الدكتور عبد الحليم خلفي مختص في علم النفس العيادي:

القدرة الإدراكية للأمراض لدى سكان تمنراست ضعيفة

القدرة الإدراكية للأمراض لدى سكان تمنراست ضعيفة
  • القراءات: 1241
 رشيدة بلال رشيدة بلال

تظهر أهمية التحلي بالثقافة الصحة في تمكين المرضى من فهم مرضهم وحسن التكفل بصحتهم، غير أن هذه الثقافة وإن كانت متوفرة بشكل يدعو للارتياح لدى سكان الشمال عموما، إلا أنها تكاد تكون غائبة عند سكان الجنوب، وعلى هذا الأساس بادر الدكتور عبد الحليم خلفي، مختص في علم النفس العيادي، إلى القيام بدراسة ميدانية خص بها سكان منطقة تمنراست، وتمحورت الإشكالية التي طرحها حول: مدى وعي سكان منطقة تمنراست بمرضهم وهل يحسنون التعامل معه؟

حسب المختص العيادي في حديثه لـ«المساء"، فإن الوعي الصحي بالمرض لدى أي مريض يتوقف على مدى إدراكه لماهية مرضه، هذا الإدراك الذي يكاد يكون غائبا لدى سكان بعض المناطق الداخلية على الرغم من أنهم يقطنون في المدن وليس بالمناطق النائية التي تعيش حالة من اللاوعي الصحي، من أجل هذا يقول: "بادرت إلى البحث في الثقافة الصحية لسكان تمنراست كنموذج". وحسب المختص، فإن من أهم العوامل التي جعلت الثقافة الصحية في مثل هذه المناطق تكاد تكون غائبة، حتى لا نعمم، يعلق: "هي الأمية بالدرجة الأولى، فضعف المستوى التعليمي ـ يقول ـ وانعدامه لدى عدد كبير جعل قدراتهم الإدراكية للمرض ضعيفة، وهو ما كشفه التحقيق الميداني الذي مس عددا من الأشخاص من الجنسيين، المصابين بأمراض مزمنة مثل السكري".

السؤال الذي بادرنا إلى طرحه على العينة التي شملتها الدراسة يتمثل ـ يقول المختص العيادي ـ في؛ كيف تتعامل مع مرضك؟ فتبين لنا أنهم لا يعرفون كيف يتعاملون مع مرضهم ولا يدركون منه غير الاسم، وفي محاولة  للاستفسار عن الأمر في المستشفيات، يضيف، تبين لنا أن العاملين بالمؤسسات الصحية من الأطباء القادمين من ولايات الشمال لا يتواصلون مع مرضاهم، بمعنى أن واجبهم ينحصر في تقديم العلاج لحالة، مثلا، تقدمت بسبب ارتفع ضغطها أو انخفاض معدل السكري في الدم، هذه الحلقة جعلت المرضى لا يفهمون مرضهم ويقصدون المستشفيات في حالات متقدمة من التدهور الصحي التي تدخل بعضهم إلى غرف الإنعاش، لهذا يجد سكان الجنوب صعوبة في اكتساب ثقافة صحية لأن الأطباء لا يقدمون لهم معلومات تمكنهم من فهم مرضهم ليحسنوا التعامل معه، ومنه تجنب بعض التعقيدات، مضيفا أن الأطباء من ناحية أخرى يعانون بالجنوب من بعض الصعوبات التي تجعل مردودهم ليس كما ينبغي، بعيدا عن التطبيب،  كالعمل مثلا في مجال التوعية الصحية".

المفروض، حسب المختص العيادي، لإكساب سكان الجنوب ثقافة صحية،  التعامل معهم وفق ثلاث معطيات أساسية وهي: المعطى الاجتماعي والنفسي والطبي، إلا أن الواقع يشير إلى أن النظرة إلى الصحة في مجتمعنا لا تزال محصورة في الجانب الطبي فقط، وأن التعامل مع المريض متوقف على الفحص وتقديم الدواء، في حين أن التوجه اليوم ـ يقول المختص ـ ويؤكد "يسير إلى معالجة المريض من عدة نواحي، لأن الأدوية وحدها لا تكفي، مشيرا إلى أنه آن الأوان لأن يعرف المرضى وتحديدا الأميين، حقيقة مرضهم  وأبعاده ليحسنوا متابعته على مستواهم.

من بين النتائج التي توصل إليها المختص العيادي والتي تبدو ـ حسبه ـ غريبة أن سكان منطقة تمنراست لا يعانون من أي نوع من الضغوط، ومع هذا يصابون بعدد من الأمراض المزمنة التي عادة ما يتسبب فيها نمط الحياة المتسارع والضغط بمناطق الشمال، وبحكم أنهم يعيشون حياة هادئة ومريحة، كل هذا جعلهم لا يتطلعون لاكتساب ثقافة صحية ويحصرون وعيهم  وإدراكهم الصحي البسيط في ربط المرض بالعامل الوراثي، ومنه تقبله كما هو دون الرغبة في البحث فيه.

يعتقد المختص النفساني أن مناطق الجنوب تعد فضاء خصبا لإجراء البحوث، لهذا يدعو كل المعنيين إلى التقرب من سكان مناطق الجنوب لاكتشاف أنماط الحياة والمساهمة في نشر الوعي على مختلف الأصعدة،  وعلى رأسها الجانب الصحي، هذا من ناحية، ومن جهة أخرى، أشدد ـ يقول ـ المختص على التوعية من خلال التكثيف من القوافل الصحية لتسليط الضوء على ما يعرف بعلم الصحة النفسية، بالبحث في الحياة النفسية والاجتماعية للمرضى، لأن العلاج الطبي لا يكفي.