تعرف تهديدا متواصلا

الصناعة التقليدية تحتضر بسبب غزو المنتوجات الصينية

الصناعة التقليدية تحتضر بسبب غزو المنتوجات الصينية
  • القراءات: 1118
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

كشف عدد من الحرفيين في حديث لهم مع "المساء" أن المنتوجات الصينية المنتشرة في الأسواق تهدد بشكل كبير الصناعة المحلية، لاسيما مع استنزاف الأيدي للصناعة التقليدية من قبل مهن أخرى أقل جهدا وأكثر ربحا. وأشار البعض إلى أن المشكلة الحقيقية ليست في المنتوجات الصينية التي تغزو الأسواق، إنما في التجار الذين يستوردون هذه المنتوجات الرديئة الصنع، هذا ما جعل الكثير من معارض الصناعة التقليدية تتحول إلى منافذ لعرض وتسويق المنتوجات المقلدة المستوردة من الصين.

ازداد تغلغل المنتوجات الصينية في الأسواق الجزائرية بشكل لافت وطاغٍ خلال السنوات الأخيرة، إلى درجة احتكرت تلك المنتوجات مختلف الأسواق لاسيما السوق الخدماتية، وقد تجلى ذلك الغزو بشكل واضح في المنتوجات التقليدية التي يصنعها الحرفي المحلي يدويا، إلا أنها اليوم تبعث من الصين مستنسخة عن طريق آلالات فتخرج المادة من المصانع غير متفانية التفاصيل ولا تتمتع بأي جمال، ذلك الواقع بات يشكل ضغطا على المنتوج المحلي ويهدد بزوال بعضه. 

ومع هذا التوجه الكبير نحو المنتوجات الصينية، يقول الحرفي عبد الله، مختص في صناعة الحلي الفضية التقليدية، أصبحت السوق الجزائرية تجمع بين منتجين غير قابلين للمقارنة، ما خلق منافسة غير متكافئة، وأضاف أنه رغم المعارضة المتواصلة للمنتوجات الصينية من طرف الأغلبية الراغبة في استبعاد تلك الرداءة من السوق، إلا أن منافستها "المغرية" في السعر لا تزال تفرض نفسها إذ يفضل البعض اقتنائها غير مدرك أنها عديمة الجودة وقادرة على تهديد الحس الفني الذي تتمتع بها القطع التقليدية المصنوعة محليا من طرف حرفيين اختصوا فيها منذ سنوات.

من جهتها قالت عبير، مختصة في السيراميك، إن المشكل يتسع يوما بعد يوم، وإن تهديد الصناعة الصينية للصناعة المحلية عائق حقيقي أمام الحرفي، وهو مشكل واقع لابد أن تأخذه الجهات المسؤولة لهذا القطاع بعين الاعتبار، وذللك بالبحث عن السبل الجذرية لمنعه من التغلغل أكثر في الأسواق خصوصا التقليدية. وأضافت قائلة: "إن التوقعات تشير إلى أن هذه الحالة قابلة للاتساع مع زيادة تقليد المنتج الصيني للمحلي، هذا ما يستدعي ضرورة تركيز المستوردين خلال المعاملات التجارية والمناقصات على الجودة ومنع دخول السلع الرديئة حتى وإن كانت منخفضة السعر، ففي الواقع السعر ما هو إلا مرآة عاكسة لجودة المنتوج، فإذا كان السعر منخفضا فذلك يعني أن المنتوج رديء.

و لم يخف نزيم، حرفي في صناعة وصباغة الجلود، قلقه من التغلغل الهائل للمنتوجات الصينية المتدنية السعر والعجز عن منافستها، موضحا أن الجلد الجزائري من أجود الأنواع بالعالم، إلا أنه رغم ذلك هناك البعض من المواطنين لا يهمهم ذلك، وإنما يهرعون وراء الأسعار المنخفضة غير مبالين بمدة صلاحية تلك المنتوجات التي يقتنونها والتي عادة ما تتلف بعد بضع استعمالات فقط، كما أنها تحتوي في تركيبتها على بعض المواد المجهولة المصدر، والتي قد تكون مضرة بالصحة، غير مراعية لمعياري الجودة والسلامة مطلقا.

كما أشار نفس المتحدث إلى أن هناك من المنتوجات الصينية التي لها مواصفات جيدة، حيث لا يمكن تعميم "الرداءة" على السوق الصينية، وإنما المشكل الحقيقي يكمن في المستورد "الجزائري" في حد ذاته، حيث عادة ما يحدد في طلبيته "السعر المنخفض" وما على المنتج إلا تلبية ذلك بإنتاج بضاعة باستعمال أرخص المواد الأولية، والتي لا يجد "الصيني" حدواد في استعمال "أي شيء" لإنتاجها، موضحا أن العديد من المنتوجات قد نلاحظ فيها تلك الرائحة القوية "الكريهة" التي باتت تطبعها ويطلق عليها الزبون على أنها "رائحة الصين".

وعلى صعيد آخر قالت حسينة، زبونة بالمعرض، "لابد اليوم من تحسيس المجتمع بأهمية تثمين الصناعة التقليدية، وتشجيعها باقتناء المنتوجات المحلية المصنوعة يدويا ومقاطعة المستوردة التي لا تحمل المواصفات الفنية، خصوصا الصينية منها. وأوضحت أن ذلك التشجيع لا يكون فقط بتكثيف معارض الصناعة التقليدية، وإنما البحث عن سبل أخرى أكثر فعالية، كفتح ورشات في الهواء الطلق ومشاركة الزبون فيها، مضيفة أن قطاع الصناعة التقليدية قطاع قابل للتطوير، ويتم ذلك بإرسال في كل مرة فوج من الحرفيين إلى دول أخرى تشتهر بصناعاتها التقليدية، لتبادل الخبرات في هذا المجال واكتساب معارف جديدة تمكن الحرفي من تطوير صنعته، حتى يخرج قليلا عن المألوف الذي أصبح شبه "ممل"، وهذا لا يعني الخروج عن أصالته، وإنما البحث عن مواد أولية جديدة، كأنواع الخشب مثلا بالنسبة للمختصين في النقش عليه، أو في نوع الأقمشة التي تصنع بها الألبسة التقليدية، أوبكل بساطة في الألوان المستعملة، فكل ذلك التطوير كفيل بالترويج أكثر للصناعة اليدوية المحلية، حيث تكون قادرة على فرض نفسها وسط السلع الصينية التي لديها عامل محفز وحيد وهو السعر المنخفض الذي يشكل السمة الأساسية للمنتوج الصيني في الجزائر من حيث الرواج وإقبال الزبائن عليه، فالمستهلك رغم أن لديه خلفية راسخة عن المنتوج الصيني الذي يلقى العديد من الانتقادات، إلا أنه لا يزال يعاني من نقص الوعي للتفريق بين الجودة و السعر المتدني وتلك المرتفعة الأسعار.