض أنه مؤطر، ويعمل وفق منهجية، ولديه تجربة وخبرة، ومتّبع لكل ما يحدث بالمنظومة التربوية، وبالتالي فالمسؤولية يتحملها، بالدرجة الأولى، الأستاذ، الذي شجع، إلى حد ما، على تفاقم الظاهرة، أمام ما تقدمه الدروس الخصوصية من بريق".

ومن جهة أخرى، يرى المتحدث أن الأستاذ مطالَب بأن يستعيد هيبته ومكانته؛ من خلال إقناع التلميذ بأنه متمكن، ولديه القدرة على التبليغ أكثر من أولئك الذين يقدمون الدروس الخصوصية المفتقرين للتكوين؛ يقول: "بدون أن ننسى التنافس الأسري، والتغيرات الاجتماعية؛ حيث أصبحت الأسر تراهن على العلامة أكثر من الفهم؛ الأمر الذي ساهم، إلى حد كبير، في تغذية الظاهرة"، مشيرا إلى أن الانقطاع عن مقاعد الدراسة والتفرغ للتحضير بالاعتماد على الدروس الخصوصية، قد يكون له تأثير إن كانت هناك بكالوريا إنقاذ. وبعيدا عنها، فليس هناك أي متابعات.

وحول مدى تأثير ظاهرة الانقطاع عن المدارس والاعتماد، فقط، على الدروس الخصوصية، يقول المتحدث: "بناء على تجارب واقعية، فإن كل طالب يبتعد عن المدرسة يكون عرضة للتناقضات من حيث الطريقة البيداغوجية، وكيفية التعامل مع الأستاذ والفهم. وأكثر من هذا، نجد أن بعض أساتذة الدروس الخصوصية أفقدوا ثقة الطلبة في أساتذتهم؛ من خلال الطعن في ما يقدمونه لهم؛ الأمر الذي من شأنه أن يحدث خللا لدى الطلبة، ناهيك عن أن بعض المشرفين على الدروس الخصوصية، ليسوا على اطلاع بتحيين البرنامج؛ حيث يتم تقديم دروس محذوفة، للطلبة، وبالتالي ـ في اعتقادي ـ فإن وزارة التربية مطالبة بالوقوف، بقوة، أمام الدروس الخصوصية؛ تشريعيا وتنظيميا، خاصة أنها أساءت للمنظومة التربوية، وأفرغتها من محتواها، وجعلتها وكأنها محطة شكلية!".والانطباع نفسه أكد عليه مفتش التعليم المتوسط الأستاذ أحمد نشام، الذي يرى أن ظاهرة الغياب عن صفوف طلبة البكالوريا، تفشت في السنوات الأخيرة بشكل  كبير؛ حيث إن بعض الطلبة يعتقدون أن لا جدوى مما يقدَّم من دروس، ويفضلون الدروس الخصوصية، والعمل في مجموعات، مرجعا السبب إلى المنظومة التعليمية، التي لم تعد مضبوطة، ولا تعمل وفق بيداغوجيا واضحة؛ الأمر الذي جعل الدروس الخصوصية تستحوذ على الطلبة، خاصة أنها تقدم نماذج جاهزة لحفظ المقالات الفلسفية المعَدة، وبالتالي فالفهم لم يعد مطروحا؛ لأنهم ملزَمون، فقط، بالحصول على علامة تؤهلهم لنيل شهادة البكالوريا.

وحسب المتحدث، فإن "الذين يقدمون الدروس الخصوصية ليسوا أساتذة. ويُفترض أن من يشرف على العملية أستاذ لديه خبرة وتجربة". وأضاف: "في اعتقادي، أن الطلبة مدعوّون للارتباط بمدارسهم. وعلى المنظومة التربوية، في المقابل، أن تلعب دورها في استقطاب الطلبة؛ من خلال فتح المجال لتقديم الدعم لهم بطريقة مجانية على مستوى مؤسساتهم؛ حتى لا ينقطعوا عنها".