أساتذة التكوين المهني يتحدثون لـ"المساء":

المتربصون يتعلمون مهنا وروح المسؤولية

المتربصون يتعلمون مهنا وروح المسؤولية
  • القراءات: 1623
 حنان.س حنان.س

أجمع عدد من أساتذة التكوين المهني أن هذا الأخير لا يعتبر همزة وصل بين عالم الدراسة وعالم الشغل فحسب، بل هو نقطة الانطلاقة نحو عالم المسؤولية، فالمتربص يُلقن بالمعهد أو المركز علما ومعرفة وتأقلما مع المجتمع عن طريق حرفة أو مهنة يتعلمها فيتحصل بموجبها على فرصة عمل، ما يعني أنه سيساهم في تنمية مجتمعه وتقوية اقتصاده، لأن الواقع يشير إلى متربصين متخرجين نجحوا في تأسيس مؤسسات مصغرة تشغل يدا عاملة.

لا شك في أن كل أجهزة الدولة التي أوجدتها من أجل تكفل أحسن بالشباب لا تختصر فقط في أجهزة تشغيل الشباب المختلفة، ومنها "أونساج"، "كناك" و"أونجام"، بل يأتي في مقدمتها أكثر من 1200  معهد ومركز تكوين موزعة عبر الوطن لمنح شهادة معترف بها تكون بمثابة مفتاح لولوج عالم الشغل. وقد لا نخطئ إذا قلنا بأن العديد من الشباب الراسب في دراسته يفلح في معهد تكوين ليكون من المتخرجين الأوائل، في صورة مغايرة للمثل الشعبي المجحف القائل؛  "إلي ما فلحش في قرايتو ما يفلحش في حاجة أخرى"، بمعنى من لم ينجح في دراسته مستحيل أن ينجح في غيرها، ولنا أمثلة كثيرة عدّدها لنا أساتذة التكوين المهني، تحدثوا إلى "المساء" على هامش الصالون الولائي للتوجيه والتكوين المنظم هذه الأيام ببومرداس.

تربية أجيال على روح المسؤولية

يقول السيد عبيد بن حمودة، أستاذ التكوين المهني بمركز التكوين المهني والتمهين للمعاقين بقورصو، اختصاص نقش على الخشب، بأن التكوين المهني شأنه شأن المدرسة يحرص على تربية الأجيال لتكون مسؤولة نحو مجتمعها ووطنها، وقال المتحدث بأن الأستاذ يفرح بنجاح تلميذه في آخر السنة فيحس بأنه أدى رسالته، فكذلك أستاذ التكوين المهني الذي يكون غير مسؤول على تلقين المتربص حرفة فقط وإنما كذلك لتجهيزه لعالم الشغل.

في السياق، يشير في نفس المركز الأستاذ عمار غادر، مكون اختصاص السيراميك، إلى أنه من رسائل مراكز التكوين إعداد أجيال تعطي قيمة مضافة لاقتصاد الوطن، يقول: "نحن نكوّن متربصين للاستفادة من حرفة أو مهنة للاسترزاق عن طريقها بعد تخرجهم،  صحيح ولكن هذا المسار يدخل ضمن التنمية المحلية والوطنية على السواء، فعالم الشغل اليوم أصبح متطلبا والشاب عندما يخرج إلى عالم الشغل وهو يحمل دبلوما في هذا التخصص أو ذاك ويؤسس مؤسسة مصغرة فإنه يساهم في تنمية مجتمعه". ويذكر المتحدث عينة شاب من فئة الصم البكم، تخرجت على يده في الموسم التكويني الماضي في اختصاص السيراميك واستفاد من دعم "أونساج"، وتمكن من فتح مؤسسة مصغرة وتشغيل خمسة أفراد، وهو المثال الذي يعتبره قدوة لغيره من الشباب للمساهمة في رفع مستواهم المعيشي والمساهمة في رفع اقتصاد بلدهم.

ويضيف الأستاذ غادر بقوله إنه من رسائل التكوين المهني التربية على المسؤولية، فأغلب الملتحقين بالمراكز لم يوفقوا في عالم الدراسة لأسباب أو لأخرى وبالتحاقهم بمراكز التكوين المهني فهم على بعد خطوة واحدة من عالم الشغل، "لذلك نحن نضعهم أمام الأمر الواقع منذ البداية بأن نحملهم مسؤولية أنفسهم بعد أن كانوا لسنوات تحت مسؤولية أوليائهم، وأعتقد أن هذا سبب نجاح المراكز في إعداد أجيال المستقبل".

التكوين آخر فرصة نحو حياة كريمة

في نفس السياق، يعتبر أستاذ التكوين المهني بمركز دلس، السيد عبد الفتاح غاشي، مكون في اختصاص ميكانيك السيارات، أن التكوين المهني من بين أحسن الفرص الناجعة لتسطير مستقبل أفضل ويد عاملة مؤهلة، ملفتا إلى أنه كما الأستاذ في المدرسة فإن الأستاذ بالمركز يعاني من بعض الأمور التي قد تعكر صفو سير الدروس، ويشرح بقوله بأن هناك بعض المتربصين ممن قد يظهرون بعض التمرد على أستاذهم أو نزعة نحو السيطرة على أقرانهم، ويعتبر هذه التصرفات عادية بحكم عدة عوامل ،مثل السن أو المحيط الأسري وغيره، "ولكن بحكم التجربة يمكنني القول بأنني أتمكن من السيطرة على الوضع حتى يكون مركز التكوين حقيقة نقطة لإعداد جيل مسؤول"، يقول الأستاذ، ملفتا إلى أنه مسؤول على تكوين المتربصين وعلى العتاد الذي يساوي الملايين، لذلك فإن أول درس يلقيه يدور حول المسؤولية: "الشباب اليوم يواجه عدة تأثيرات سواء من الأسرة أو المحيط أو الشارع وحتى من الأنترنت، وعليه أصبحنا نواجه شبابا صعب الميراس سواء في هيأته (أي هندامه) أو في طريقة كلامه، مما يجعل التعامل معه صعبا عما كانت عليه الأوضاع قبل سنوات. وحتى أتمكن من السيطرة على فوج المتربصين كونهم أمانة في أعناقنا لتخريجهم بكفاءة مهنية لفائدة وطنهم، فإنني أسعى إلى مصاحبتهم مع إبقاء علاقة احترام تجاه المُدرس، ليست مسؤولية سهلة لكنها ليست مستحلية، والمفتاح هاهنا يكمن في تحسيسهم بالمسؤولية منذ البداية، لأن أهداف مراكز التكوين المهني تلقين علم، تعليم معرفة وتحسيس بالمسؤولية إعدادا لعالم الشغل".

كما يعتبر الأستاذ سمير ابركان، مُكوّن في اختصاص التبريد والتكييف بنفس المركز، أن تحسيس المتربص منذ أول يوم بأنه على بعد خطوة واحدة عن عالم الشغل، يتطلب صبرا ونفسا طويلا، بمعنى آخر يتطلب روح المسؤولية، يقول: "الأستاذ بمركز التكوين كثيرا ما يكون قريبا في السن مع المتربصين وهذا عامل قوة يجعل المُكوّن يسعى إلى كسب ثقة المتربص مع احترام المسافة بين الإثنين. وعن نفسي أقول للمتربصين ممن قد يكونون عناصر شغب أو يتطلبون عملا خاصا للسيطرة على سلوكهم؛ إنكم هنا عاملين ولستم تلاميذ، والعمل يتطلب وعيا ومسؤولية.. لقد تركتم مقاعد الدراسة ومختلف مواد الدراسة والحفظ، أنتم هنا أمام مادة واحدة من اختياركم وهي مفتاح عملكم غدا، وهو نفس العمل الذي ستسترزقون منه، لذلك لابد من احترام كل هذا، ومباشرة تتغير تعابير وجوه المتربصين، ومن جاء هنا بفكرة تمضية الوقت يصبح من أحسن العناصر".

وفي الكثير من المراكز نقرأ قبل كلمة التكوين كلمة أخرى تحمل معنى أعم وأشمل وهي: التوجيه والقصد بها فتح آفاق أمام شاب لا يدري ما يفعل بمستقبله، فيتقدم لمركز التكوين دون هدف، فيجد خلية للاستماع إليه وتوجهيه، تقول الأستاذة تركية حمودي، مكونة في تخصص الخياطة بمركز قورصو، مضيفة بقولها: "عندنا الرسوب ممنوع، هكذا نتحدث مع المتربصين محاولين تحفيزهم نحو النجاح، ومن يعتقد أنه لا ينفع في شيء نفهمه عكس ذلك، ففي الأخير كل شيء قابل للتعلم الفرق فقط في الإرادة"، تقول المتحدثة، ملفتة إلى أنها كونت دفعات كثيرة من متربصين في تخصص الخياطة من الجنسين تمكنوا من العمل في ورشهم الخاصة وشغلوا معهم يدا عاملة وأصبحوا معيلين لعوائلهم، بعدما كانوا يمدون يدهم لأخذ مصروفهم، وتقول إن هذه أحسن نتيجة تخرج بها مراكز التكوين المهني.

ومن لا يدرس ولا يتكون فإن الشارع وعصابات العنف والإجرام في انتظاره، فهل هذا هو المستقبل الذي كان يرسمه لنفسه عندما حمل محفظة وتوجه إلى المدرسة ذات يوم من أيام طفولته، يقول أستاذ مكون في البناء، فضل عدم ذكر اسمه، ويشير إلى مثل أجنبي مفاده أن التكوين المهني هو آخر فرصة نحو حياة كريمة، وهو المثل الذي يردده على أفواج المتربصين لديه على مدار المواسم، يقول: "أول حصة للتعارف مع المتربصين أقول لهم؛ أنتم هنا لأنكم تريدون حياة أفضل إذن برهنوا أنكم تستحقون تلك الحياة.. فقط بالعمل والاحترام،  وصدقوني لم أسجل يوما متربصا واحدا غائبا عن حصصه، جاءوا لتعلم مهنة يأكلون عن طريقها الخبز ـ مثلما يقال ـ إذن فليحترموا تلك الخبزة بدءا باحترام مُدرسهم"، ويواصل الأستاذ قائلا: "التكوين تربية ومسؤولية، يأتينا المتربص صغيرا ويتخرج واعيا راشدا.. راسلتنا نحو مجتمعنا قائمة ومسؤوليتهم نحو وطنهم المساهمة في تنميته".

 إقبال كبير للشباب على مراكز التكوين المهني  ببومرداس...   تشجيع على التكوين في أكثر من 50 تخصصا 

تستقطب الأجنحة التي تمنح فرص التكوين في مهن وحرف تستجيب لمتطلبات واحتياجات سوق الشغل المحلية التي تعرض في صالون التوجيه والتكوين المهني، في طبعته السادسة الذي تحتضنه دار الثقافة "رشيد ميموني" بمدينة بومرداس، تستقطب اهتمام الشباب الذي يجري تشجيعه وتوجيهه، حيث تواصلت فعالياته على مدار أربعة أيام.

تتمثل أبرز المهن التي تستقطب الشباب في كل من مهن الفندقة والسياحة والصناعة التقليدية والصيد البحري وتربية المائيات والبناء والأشغال العمومية والفلاحة، إضافة إلى تخصصات المرأة الماكثة في البيت، حسبما أشار إليه السيد سعادنة الصادق مدير التكوين والتعليم المهنيين، الذي أشار أيضا إلى بذل مصالح التكوين المهني ومختلف أجهزة التشغيل المعنية المشاركة في الفعالية جهودا إضافية، من خلال تجنيد مختلف الإطارات لتشجيع وتحسيس الشباب في شأن التوجه نحو التخصصات المذكورة، في إطار الاستجابة لمتطلبات سوق العمل وتغطية العجز المسجل في يد عاملة مؤهلة، إضافة إلى تلبية رغبات الشباب الذي أصبح معنيا أكثر فأكثر بهذه المهن. 

وبغرض تثمين هذه الحرف المهنية عبر الولاية، تم وضع تحت تصرف الشباب الراغبين في التكوين كل التخصصات المطلوبة، إضافة إلى جهاز 16 سنة و20 سنة الذي يوفر بالتنسيق مع مصالح التشغيل تكوينا تأهيليا لمدة ستة 6 أشهر. 

وقد تم وضع ما يزيد عن 50 تخصصا في متناول الشباب المعنيين بالتكوين في دورة سبتمبر 2016، وتميزت هذه الطبعة بتنظيم إضافة إلى أجنحة المعارض وعروض التجارب المنجزة من طرف المتربصين،  نشاطات استعراضية وأخرى ثقافية وفنية متنوعة من إبداع المتربصين بهدف وضع في متناول الشباب مختلف عروض التكوين المتاحة والإعلام والتحسيس بشأنها، إلى جانب التعريف بإمكانيات القطاع وتوفير فضاء للاحتكاك والتفاعل مع المتعاملين الاقتصاديين بغرض ترقية الإدماج المهني والتعريف بمختلف آليات التشغيل. 

يشارك في هذا الصالون إلى جانب المتربصين، مختلف المديريات المعنية وغرف الصناعة التقليدية والصيد البحري والفلاحة والمركز الجهوي للتكوين عن بعد لتيزي وزو، والجمعيات وأجهزة تسيير القرض المصغر ودعم تشغيل الشباب والصندوق الوطني للتأمين عن البطالة. 

يذكر أن الولاية تضع تحت تصرف الشباب برسم الدخول المقبل، أزيد من 7 آلاف منصب تكوين بيداغوجي من خلال 28 مؤسسة تكوينية،  منها 17 مركزا للتكوين المهني والتمهين و9 ملحقات ومعهدين وطنيين متخصصين، تكون جميعها في أزيد من 50 تخصصا، إضافة إلى ست مؤسسات تكوين داخلية توفر 600 سرير.