الدخـول المدرسي في عنابة
العائلات بين متطلبات الأبناء وزحمة الأسواق

- 186

اكتظّت محلات الألبسة والأحذية والمآزر في مدينة عنابة خلال الأيام الأخيرة، مع اقتراب الدخول المدرسي، الذي أصبح مناسبة اجتماعية واقتصادية بامتياز، تتغيّر فيها معالم المدينة. وتتحول الحركة اليومية للمواطنين نحو الاستعداد للعام الدراسي الجديد. ومن اللافت هذا العام أن التحضيرات جاءت متزامنة مع موسم "الصولد"، ما جعل الأسواق العنابية تعيش على وقع حركة نشطة، جمعت بين متطلبات المدرسة، وإغراءات التخفيضات الموسمية.
منذ نهاية شهر جويلية بدأت ملامح الموسم تتضح في واجهات المحلات، التي سرعان ما غيرت طبيعة معروضاتها، وعمدت إلى تخصيص مساحات بارزة للمآزر، والملابس الرياضية، والأحذية المدرسية والمحافظ، إضافة إلى الأقلام، والكراريس واللوازم المكتبية.
وتحوّلت بعض المحلات المتخصصة في الملابس الكاجوال، إلى معارض مؤقتة للمستلزمات الدراسية، في صورة تعكس استعداد المدينة بالكامل لهذا الحدث السنوي المهم.
تنوُّع في المعروض... واختلاف في القدرة الشرائية
لا يخفى على المتجول في شوارع عنابة وأحيائها، خاصة وسط المدينة، وسيدي عاشور، والبوني، أن المحلات تشهد حركة غير معتادة. أطفال برفقة أوليائهم يتنقلون بين الواجهات الزجاجية، يقيسون المآزر، وينتقون الألوان الزاهية، أو يُدلون برغباتهم في حذاء معيّن أو حقيبة ذات طابع كرتوني محبوب.
وتختلف طبيعة المعروضات من حي إلى آخر، وحتى داخل نفس السوق، حيث نجد تنوعا كبيرا في الأسعار، يتراوح بين القدرة المتوسطة والعرض الفاخر.
وفي جولة قصيرة بأحد أسواق المدينة، يمكن ملاحظة أن أسعار الألبسة المدرسية تختلف بحسب النوعية والماركة: طقم كامل للطفل (قميص، سروال، مئزر) قد يتراوح سعره بين 3 آلاف دج، ويصل أحيانًا إلى مليون سنتيم، خاصة إذا تعلق الأمر بماركات مستوردة، أو خامات عالية الجودة.
وتشير آراء بعض الأولياء إلى وجود "مبالغة" في الأسعار رغم توفر "الصولد"، حيث أكد البعض أن التخفيضات ليست دائما حقيقية، بل تُستخدم كوسيلة تسويقية أكثر منها دعما للمواطن.
ورغم ذلك يبقى هناك من يستفيد من العروض الجيدة، خاصة في المحلات التي تعمد إلى تقديم تخفيضات حقيقية على مجموعات مختارة من السلع.
الأحذية الرياضية... قطعة أساسية بأسعار غير متوقَّعة
إلى جانب الملابس، تشهد الأحذية الرياضية طلبا متزايدا، نظرا لكونها من القطع الأساسية في الزي المدرسي الجديد.
وفي هذا الإطار لاحظ زائر الأسواق أن أسعار الأحذية تختلف بشكل واضح حسب الشكل والعلامة. بعض الأحذية البسيطة يبدأ سعرها من 2500 دج، فيما تصل الأنواع المتوسطة إلى ما بين 5 آلاف و7 آلاف دج، وقد تتجاوز 8 آلاف دج في بعض المحلات رغم أنها لا تنتمي بالضرورة، إلى علامات تجارية عالمية.
هذا الواقع أثار استياء بعض الأولياء، الذين رأوا أن أسعار الأحذية لا تعكس جودتها دائما، بل تعتمد أحيانا، على الشكل الخارجي أو اسم غير معروف. كما إن بعض التجار لا يترددون في عرض أحذية رديئة بسعر مرتفع، مستغلين حاجة المواطن، وعدم توفر البدائل المناسبة بأسعار معقولة.
ورغم ذلك يظل السوق غنيا بالخيارات، إذ تعرض المحلات في الأحياء الشعبية بدائل بأسعار مقبولة، مع الحرص على توفير مقاسات تناسب جميع الأعمار من الطور الابتدائي حتى الثانوي.
المآزر... ألوان زاهية ونماذج متنوعة
إذا كان من شيء يعلن رسميا عن اقتراب الدخول المدرسي في الجزائر، فهو ظهور المآزر بمختلف ألوانها في الواجهات التجارية.
في عنابة، كانت المآزر حاضرة بقوة هذا العام، وتنوعت من حيث الألوان والمقاسات والتصاميم.
وتَصدّر اللون الأزرق الفاتح والغامق الواجهة، إلى جانب الوردي للبنات، وكذلك الأبيض الذي يُعتمد أحيانا في بعض المدارس.
وما يُلفت الانتباه أن المآزر لم تعد قطعا مملة كما كانت في السابق، بل أضيفت إليها لمسات جمالية بسيطة؛ مثل الزخارف الخفيفة، وأطراف ملونة، وأزرار مميزة، وجيوب متعددة، ما يجعلها جذابة أكثر للأطفالو ويُشجعهم على ارتدائها.
وتتراوح أسعار المآزر بين 500 وألف دينار جزائري، وهي أسعار تُعد في المتناول نسبيا مقارنة بباقي المستلزمات، خاصة للعائلات التي تملك أكثر من طفل متمدرس.
الأسواق تعكس التغير الديموغرافي المتسارع في عنابة
من اللافت خلال موسم الدخول المدرسي الحالي في عنابة، الكثافة السكانية غير المسبوقة في الأحياء والأسواق، والتي باتت تؤثر بشكل مباشر على نمط الشراء، والضغط على المحلات.
المدينة التي كانت تُعرف سابقا بطابعها الساحلي الهادئ، أصبحت اليوم تعاني من ازدحام دائم، وتداخل في الأنشطة التجارية، خاصة مع تزايد عدد الوافدين عليها من مختلف ولايات الشرق الجزائري، خلال السنوات الأخيرة.
هذا التوسع السكاني رافقه نمو في النشاط التجاري، لكنه لم يكن دائما منظما، ما أدى إلى فوضى في بعض الأسواق، واكتظاظ كبير في الطرقات والمحلات، خاصة خلال الفترات المسائية. ويؤكد تجار محليون أن هذا الضغط السكاني رفع الطلب بشكل كبير، وجعل موسم الدخول المدرسي هذا العام، أحد أكثر المواسم نشاطا وربحا، لكنه زاد أيضا من الأعباء اللوجستية، والضغط على العرض.
بين المسؤولية والضغط... الأولياء في مواجهة متطلبات الأبناء
وراء كل حقيبة تُشترى وكل مئزر يُعلَّق هناك وليّ يعيش ضغطا ماديا كبيرا، خاصة مع الغلاء المتزايد الذي تعرفه أسعار مختلف المواد، من الغذاء إلى الأدوات المدرسية.
ومع دخول أكثر من طفل إلى المدرسة يجد كثير من الأولياء أنفسهم مضطرين إلى تأجيل مصاريف أخرى لتأمين المستلزمات الأساسية.
وتُظهر آراء العديد من المواطنين أن الدخول المدرسي لم يعد مجرد حدث بسيط، بل صار محطة تُحسب لها الحسابات مسبقا، ويُخطط لها بدقة، بل ويُستدان من أجلها أحيانا.
بعض العائلات تلجأ إلى اقتناء الأدوات بالتدريج، أو البحث عن الأدوات المستعملة في حال جيدة، أو الاكتفاء بالمهم، وترك الكماليات.
وفي المقابل، هناك من اختار طرقا بديلة لتقليل الضغط، مثل إعادة استخدام الأدوات القديمة، وتبادل المحافظ والكتب بين الإخوة، أو شراء بعض القطع من الأسواق الجانبية التي تعرض سلعا مستعملة بحال جيدة.
الدخول المدرسي بين الجانب التجاري والبعد الاجتماعي
تحوّل الدخول المدرسي دون مبالغة، إلى موسم تجاري كبير، يُعادل أعياد نهاية السنة من حيث الحركة الاقتصادية. ومع ذلك فإن كثيرا من المبادرات الاجتماعية تتدخل لتخفيف العبء عن العائلات، خاصة من طرف جمعيات خيرية، أو مساجد، أو حتى أفراد من المجتمع المدني.
وفي بعض أحياء عنابة، لوحظت حملات توزيع محافظ وأدوات مدرسية على التلاميذ المحتاجين، إضافة إلى معارض خيرية تعرض أدوات بأسعار رمزية، وهو ما يُعطي للموسم بعدا تضامنيا، يعكس روح المجتمع العنابي، الذي لايزال يحتفظ بروح التآزر رغم الظروف.
عنابة في موسم الدخول المدرسي، تتحول إلى لوحة من الألوان، والأصوات، والحركة. المدينة التي كانت منذ أسابيع قليلة تلبس ثوب الصيف والسياحة، عادت لتستقبل عامها الدراسي الجديد بزخم اجتماعي واقتصادي قوي.
ورغم التحديات والضغوط تبقى هذه المناسبة لحظة فرح للأطفال، ومناسبة لتحفيزهم على الانضباط والتحصيل، فيما يستعد الأولياء لجولة جديدة من التضحيات والمتابعة.
وفي نهاية المطاف فإن كل مئزر يُلبس وكل محفظة تُعلّق على ظهر صغير، هي خطوة أولى نحو مستقبل تبنيه العائلة، وتحتضنه المدينة، ويصنعه التعليم.