كونت أفذاذا وساهمت في الحفاظ على اللغة والهوية

الكتاتيب القرآنية.. حصن الجزائر المنيع في عز الاستعمار وشمس الاستقلال

الكتاتيب القرآنية.. حصن الجزائر المنيع في عز الاستعمار وشمس الاستقلال
  • القراءات: 908
وردة زرقين وردة زرقين

لعبت الكتاتيب قبل وبعد الاستقلال، دورا مهما لتحفيظ كتاب الله، وتلقي الحروف الهجائية، فكانت أشبه بالمدارس الابتدائية، تلقى فيها الطفل مبادئ القراءة، وحفظ 60 حزبا، ناهيك عن تزويده برصيد لغوي وتربية أخلاقية ودينية، كما حاربت الكتاتيب الجهل والتنصير، وأنجبت الكثير من العلماء وإطارات الدولة، لكن بعد تسعينيات القرن الماضي، تراجع دورها، مما أثر سلبا على التعليم في بلادنا، وكاد المجتمع ينسى دور الكتاتيب في تثقيف الفرد وتعليمه قيمه ومبادئه.

يرى بعض الأساتذة والمختصين الذين اتصلت بهم "المساء"، أن إبعاد النشء عن الكتاتيب وحفظ القرآن وتعليمه، هو دعوة إلى إبعاده عن الدين الإسلامي واللغة العربية، والعودة إلى الكتاتيب هي الحل الأمثل في تجديد مناهج المدارس، ودمجها في النظام التعليمي، وكذا التوسع فيه، لتلقين السيرة النبوية وسير الصحابة والتابعين، بالتالي، يجب العودة إلى نظام الكتاتيب لتنشئة جيل متشبع بالقيم الإسلامية.

الدكتور صلاح الدين باويةإدراج الكتاتيب في النظام التعلمي ضرورة

أكد الدكتور صلاح الدين باوية، من جامعة جيجل، أن تراجع الكتاتيب، أو على الأرجح غلقها وعرقلة مسيرتها في مرحلة ما تحت مبررات واهية، أثر سلبا على التعليم في بلادنا، مضيفا أن الأنظمة التعليمية الحديثة لا تتمتع بنظام الكتاتيب في التعليم، وتتبع نظاما مرهقا لا يترك للتلاميذ فرصا للعب، واكتشاف قدراتهم، وتطوير مهاراتهم، وكذا اكتشاف بيئتهم التي ينتمون إليها، ورغم هذا، قال باوية، بأن ثمة جهودا معاصرة مبذولة تتخذ من نظام الكتاتيب مشروعا لها في التعليم، مثل مشروع "دار القرآن" بولاية سطيف، وأيضا مثل حصة "مزامير داود" التشجيعية المحفزة، ناهيك عن جهود بعض الزوايا، مثل زاوية الشيخ محمد بلكبير (رحمه الله) بأدرار وزاوية الهامل والزاوية التجانية بتماسين في تقرت، وزاوية طولقة.

وأوضح المتحدث، أن توجه مجتمعنا وإقباله على الحياة المعاصرة المادية، أفقده كثيرا من روحانياته، وعاداته وتقاليده ومبادئه، والمجتمع الذي كان بكل أطيافه، يقوم بفعل التربية تفككت أواصره، فصارت الأسرة وحدها تتحمل عبء تربية أبنائها، مشيرا إلى أن أفراد المجتمع قديما، كانوا يستقدمون معلم القرآن من قرى وأماكن نائية لتعليم أبنائهم، وكان شيوخ القرآن جلهم لا يتقاضون أموالا، وتخرج على أيديهم الكثير من العلماء والأدباء والمفكرين، أما اليوم، فقد صار معلم القرآن يتقاضى راتبا شهريا، ورغم ذلك، يتجاهله أفراد المجتمع.                                                                                                                         

أضاف الدكتور باوية، أن القرآن الكريم يمثل هويتنا الدينية، ومرجعيتنا الحياتية، وحفظه والعمل به، هو حفظ لشخصيتنا وكياننا ووجودنا، وإبعاد النَّشء عن القرآن الكريم والكتاتيب، هو من دون شك دعوة لإبعاده عن الدين الإسلامي واللغة العربية، والعودة إلى الكتاتيب وحفظ القرآن الكريم، والمتون اللغوية والعلوم الشرعية، تزود الطالب بالثروة اللغوية والفصاحة وتعلمه أساليب التعبير عند العرب، ناهيك عن الاستفادة الجمة من جماليات القصص والخطاب السَّردي، والإعجاز العلمي في القرآن الكريم، حيث سيكون هذا المشروع بمثابة البعث والإحياء الفعلي لنظام التعليم في الجزائر.أكد محدثنا أن تعليم الكتاتيب، هو الذي أنتج لنا أمثال الأمير عبد القادر الجزائري، الإمام عبد الحميد بن باديس، والشيخ البشير الإبراهيمي، ومحمد العيد آل خليفة ومفدي زكريا وغيرهم، وفي ذلك، دعا إلى العمل على إدراج نظام الكتاتيب في النظام التعليمي لوزارة التربية الوطنية، وإدراج القرآن الكريم وأصوله مادة أساسية في النظام التعليمي للوزارة، بداية من الطور الابتدائي، إلى الطور المتوسط، فالثانوي.

الدكتورة أحلام معمريلا بد من التفكير الجدي في تثمين الكتاتيب

من جهتها، أكدت الدكتورة أحلام معمري من جامعة "قاصدي مرباح" بورقلة، أن تراجع دور الكتاتيب أثر سلبا على التعليم في بلادنا، ولم تستفد الأنظمة التعليمية عندنا من التقنيات التي اعتمدتها الكتاتيب في التعليم، وذلك راجع لاتباعها المناهج الغربية التي تؤسس لرؤية تربوية مختلفة، حيث أرادوا (واضعو المناهج) مسايرة الأساليب التربوية الحديثة، التي ترى أن في تدريس اللغات الأجنبية أهمية كبيرة، إلى الدرجة التي أدخلت حتى في الرياضيات والعمليات الحسابية لتلميذ الابتدائي، الذي أصبح يقوم بكل العمليات الحسابية باللغة الفرنسية، مما أحدث لهذا الجيل، خللا واضحا في تلقي اللغة الأم.

أوضحت الدكتورة معمري، أن الكلمات النابية التي يتلفظ بها بعض المعلمين مع تلامذتهم، جعلت التلاميذ يتلفظون بما هو أفظع، ناهيك عن الجرائم التي يرتكبها التلميذ من حين إلى آخر في حق معلمه أو أستاذه، لهذا فُقدت القيم التي تربى عليها الجيل السابق، ودعت المتحدثة إلى تنشئة الأفراد تنشئة سليمة منذ بداية مراحلهم الأولى، داخل الإطار الثقافي والاجتماعي للأمة العربية والإسلامية التي ننتمي إليها، كنموذج في جمعية العلماء المسلمين بقيادة عبد الحميد ابن باديس، والتي ساهمت مساهمة فعالة في تعليم مبادئ الإسلام وأحكامه وتعليم القرآن الكريم والحفاظ على اللغة العربية وتعليمها للأطفال قراءة وكتابة، مضيفة أن دراسة مبادئ التعليم قديما في الجزائر، في ضوء الفكر التربوي الإسلامي، تساهم في الاسترشاد بهذه المبادئ في النظام التعليمي الحالي وتطويره، سواء على مستوى الفلسفة التربوية أو إعداد المعلم وتأهيله أو المناهج، أو حتى طرق التدريس، لاسيما في اللغة العربية، وقالت "أصبح لزاما علينا اليوم التفكير الجدي في تجديد هذه المناهج وإدماج دور الكتاتيب وتثمينها، وإعادة التوازن للمنظومة التعليمية الحالية، لأن دراسة ملامح تربية الأفراد ومبادئ التعليم في هذه الكتاتيب، تمكن النظم التعليمية الحديثة من الاستفادة منها في تربية الأطفال، لاسيما أن هذه الكتاتيب، كانت أحد أهم المؤسسات الرئيسية للتربية، ومكونا مهما من مكونات المجتمع الجزائري".

البروفيسور حبيب بريك اللهعلى الدولة أن تفكر في بعث الكتاتيب من جديد

قال أستاذ التعليم العالي بالمركز الجامعي "علي كافي" بتندوف، البروفيسور حبيب بريك الله، إن الكتاتيب ساهمت مساهمة كبيرة في تنشئة الفرد المسلم، تنشئة إسلامية صحيحة وفق تعاليم وقيم أخلاقية راقية، حافظت على النشء من الضياع، ودورها الرائد في تثقيف الفرد وتعليمه قيم دينه ومبادئه، لا ينكره إلا جاحد، موضحا أن الابتعاد عن الكتاتيب والقرآن هو محاولة من محاولات طمس الهوية الإسلامية والعربية بشكل أو بآخر، حتى ولو كانت النية غير متعمدة، مما يستوجب مراعاة دور الكتاتيب وتفعيله من جديد، حتى لا يضيع النشء في الأنظمة التعليمية المستحدثة، لاسيما والكتاتيب قديما، أكسبت الطفل مهارات تعليمية قلما يجدها في مؤسسات تعليمية أخرى، مشيرا في الوقت نفسه، إلى أن الأنظمة التعليمية الحديثة لا تستطيع أن تسير وفق أنظمة التعليم في الكتاتيب لعدة اعتبارات، من حيث عدد المتعلمين وتوقيت الدراسة والكثير من الاعتبارات الأخرى، بالتالي، يجب على الدولة أن تفكر في بعث الكتاتيب من جديد، حتى يتسنى لأبنائنا حفظ القرآن الكريم والتمكن من اللغة العربية أداء ونطقا وكتابة وإبداعا، خاصة أن من أسباب التفوق والنجاح، ملازمة القرآن الكريم قراءة وتعلما وحفظا، يؤكد المتحدث.

محمد مشلوفلابد أن تسترجع الكتاتيب مكانتها

في تعريفه للكتاتيب، قال محمد مشلوف، خريج معهد التاريخ وعلم الآثار بجامعة وهران، إن الكتاتيب هي مكان التعليم الأساسي الذي كان قديما يقام بجوار المسجد لتعليم القرآن، وأبجديات اللغة العربية، ومبادئ الحساب للطفل الصغير عبر مراحل زمنية، ليصل إلى تعلم علوم الشريعة واللغة العربية، موضحا أن الكتاتيب كانت ولا تزال تلعب دورا فعالا في المحافظة على اللغة العربية واستقامة اللسان العربي، لكن في عصرنا المعاش من تطور تكنولوجي، أثر سلبا على نشاط الكتاتيب ببلادنا، وأصبح الأولياء يفضلون دور الحضانة على الكتاتيب، وقل بذلك نشاطها، مما انعكس سلبا على المستويين التعليمي والتربوي للأبناء.أكد المتحدث أن المناهج التربوية التي يتلقاها التلميذ في المدرسة، تختلف عن المناهج التعليمية التي يتلقاها في الكتاتيب، لأن الأنظمة التعليمية في المدارس صارت تعتمد على نصوص جاهزة، وطرق بحث لا تجعل الطالب يجد ويجتهد في ما يبحث عنه، على عكس الكتاتيب التي تعتمد مناهجه التعليمية على اجتهاد الطالب وسهره على الحفظ الدائم، ورغم هذا، يضيف محمد مشلوف، فإن  الكتاتيب، ما تزال محافظة على دورها الفعال في تربية النشء، رغم محاولات التقليل من شأنها، مؤكدا أن إبعاد النشء عن الكتاتيب وحفظ القرآن، خطر حقيقي على ثقافتنا وهويتنا العربية الإسلامية، لا سيما أن بعض الأولياء يفضلون تعليم أبنائهم لغات أجنبية معتبرينها لغات علم متناسين لغتهم الأم.

وبخصوص واقع اللغة العربية حاليا في بلادنا، أكد المتحدث أنها بحاجة إلى الالتفاف حول خلق مناهج جديدة بالمدرسة، تكون متوافقة مع المناهج التعليمية في الكتاتيب، كمحاولة تلقي مختلف العلوم باللغة العربية أو التعريب الكامل لمصطلحات العلوم، وقال مشلوف "أنا درست في الكتاتيب وحفظت 10 أحزاب، أرى أنه من واجب الدولة أن تولي عناية كبيرة بالكتاتيب كما المدارس التربوية، من أجل تكوين الطفل قبل ولوجه عالم المدرسة تكوينا صحيحا، قائما على أسس دينية عربية متينة، لأن هذه المرحلة العمرية للطفل مهمة جدا لتكوين شخصية قائمة على حب الاجتهاد والتعلم، والبحث عن كل مفيد في هذه الحياة، كما تبعده عن الكل مضر به".

الأستاذ أحمد عاشوريالمدارس القرآنية تأخذ بأسلوب الكتاتيب

أوضح الأستاذ المتقاعد في اللغة العربية بقالمة، أحمد عاشوري، أن تعليم الكتاتيب كان تقليديا، فرضته ظروف تاريخية معينة، مثل نظام الزوايا المغلق، لأن الأمة الجزائرية قديما، كانت تعاني من تخلف رهيب، فأنشئت الكتاتيب لتلقين حفظ القرآن وبعض المتون، وهذا النوع من تعلم وحفظ القرآن الكريم موجود حاليا، لكن بطريقة حديثة، فيما يسمى بالمدارس القرآنية، وهي منتشرة في كل ربوع الوطن، خاصة فيما يتعلق بتلاميذ الطور الابتدائي، وأيضا المعاهد في جنوبنا الكبير التي تأخذ بأسلوب الكتاتيب وتصل بالطالب إلى مراحل متقدمة في التحصيل العلمي، وأيضا جامعة "الأمير عبد القادر" في قسنطينة، وهي إشادة بالدور الذي تلعبه المدارس القرآنية، خاصة في تعليم اللغة العربية الفصحى.