`المُحلّل الاجتماعي الدكتور نور الإسلام بشاري لـ"المساء":

المتقاعدون ثروة بشرية لا بد من استغلالها

المتقاعدون ثروة بشرية لا بد من استغلالها
  • القراءات: 643
حاورته: حنان. س حاورته: حنان. س
تحدثت "المساء" إلى الدكتور نور الإسلام بشاري المختص في الاستشعار عن بعد، المحلل الاجتماعي والأستاذ بجامعة هواري بومدين في العاصمة، على هامش المحاضرة التي قدمها حول العديد من جوانب التربية الذكية، وقدم نصائح للوالدين للتعامل السليم مع أبنائهم في زمن يوصف بالصعب. كما تحدث الدكتور عن التقاعد الذي يعتبره من أكبر الإشكاليات التي سيواجهها مجتمعنا قريبا لأسباب كثيرة، وعدّد المحلّل كيفية تسيير واستغلال المتقاعدين كطاقات بشرية ذات تجارب عميقة وفي شتى الميادين بما يخدم الفرد والمجتمع، ويؤكد الدكتور أن هذا الاستغلال يلزمه الكثير من الجدية والتنسيق.

"المساء": قدمتم خلال محاضرتكم توجيهات قيّمة حول سبل التربية الصحيحة، لكن ألا تعتقدون أن بين التنظير والواقع فرق شاسع بالنظر إلى المُتغيرات الكثيرة؟
الكتور بشاري: منهاج الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، قاعدة تربوية صالحة لكل زمان ومكان، لقد كان أبا ربّى 4 بنات، ولم يثبت عنه، عليه الصلاة والسلام، أنه ضرب واحدة منهن أو حتى أولاده الذكور، بل كان يقف لما تدخل عليه بنت من بناته، وأذكر البنت تحديدا، لأن بعض الآباء ـ سامحهم الله ـ ينعتون بناتهم بـ"القنبلة"، ولا طريق للتأسيس لأسرة سليمة دون الرحمة، لذلك أقول دائما؛ إن التربية الصحيحة ليست بإشباع الحاجات المادية للأبناء، وإنما بمدى قرب الوالدين من أبنائهم. أما القول بأن هناك فرقا بين التنظير والواقع فهذا كلام مرفوض، لأن في السيرة النبوية القدوة الحسنة الصالحة لكل الأزمنة، وأطرح سؤالا؛ ما الذي يجعل الأب أو الأم بعيدين عن أولادهما؟ العمل! هذه ليست حجة. ولنا من الواقع الكثير من الأمثلة عن أبناء منحرفين، أو مدمنين بسبب السيولة النقدية المتوفرة لديهم، التي تأتيهم من آبائهم، والانحراف ليس بالضرورة الإدمان، صحيح، لكن أولى علامات الانحراف تبدأ من الأسرة.. وفي هذه الأسرة مدمر جديد للعلاقات وهو التلفاز، ونصيحتي للأهل؛ راقبوا جيدا ما يشاهده أبناؤكم، خاصة الأطفال والمراهقون محبو المسلسلات الكرتونية التي لا صلة لها بديننا في شيء، إذ تروج لأشخاص ماتوا، ثم عادوا إلى الحياة، وأخرى رسوم مروجة للعنف، أو حتى أفلام الرعب ومشاهد القتل والتقتيل. فماذا ننتظر من هؤلاء غدا؟ وفي المقابل، المسلسلات التركية والمكسيكية والبرازيلية وغيرها تعشش في عقول المراهقات؟ وهذا سؤال أطرحه على الأمهات تحديدا! كلها مسلسلات تدور في فلك واحد؛ الرومانسية الزائفة، الحب، العشق وغيره، يعني نجد أطفالا ومراهقين تائهين بين حدين متناقضين، والسؤال؛ بماذا تغذى عقول هؤلاء من أبناء أجيال الغد؟ وهنا يظهر أسلوب التربية الصحيحة للوالدين.

^ وكيف يظهر ذلك، وبماذا تنصحون الوالدين هنا؟
^^بالذكاء، عليهم التحلي بالذكاء في تربية وتوجيه أبنائهم، لذلك يُقال؛ لاعبوهم سبعا وأدبوهم سبعا وصاحبوهم سبعا، معناه؛ لا بأس في أن يتابع ابنك أو ابنتك هذا الفيلم أو ذاك المسلسل، لكن الأحسن أن يجالس الوالدين أبناءهم أمام هذا وذاك، فمثلا يمكن للأم أن تتابع المسلسل الرومانسي مع ابنتها المراهقة، وبعد انتهاء الحلقة تتناقش معها حول القصة "أرأيت هذه قصة مبالغ فيها؟"، أو "أنها قصة تجانب الواقع، والأصح فعل كذا وكذا".. هكذا تكون التربية الذكية لأن العاطفة جزء منا وعلينا ألا ننكرها، إنما لا بد من ترشيدها وهنا الدور يقع على الوالدين، ونصيحتنا إليهم؛ كونوا قريبين من أبنائكم.

^قرب الوالدين من الأطفال قد يكون رهين انشغالهم بتوفير الماديات، بالنظر إلى غلاء المعيشة وهذا لا عيب فيه، فما مدى صحة هذا التفكير حسبكم؟
^^آه.. هنا تحدث القطيعة بين الوالدين وأبنائهم، وهذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها، والقطيعة هنا نقصد بها جري الوالدين للعمل وتوفير حاجات الأبناء المادية، ظنا منهم أن هذا هو الأساس، يُقال؛ أدبوهم وليس أمروهم.. غاب مفهوم التربية عنا.. الموجود الزجر فقط، تنّصل كل طرف من مسؤوليته، وانحصر مفهوم التربية والتوجيه في الأمر والنهي والزجر وهي مفاهيم عكسية للتربية، وهذا خطأ؛ وجّه ابنك ودعه يُخطئ، هذا هو الصحيح، مجمل الآباء يتعاملون بمنطق الأمر والزجر فقط وبعدها إذا انحرف ابنه يقول بأنه خطأ المجتمع!

^ أليس للمجتمع نصيب في هذا وذاك؟
^^أكيد للمجتمع نصيب من التربية والتوجيه والحماية، وحماية أفراده، فمن أكبر مسؤوليات الدولة؛ التربية وفيها جانب من توفير الأمن، صحيح قد يكون التزام الوالدين أو أحدهما بمرافقة الطفل إلى المدرسة خوفا عليه من الاعتداءات وغيره، لكن على الدولة هنا أن تلعب دورها، وهنا أشير إلى جانب مهم على الدولة التفكير فيه مليّا؛ استغلال المتقاعدين، اليوم نستطيع التأكيد على أن المجتمع الجزائري سيواجه بعد سنوات قليلة إشكالية ازدياد نسبة المسنين وهذه حقيقة مثبتة لا تخفى على أحد، ومن أولئك المُسنين نسبة كبيرة من المتقاعدين الذين شغلوا لأكثر من نصف أعمارهم مناصب عمل جليلة، ما يعني أنهم يمثلون تراكم سنوات خبرة وفي شتى المجالات، هؤلاء لو يتم النظر إليهم بعين الاعتبار بعد تقاعدهم لأمكن استغلالهم استغلالا جيدا، وهذا قد يكون حلا عمليا للكثير من المشاكل الاجتماعية، إنشاء جمعية المتقاعدين للحفاظ على تماسك المجتمع بأقل مجهود

^ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟
^^الأمر بسيط يتطلب فقط التخطيط الجيد والتنسيق العقلاني، فلماذا لا يتم التفكير في تأسيس جمعية تربوية للمتقاعدين؟ أشرح وأقول:« المتقاعدون قوة من التجارب في كل الميادين تراكمت عبر سنوات طويلة من العمل وخبرات حياة لا يمكن إنكارها أو تجاوزها"، لابد من استغلالها في التربية، وفي التوجيه وحتى في السلامة والأمن. لا بد من التفكير في هذه الأمور بروية، سنجد أنها فكرة عبقرية ونتائجها مذهلة مادام رأس المال البشري موجودا ينقص فقط التحفيز، فالمعروف عمليا أن المتقاعد بعد تقاعده يصبح في مواجهة الفراغ، والأجدر لو يتم إنشاء جمعية تستغل هذا المتقاعد الذي لن يبخل في تقديم عصارة سنوات خبرته، كما قلنا في شتى الميادين، فمثلا أن يتم استغلال متقاعدين بجعلهم أمام مؤسسات تربوية حفاظا على سلامة التلاميذ، ونحن نؤكد أن التلاميذ لما يخرجون ويلمحون رجالا مسنين، أما المؤسسة التربوية فسيشعرون حتما بالأمان، لأن رجلا مسنا دائما يكون مبعثا للأمان في النفوس، فحتى المجرم يخاف إن كان يفكر في عمل منحرف، وما غير ذلك وجود عدد من المتقاعدين في الأحياء لتأطير الشباب والابتعاد بهم عن كل أشكال الانحراف، ولا أتحدث هنا عن المتقاعدين الرجال دون النساء، بل العكس بالنسبة للنساء أيضا، عصارة سنوات لا بد من استغلالها.

^ وهل تؤمنون بنجاح هذه الفكرة؟
^^طبعا، أكثر شيء يؤثر في المتقاعد هو إحساسه بالفراغ بعد سنوات عمل طويلة قدم فيها نصف حياته، أما العمل على استغلال خبرته فيما يفيد المجتمع وما يشغل وقته، فهو المعقول، والأهم أن يكون متطوعا في خدمة الفرد والمجتمع، الأسرة تربي صحيح والمدرسة تعلم صحيح والمجتمع له نصيبه هنا، كلنا نعلم أن الشخص المسن يوجه ويعلم ويربي انطلاقا من تجربته الشخصية في هذا المجال وذاك، لذلك من المهم جدا استغلال طاقته هنا.

^وكيف ترون سبل هذا الاستغلال بالتنسيق بين قطاعات، وزارية أم ماذا؟
^^لا، ليس كل عمل لا بد لوزارة ما أن تضعه نصب عينها، فالأمر هنا موكل لرؤساء البلديات، هؤلاء انتخبهم الشعب ليس لاستخراج وثائق الحالة المدنية، بل من أجل تسيير أفضل للحياة اليومية، وهذه دعوة صريحة إلى رؤساء البلديات للاستثمار في عمل ينهض بالحياة اليومية للسكان. والنجاح هنا يكون باستثمار الموارد البشرية والمتقاعد أحسن رأس مال هنا، بل هو استثمار زهيد جدا ومنفعته عظيمة، من الخطأ أن يجري المتقاعد في سبيل جني دريهمات "زيادة" كما يقال.. انتهى عمل وقدّم، اليوم لديه مهمة أخرى أكثر نبلا ولو يتم استثمارها ستكون لها نتائج رائعة، وهذا أيضا دور المساجد للعمل في التوعية بهذا الدور الكبير للمتقاعد وهكذا لا نترك مجتمعنا رهين تقلبات الحياة دون مواجهتها بحلول واقعية. كما أن الفكرة بسيطة، ويمكن الأخذ بها كنموذج في أي مجال أو أي حي ويكون عقلاء الحي من المتقاعدين لحل الخصومات ورأب الصدع في الأسر وبين الجيران مثلا، أو حتى للأمان أمام المدارس والثانويات، الأفكار موجودة ولا بد من استغلالها بأقل مجهود ونتائجها مبهرة للغاية.