لإحباط الغير وتعميق الجراح

الطاقة السلبية تحولت إلى سلوك يومي

الطاقة السلبية تحولت إلى سلوك يومي
  • القراءات: 1583
❊ رشيدة بلال ❊ رشيدة بلال

حاولت المساء، من خلال الحديث إلى عدد من الأخصائيين في مجال التنمية البشرية، بحث ماهية الطاقة السلبية ومدى تأثيرها على حياة الفرد وكيفية التخلص منها أو تفادي الاحتكاك بمن ينشرونها، هذه الطاقة السلبية التي تحولت مؤخرا، عند البعض ممن وصفهم الأخصائيون بـ«غير المتزنين، إلى سلوك يومي يمارسونه لنشر السلبيات وإحباط الغير والحد من عزيمتهم وتشويه الفكر وتعميق الجراح.

البداية كانت مع المدرب الدولي للموارد البشرية الأستاذ عزير منصوري، الذي التقته المساء على هامش تنشيطه لدورة تدريبية بالعاصمة، حيث أوضح في معرض حديثه ردا عن سؤالنا عن مدى تأثير الطاقات السلبية التي ينشرها البعض عن قصد أو دون قصد في المجتمع؟ أنه قبل الحديث عن هذه الطاقة لابد من تسليط الضوء على مدى تأثير الكلمة في حد ذاتها، ويشرح هناك علاقة كبيرة بين الكلمة والطاقة السلبية، لما لها من تأثير عميق تحدثه سواء كانت سلبية أو إيجابية تماما، كما وصفها الله مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة، فالشجرة الطيبة تعطي خيرا والشجرة الخبيثة تعطي شرا”.

أشار الأخصائي إلى أن الأشخاص الذين ينشرون الطاقات السلبية والأفكار الهدامة هم بصدد غرس أشجار سامة، ومن هنا يظهر الاهتمام الكبير في علوم الإنسان بالكلمة وقوة تأثيرها هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يرى محدثنا أن الذين ينشرون السلبية كقولهم، إن المجتمع سيئ أو أن الناس سيئون، أو أن المستقبل مظلم، يعبرون عن أنفسهم وليس عن المجتمع، لأن الإنسان يصف رؤيته وحاله ولا يستطيع رؤية الحقيقة كاملة، لهذا قال الرسول صلوات الله عليه من قال هلك الناس.. فهو أهلكهم، بمعنى هو يعبر عن نفسه.

حالة مرضية

في المقابل، نجد حسب الأخصائي أن إطلاق كلمة تشجيع قد تكون بذرة لا ترى نتائجها حالا، لكنها شجرة تثمر بعد حين، ونتذكر في هذا المقام أن النبي الكريم أوصانا خيرا، فقال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، لهذا يوضح الأخصائي أن نشر السلبيات والتركيز عليها والحد من عزيمة الآخرين وتشويه الفكر وتعميق الجراح والحديث المحبط، ليس من عمل الإنسان المتوازن ولا من عمل المسلم المتفائل، مرجعا تفشي الظاهرة في مجتمعنا إلى بعض العوامل، ومنها ـ مثلا ـ الفترة الزمنية العصيبة التي عاشها المجتمع خلال العشرية السوداء، والتي أدت إلى إعادة برمجة المجتمع على انتهاج التفكير السلبي ونشره، وفي النتيجة، زادت الشحنات السلبية التي انجر عنها فكر الإحباط واليأس والاستسلام.

من جهة أخرى، يرى محدثنا أن هذه الفئات التي تنشر الطاقة السلبية موجودة في كل مكان ولا يمكن تجنبها، لكن يمكن علاجها لأنها حالة مرضية، وهو ما يطلق عليه اسم إعادة التأطير الفكري، ويكون ذلك بترك المجال لتحرر المشاعر، ويقول إذا كان يشعر بالحزن أو الألم ويحتاج للبكاء، فعليه بالبكاء، ولا يقوم بكبت هذه المشاعر بداخله، فتراكم الأمور فوق بعضها البعض سيؤثّر عليه بالسلب، وسيجعله يفكّر في الأمور لأوقات طويلة، وهذا سيؤدي إلى شحنه بالطاقة السلبية، لذلك لا يجوز تخزين المشاعر وإخفاؤها؛ لأنها ستظهر بشكل سلبي بطرق أخرى، فإذا شعرت بالحزن يمكنه البكاء والصراخ، ولا يعني ذلك أنّه غير راضٍ بما قدره الله له، فالصبر يعني تحمل المصائب، والحزن أحاسيس يشعر بها الفرد، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بكي عندما فقد ابنه إبراهيم وقال: (إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن على فراقك يا ولدي إبراهيم)، وهي إشارة إلى ضرورة تحرير المشاعر، خاصة بالنسبة للأشخاص الحساسين.

الخيال وسيلة فعالة

من جهته، يرى الأخصائي في التنمية البشرية وتطوير الذات، الدكتور عبد الرشيد بو بكري، أن تفشي ظاهرة نشر الطاقة السلبية في مجتمعنا في السنوات الأخيرة، مرجعه الضغوط الحياتية التي طغت على الناس، مما أثّر على طريقة التفكير التي غلب عليها كل ما هو سلبي، في الوقت الذي كان يفترض أن يقووا إيمانهم بالله ويعلموا أن قانون القضاء والقدر محتوم، وما عليهم إلا الرضا والتأقلم مع الظروف.

قد يتساءل البعض، حسب محدث المساء، كيف نشعر أننا تحت تأثير الطاقة السلبية، خاصة أن البعض يشعرون بعدم الارتياح، لكنهم لا يعرفون السبب، ويجيب بالقول ستشعر بالخمول والاكتئاب والضيق عند تعاملك مع الناس السلبيين، حيث تشعر أن حالتك أصبحت كئيبة، وتكون متضايقا بعد أن تترك مجلسهم، رغم أنهم لم يضايقوك بشيء، بسبب الطاقة السلبية التي حصلت عليها منهم.

من جهة أخرى، أوضح محدثنا أن السؤال الأهم الذي بدأ يبحث عنه الكثيرون ممن أدركوا خطورة الطاقة السلبية، يتمثل في كيفية التخلص منها؟ ويجيب الأخصائي بتعريفها أولا على أنها تلك الهالة المحيطة بالشخص، وهي من الحقائق العلمية المثبتة، ويكون حجمها في اختلاف، فتكبر هذه الهالة كلما شعرت بالاتزان والطمأنينة، وتصغر كلما كنت متضايقا وعصبيا ومكتئبا، ويمكننا التحكم في هذه الطاقة من خلال الأفكار التي نبنيها في داخلنا، فكلما زادت الأفكار السلبية ارتفع معدل الطاقة السلبية، وكلما زادت في الجسم زاد احتمال تحوّل الطاقة لأمراض تحتاج إلى تكفّل سريع حتى لا تتعقد الأمور. يقدّم الأخصائي في التنمية البشرية طريقة مبتكرة في تفريغ الطاقة السلبية باللجوء إلى الخيال، ويشرحها بالقول إن كنت تشعر بأن البعض يستفزونك ويثيرون أعصابك، فيسلبون منك الطاقة الإيجابية، يمكنك أن تأخذ حقك منهم بخيالك، كأن تتخيل أن هذا الشخص أمامك وتعاتبه، ويمكنك مسك وسادة وضربها بشدة؛ كي تقوم بتفريغ جميع المشاعر التي بداخلك تجاه هذا الشخص، بعد ذلك يمكنك الجلوس والتفكير بعد الشعور بأنك تخلصت من الطاقة السلبية، ووصلت إلى مرحلة الاسترخاء، في هذه الأثناء تأتي مرحلة التفكير بطرح بعض الأسئلة، ومنها مثلا ماذا لو أنك فرغت طاقتك على هذا الشخص؟، ما الذي كنت ستشعر به لو قمت بضرب هذا الشخص؟ و«ما العواقب التي كانت ستعود عليك بعد ضربك له؟، عندها ستعلم أن هذه أفضل طريقة لتفريغ ما بداخلك من سلبيات دون اللجوء إلى العنف، ناهيك عن الابتعاد عن الأشخاص السلبيين والتقليل من الجلوس بجوارهم قدر الإمكان، حيث يظل هذا المقترح أفضل الحلول بعدما تكتشف ـ طبعا ـ أنهم أشخاص سلبيون.