بعدما كان لباسا للملوك

"القفطان" التلمساني موروث تقليدي، مكسب اقتصادي وزينة للمرأة

"القفطان" التلمساني موروث تقليدي، مكسب اقتصادي وزينة للمرأة�
  • القراءات: 7623
رشيدة بلال / تصوير: عمر. ش � رشيدة بلال / تصوير: عمر. ش

يحتاج "القفطان" التلمساني إلى 14 حرفيا لإعداده، لذا كان هذا اللباس ولا يزال إلى جانب بعده التاريخي والثقافي، مصدر رزق لسكان الولاية، حسب رضا بن منصور الباحث في اللباس التقليدي التلمساني، الذي فضل، بمناسبة مشاركته في مهرجان الزي التقليدي مؤخرا بقصر الثقافة، تصحيح بعض المفاهيم التاريخية  المغلوطة حول هذا اللباس التقليدي العريق. 

"القفطان" التقليدي موجود عند كل العائلات التلمسانية، ولا يمكن أن تستغني عنه عروس، يعد بأنامل حرفيين تخصصوا منذ قديم الزمان في حياكته وتجهيزه بكل ما يتطلبه من تفاصيل، يقول رضا ويعلق: "على الرغم من عراقته إلا أنه لا يحظى بالاهتمام المطلوب من الجهات المعنية التي لم تول اهتماما لانشغالات الحرفيين الذين ظلوا متمسكين بصنعتهم حفاظا عليه". 

وبالرجوع إلى القفطان، يقول محدثنا؛ لعل أولى الخصوصيات التي تجعل هذا اللباس فريدا من نوعه، كونه يتطلب اجتماع حوالي 14حرفيا لتجهيزه، فمنهم الرسام الذي يعد التصميم الخاص بالقفطان والفصال والخياط والمشرف على الديكور والمكلف بتطريز الفتلة والمسؤول عن المجبود والمكلف بتصميم الشاشية، وكذا حرفي الفتول وحرفي النسيج الذي يعد الحايك. وبعد أن يكتمل القفطان، يأتي دور الحلي، حيث يكلف الحرفيون بتشكيل مختلف ما يتطلبه القفطان من حلي ذهبية وأخرى مصنوعة من الجوهر، لنصل أخيرا إلى اللباسة التي تحولت إلى حرفة في حد ذاتها، ففي الماضي كان تلبيس القفطان للعروس مجانا، بينما اليوم تحول الأمر إلى حرفة بذاتها، إذ تطلب المكلفة بالتلبيس مقابلا. 

اكتسب القفطان أهميته بالنظر إلى بعده التاريخي الذي أضفى عليه عراقة، يقول الباحث رضا، ومن بين المغالطات الشائعة القول بأنه عثماني الأصل لأن الأبحاث التاريخية تشير إلى أنه يمتد إلى ما قبل الحضارة العثمانية، وحسبما تظهره بعض الحقائق التاريخية، فالقفطان كان طويلا في تصميمه الأصلي وينزل من البلدان الباردة مثل بلغاريا، حيث اقتصر ارتداؤه على الملوك والسلاطين، أي الطبقة الأرستقراطية، كما لبس من طرف ملوك بغداد ومنه دخل إلى الأندلس وظل محافظا على شكله الطويل، كان يصنع من القماش الخفيف "التيرقال"، وعرف باللون البني وأنه كان يلبس مفتوحا في الوسط، وبحكم التنقلات في إطار التبادل التجاري أدخله الأندلسيون إلى المغرب الأوسط، حيث لبسه الزيانيون من الملوك، مشيرا إلى أن القفطان على غير ما يروج له، كان لباسا مقتصرا على الرجال فقط. 

 

تعديلات شكلية حولت القفطان إلى لباس نسوي

عرف القفطان خلال القرنين الـ13 و14 تغييرا شكليا، حسب الباحث رضا، حيث رأى المهتمون بهذا الزي الملكي أنه يمكن أن يناسب النساء فحولوه إلى لباس نسوي عن طريق قرفطته "بمعنى تقصيره"، ومن هنا جاءت عبارة قفطان من قرفطته بتقصيره، ليكون نسويا. وكان هذا أول تعديل شهده هذا الثوب، أما التعديل الثاني فتمثل في إضافة البلوزة التي جعلت منه قطعة مميزة وزادت من جماله ليناسب الأنثى. 

بعد أن تحول القفطان إلى لباس نسوي، عمد الحرفيون إلى تغيير القماش الذي كان يصنع منه، فبعد أن كان خفيفا من قماش "التيرقال" أدرجوا نوعا آخر من الأقمشة، تمثل في "القطيفة" بألوان مختلفة، بينما أصبح يتم صنع البلوزة من المنسوج أي يتم نسج قماشها يدويا، يقول الباحث رضا ويشرح؛ "قماش القطيفة في الواقع يعود إلى الصينيين الذين تفننوا فيه في القرن الـ15، وبحكم التبادل التجاري دخل إلى أوروبا وتحديدا إلى إسبانيا، ثم إلى فرنسا في القرن الـ16، أما في الجزائر فقد عمد العثمانيون إلى إدخال هذا القماش واستغلوه في تشكيل القفطان". 

أما فيما يتعلق بالمنسوج الخاص بالبلوزة، ففي القرن الـ18 كان يصنع بأيادي حرفيين جزائريين سرعان ما تخلوا عن هذه الصنعة، بعد أن أدخل المستعمر الفرنسي الآلات الصناعية في النسيج وتم التخلي عنها من قبل سكان العاصمة، فاحتضنها سكان بوفاريك وتلمسان في بداية القرن الـ20، يقول محدثنا. 

اقترح الباحث رضا، بعد أن كان له دور في تصنيف القفطان في موقع التراث العالمي، ليتم ترشيحه من لجنة التحكيم العالمي في "اليونسكو" كتراث ثقافي غير مادي، أن تلتف الجهات المعنية إلى دعم الحرفيين الذين تخصصوا في هذا اللباس التقليدي، حيث يزيد تعدادهم عن 10 آلاف حرفي في ولاية تلمسان والولايات المجاورة لها، من خلال إعفائهم من الضرائب وتشجيعهم على التمسك بهذا التراث، وتعليم الشباب الراغب في التعلم، إلى جانب التكثيف من الأنشطة التي تسلط الضوء على هذا النوع من الألبسة التقليدية من حيث بعدها التاريخي ودلالاتها الاجتماعية.