في سبيل مكافحة السرطان
العلاج الشعبي.. قبول بعد الرفض
- 158
نور الهدى بوطيبة
شددت الطبيبة العامة إيكا أمينة والمكلفة بالإعلام بالهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث الطبي، على أهمية العودة إلى الحجامة كعلاج نبوي أصيل شرط أن تمارَس بعلم، ومسؤولية، وعلى أيدي مختصين بعيدا عن الفوضى، والممارسات التجارية التي شوهت هذه الوسيلة العلاجية في السنوات الأخيرة.
وقالت الطبيبة إيكا أمينة إن الحجامة ليست موضة ولا مجرد إجراء تقليدي كما يعتقد البعض، بل هي علاج تكميلي فعال، يمكن أن يساهم في تحسين صحة المرضى، ودعم العلاجات الطبية الحديثة، خصوصا للمصابين بأمراض مستعصية كالسرطان، لكن شريطة أن تكون وفق شروط، وأن الإيمان بها تشدد لا يعني الاستغناء عن البروتوكول العلاجي الموصى به من طرف الطبيب المعالج ضمن الطب الحديث، بل الدمج بين العلم والطب النبوي بطريقة متوازنة، ومدروسة.
وأوضحت المتحدثة أن الحجامة حين تُجرى بطريقة صحيحة، تساعد على تنشيط الدورة الدموية، وتقوية المناعة، وتحسين توازن الجسم؛ ما يجعلها عاملا مساعدا في التخفيف من بعض الأعراض الجانبية التي ترافق العلاجات الثقيلة مثل العلاج الكيميائي. وحذرت، في المقابل، من اللجوء إلى من وصفتهم بمدعي الخبرة، الذين حوّلوا الحجامة إلى تجارة قائمة على استغلال المرضى وأملهم في الشفاء؛ فلا بد من تفادي تلك الصالونات المشبوهة، خاصة التي لا تراعي معايير الصحة، والنظافة، لأن خطأ واحدا قد يكلف الحياة، ويهدد السلامة، والصحة عموما.
وقالت الطبيبة العامة إن الحجامة علاج نبوي، وهي إجراء طبي يجب أن يتم بوعي علمي، لا فوضى ممّن هب ودب؛ فلا يمكن أي شخص أن يمارسها دون تكوين طبي أو إشراف مختص؛ لأن الخطأ فيها قد يسبب مضاعفات خطيرة للمريض، مضيفة أن الهيئة الوطنية تعمل، حاليا، على تنظيم الممارسة، وتشجيع الأبحاث العلمية الجادة حول فعالية الحجامة في دعم بعض أنواع العلاجات الحديثة؛ حتى لا تبقى المعلومة مجرد اجتهاد شعبي، بل تتحول إلى معرفة علمية موثقة. فمن أساسيات إجراء الحجامة على شخص مصاب بالسرطان مثلا، تقول لا بد من الابتعاد عن "حوض أو مكان" السرطان؛ حتى لا يكون للعملية نتيجة عكسية، وتساهم في تطوير الخلايا السرطانية وتحفيزها، بل الهدف منها هو مساعدة الجسم، وتقوية مناعته، ومساعدته في تحمل وتخطي العلاجات الكيماوية الثقيلة.
وشددت في حديثها على ضرورة استشارة المريض طبيبَه المعالج قبل القيام بأي جلسة، وأن يتأكد من نظافة الأدوات، واستعمال تقنيات التعقيم الحديثة؛ لتفادي أي خطر محتمل. وبهذا تفتح الهيئة الوطنية من خلال جهودها، بابا للنقاش العلمي، حول أهمية دمج الطب النبوي في البحث الطبي الحديث؛ في خطوة تراها الطبيبة إيكا بداية طريق نحو وعي صحي جديد، يجعل التداوي أكثر وعياً.
الطب التقليدي... علاجات شعبية تقوّي المناعة
وفقا لهذا المبدأ، ساهم على هامش الصالون جناح خاص بالطب الشعبي أو التقليدي وحتى ما يسمى بالطب التكميلي، كسابقة في هذا النوع من الحملات التحسيسية التوعوية لمكافحة سرطان الثدي، والدعوة إلى الكشف المبكر عن السرطان للقضاء عليه. وكان خبراء الصحة، اليوم، يجنّدون كل السبل وكل الطرق للقضاء على هذا المرض الخبيث، فإلى جانب العلاج بالحجامة، كان العلاج التكميلي جزءا من بروتوكول الوقاية والتحسيس في هذا اليوم.
وفي هذا الصدد أشارت أمينة إيكا إلى أنه الى جانب الطبي النبوي للحجامة، هناك علاجات شعبية عالمية شهيرة أخرى؛ كالعلاج بالإبر الصينية، والعسل، والمكملات الغذائية من الطحالب وغيرها، مؤكدة أن العلاج التكميلي أصبح اليوم جزءا أساسيا من المنظومة الصحية الحديثة، مشيرة إلى أن الاعتماد عليه يزداد خاصة بين المرضى الذين يخضعون لعلاجات كيميائية أو إشعاعية ثقيلة على الجسم، فلا بد من الاعتماد ولو نسبيا على تلك العلاجات التكميلية، التي أثبتت فعاليتها في تقوية مناعة المريض، وتخفيف الآلام، وحتى تخفيف عنه الآثار النفسية كالقلق والخوف التي يمكن أن يشعر بها المريض عند اكتشافه الإصابة بأحد الأمراض الخطيرة كالسرطان. حيث أكدت أن هذا النوع من العلاجات لا يهدف إلى استبدال الطب الحديث، بل إلى مساعدته في تقوية الجسم، وإعادة توازنه الطبيعي بعد فترات العلاج الصعبة.
وأوضحت الطبيبة أن العلاج التكميلي يشمل مجموعة من الوسائل مثل الوخز بالإبر الصينية، والعلاج بالأعشاب، واستخدام المكملات الغذائية المستخلصة من الطحالب، والعسل الطبيعي والنباتات الطبية، مشيرة الى أن هذه الطرق عندما تتم بإشراف مختصين مؤهلين، تساعد على تحسين المناعة، وتنشيط الدورة الدموية، وعلاج فقر الدم، وتقليل الإرهاق الجسدي والنفسي الذي يسببه العلاج الكيميائي.
وأضافت أن عددا من المرضى يلجأون إلى هذه الوسائل بهدف تحسين حالتهم العامة، حيث تساهم بعض المكونات الطبيعية مثل الطحالب البحرية والعسل والزنجبيل وحبوب الطلع، في دعم الجسم، وتعويض ما يفقده من عناصر غذائية أثناء العلاج بالأدوية الثقيلة. كما إن الطحالب البحرية تحتوي على الحديد ومعادن تساعد على علاج فقر الدم وتحسين امتصاص الغذاء، بينما يعمل العسل الطبيعي على تنشيط الخلايا، وتجديد الطاقة، وتقوية جهاز المناعة.
وشددت الطبيبة إيكا على ضرورة أن يتم هذا النوع من العلاج أيضا، تحت إشراف طبي، موضحة أن هناك أخطاء شائعة في المجتمع، منها استعمال الأعشاب أو المكملات دون استشارة الطبيب، وهو ما قد يؤدي إلى تفاعلات خطيرة مع الأدوية، حيث شددت قائلة: "ليس كل ما هو طبيعي آمنا دائما، فإن بعض الأعشاب يمكن أن تقلل من فعالية الأدوية الكيميائية، أو تزيد من آثارها الجانبية إذا استُعملت دون معرفة طبية".
من الرفض الى الاحتضان..
من جهتها، أوضحت الدكتورة إيمان المختصة في الطب التكميلي، أن الطب الشعبي ظل لسنوات طويلة، مرفوضا من قبل الطب الحديث، لكن مع التقدم العلمي والدراسات المخبرية أصبح الأطباء، اليوم، يعترفون بفعالية بعض المكونات الطبيعية التي طالما استُعملت في الطب التقليدي، حتى يؤمنون أنها علاجات تكميلية، ولهذا تدخل اليوم تدريجيا في البروتوكولات العلاجية ضمن الطب الحديث.
وقالت إن الأبحاث أثبتت أن مواد مثل الكركم والزنجبيل والعسل وحبوب اللقاح تحتوي على مركبات فعالة، تساهم في مقاومة الالتهابات، وتنشيط الكبد، وتحسين امتصاص الحديد. وهي نتائج تدعم فكرة استعمالها كعلاج مكمل وليس كبديل كما يسميه البعض؛ فدائما لا بد أن تكون وفق استشارة طبية، ونصيحة الطبيب المعالج الذي يدرك تفاعل تلك المكملات العلاجية. وأضافت أن الطب الشعبي ليس علاجا بدائيا كما يراه بعض الأطباء، بل هو علم قائم على التجربة، مشيرة إلى أن العديد من الأدوية الصيدلانية اليوم، تعتمد في تركيبها، على خلاصات نباتية مأخوذة من الطب التقليدي. والصحيح أن الطب الحديث تطور بفضل الطب الشعبي؛ لأن كل علم بدأ من تجربة بسيطة، لكن الفرق اليوم أن العلم يمنحنا أدوات أكثر دقة لفهم هذه التجارب، وتطبيقها بأمان.
وحذرت، في المقابل، من الاستغلال التجاري الذي عرفه هذا المجال في السنوات الأخيرة، مؤكدة أن بعض الأشخاص غير المؤهلين حوّلوا الطب الشعبي إلى تجارة مربحة، يبيعون فيها الأعشاب والمكملات بأسعار مرتفعة دون أي إشراف أو رقابة؛ ما يشكل خطرا على صحة المواطنين، مؤكدة أن هناك من يصف خلطات عشبية للمرضى دون معرفة بحالتهم الطبية، وهذا خطير جدا؛ لأن بعض الأعشاب يمكن أن تكون سامة أو غير مناسبة لبعض الأمراض المزمنة والمستعصية، مؤكدة أن الهيئة الوطنية تعمل على تنظيم الممارسة، وتوعية المواطنين بأهمية العلاج التكميلي، ومشيرة إلى أن الهدف هو الاستفادة من فوائده الحقيقية بطريقة آمنة.
وقالت إن الهيئة تشجع الأطباء والباحثين على دراسة هذه الوسائل من منظور علمي؛ حتى يتم دمجها رسميا ضمن الطب الحديث، ووفق معايير واضحة، مثلما هو معمول به في بعض الدول المتقدمة التي تعتمد الطب التكميلي داخل المستشفيات. فالعلاج الطبيعي يجب أن يكون جزءا من رؤية طبية متكاملة لا مبادرة فردية، خصوصا أن العلم اليوم لم يعد يرفض الطب الشعبي، بل يسعى إلى فهمه، وإدماجه بشكل آمن، ومدروس.