الدكتورة سمية أولمان لـ"المساء":

الطب لم يمنعني من الغوص في الشعر والتاريخ والقرآن الكريم..

الطب لم يمنعني من الغوص في الشعر والتاريخ والقرآن الكريم..
  • القراءات: 800
حاورتها: نادية شنيوني حاورتها: نادية شنيوني
دكتورة معالجة في طب سرطان الثدي  وعضوة قيادية بالمرصد الجزائري، مكلّفة بالصحة، وباحثة تعمّقت في التاريخ وأبدعت في الشعر أيضا وفي تجسيد معاناة الشعب الفلسطيني الأبي. انهمكت مؤخرا وزوجها الدكتور جمال أولمان في ترجمة القرآن الكريم  و حملت على عاتقها مهمة أخرى تكمن في تعريب الطب.. ضيفتنا شخصية مبدعة في كل المجالات، هي من مواليد الاستقلال وأم لأربعة شباب، لم تمنعها مسؤولية الأسرة من مزاولة أسمى مهنة تخفّف بها معاناة المرضى.. إنها الدكتورة سمية أولمان التي أفصحت لنا عن جديد مشاريعها في مجال البحث والإبداع!!

❊ المساء: طبيبة في مجال حساس يتطلب الوقت والاهتمام، زوجة وأم لأربعة أبناء ومع هذا تجدين وقتا للبحث والتنقيب في مجالات مغايرة لا علاقة لها بالطب، فما وسيلتك لذلك؟
❊❊الدكتورة سمية أولمان: يقول المثل إذا أردت استطعت، هي الإرادة إذا على تطوير معارف الذات والغوص في عالم شاسع متعدد المجالات، فكوني طبيبة لم يمنعني من عشق التاريخ الذي هو سجل الزمن وذاكرة الشعوب فمن لا تاريخ له لا حاضر ولا مستقبل له، فلكل شيء تاريخ حتى الطب، ونحن العرب سبّاقون ولنا في ابن سينا خير دليل. وطبعا ككلّ إنسان حساس بطبعه دخلت عالم الشعر من خلال القضية الفلسطينية التي اكتشفت مأساتها وأنا ابنة الثالثة عشر؟ وعرجت للبحث في تاريخ علماء الجزائر بدافع من جدي الرابع من أمي "عبد القادر المجاوي"، صاحب كتاب "إرشاد المتعلمين" الذي قمت بقراءة معمّقة فيه، ومنذ أكثر من 3 سنوات عكفت و زوجي على ترجمة القرآن الكريم والمشروع يوشك على الانتهاء، إذ لم يبق غير التحقيق لنتمكّن من النشر، غلاف الكتاب جاهز، وطبعا لولا دعم وتشجيع زوجي الذي هو أيضا طبيب جراح لما تسنى لي الوصول لما بلغته اليوم...
❊ ماذا تقصدين بترجمة القرآن الكريم وما الهدف الأساسي من هذا المشروع؟
❊❊ بصراحة الفكرة هي للدكتور أولمان،  أعجبتني فانقدت وإياه إليها، أساسها هو تحويل المفردات العربية الأصيلة للأحرف اللاتينية بنطق سليم للفرونكوفونيين (المتفرنسين)، أي قراءة القرآن بالحروف اللاتينية، لكن بنطق عربي سليم، والمشروع  سيكون جاهزا في غضون أشهر قليلة إن شاء الله.
❊ نظمتم مؤخرا بمقر المجلس الأعلى للغة العربية لقاء تمحور حول ضرورة تعريب  القطاع الصحي (الطب) الذي لازال القطاع الوحيد الذي تطغى عليه اللغة الفرنسية؟ فما القصد من تعريب القطاع الصحي؟
❊❊ بالفعل، قمت وزوجي، بإلقاء محاضرة في المجلس الأعلى للغة العربية الذي يترأسه السيد عزالدّين ميهوبي.. عنوان المحاضرة كان: اللغة العربية والطّب: علاقة تنافر أم تكامل؟ فالموضوع ليس تعريب الطّب، لكن مجرّد تساؤل عن العلاقة الممكنة بين اللغة العربية وعالم الطّب؟ وطرح السؤال المتعلّق بإقصاء اللغة العربية من تعليم الطّب في الجزائر  حيث نلاحظ أنّه، وخلال 7 سنوات من التعليم العالي (6 سنوات في الماضي) و بين 4 و 5 سنوات في مجال التّخصّص، لا يتلقّى الطالب في ميدان الطّب سوى التعليم باللغة الفرنسية وبعض المقالات باللغة الإنجليزية في حين أنه عند التخرّج ودخول مجال العمل تصادفه اللغة العربية واللهجة العامية، نظرا لتعامله مع مرضى أغلبهم لا يتقنون الفرنسية أو لا يستعملها حتى وإن كان يتقنها.
❊ ما الهدف من هذه الفكرة؟
❊❊ الهدف هو محاولة إبراز بعض أسباب الإقصاء التّام للغة العربية من حقل الممارسة الطبية اليوم في الجزائر، خاصة أن جامعة الطب الجزائرية هي سليلة الجامعة التي أسسها الاستعمار الفرنسي، حيث أن هذا الأخير قد أقصى من البرامج وحدة تاريخ الطّب، كون هذا المجال يزخر بأسماء لامعة من المسلمين، بينما سياسة الاستعمار كانت ترتكز على اغتياب و ذم كل  ما يتعلق بما أتى به الإسلام للإنسانية. فما بالك بما يتعلق بأسمى العلوم، أي الطّب! وبقيت البرامج تُواصل في دعم هذا الإقصاء والتـقصير حتى بعد الاستقلال. فنلاحظ على سبيل المثال، أن معظم البرامج البيداغوجية في الجامعات والمعاهد تتضمن وحدة خاصة بتاريخ المادة المدروسة؟ ما عدا برنامج الطب، فلماذا هذا التقصير؟ لماذا تخوف الأجانب من العودة إلى تاريخ الطب؟ أظن السبب واضح لأنه وببساطة العرب كانوا الأسبق!
❊ كيف كان التجاوب مع الملتقى وهل كان هناك تضارب في الآراء بين مؤيّد ومعارض؟
❊❊ الحضور كان مهتما بالعرض والأسئلة، وقد تبين أن هناك نوعا من التخوف من إدماج اللغة العربية اعتمادا على التجارب التي وقعت في بلدان عربية سبقتنا لهذه التجربة، غير أن قصدنا ليس محاولة تعريب الطب بصفة شاملة وسريعة، مصطلحات ومحتوى، فلا نرى فائدة في هذا، فالطّب علم يهتم بصحة الإنسان، فهو لا عربي ولا إنكليزي ولا سويدي ولا ياباني.. لا ينتمي إلى جنسية ولا إلى عرق معين، بل يتجاوز كل هذه الخصوصيات، لكن نرى لكل مجموعة طرقها الخاصة لتبادل المعلومات العامة والتحاور ومهما طغت لغة التقنيات والأبحاث، تبقى الممارسة اليومية بحاجة إلى استعمال اللغة المحليّة التي تتداولها وتتقنها كل الفئات والمستويات في البلاد، وعليه علينا بداية بتعريب الوثائق الخاصة بالمريض لنسهل له الأمور ولا يحتاج إلى اللجوء للمساعد أو ترجمان في كل مرة..
❊ أتعتقدين دكتورة أن هذه الفكرة إذا ما  تجسدت على أرض الواقع ستكون مفيدة وميسرة للتعامل مع المريض أكثر؟
❊❊ أكيد، فاستعمال اللغة العربية مع المريض يأتي بالكثير من الفوائد، حيث يتمكن من اكتساب معلومات دقيقة وصحيحة تخص المرض الذي يصيبه والعلاج الذي سيلجأ إليه،  بهذه الطريقة سيتمكن من تعايش سليم مع الوضعية الجديدة بدون غموض ومن هنا اتباع  علاج أحسن ونتائجه ستكون أكثر إيجابية.
❊ هل من مشاريع أخرى تعتزمين تحقيقها؟
❊❊ما دام العقل ينتج، هناك دائما مشاريع، وأهمها في رأيي هي تلك التي تستثمر في العقل البشري لذا سأظل أبحث وأنقّب في التاريخ الذي ألهمني لحقيقة جديدة مؤكدة هو أن الجزائر بعالمها الجدّ "عبد القادر المجاوي" كانت السباقة لإعطاء الطرق البيداغوجية والتربوية الناجعة لتعليم المتعلمين ليكونوا أهلا لمهنة التعليم، وهذا من خلال كتابه "إرشاد المتعلمين في الصمود الفكري في الجزائر"، كما أننا كنا سباقين في الاقتصاد وعلوم أخرى هامة حسب هذا العلامة الجليل وأنا حاليا بصدد البحث عنها وفي الطب أيضا أبحث وأتقصى جديد أخبار السرطان لعلّنا نجد دواء شافيا لداء فتك ويفتك بالعديد من النساء، والتفاؤل موجود في هذا المجال. وتبقى ترجمة القرآن هي خير مشروع نهديه للآنام، وقد يكون موعد إصداره مصادفا لرمضان الكريم، هذا الشهر الذي فيه ليلة خير من ألف شهر، أنزل فيها أسمى كتاب للبشرية جمعاء.