يوصي الشباب بالمحافظة على الجزائر

الشيخ سي محمد قامة في تعليم القرآن

الشيخ سي محمد قامة في تعليم القرآن
  • 817
جمال. م جمال. م

"أبنائي.. أوصيكم خيرا بالجزائر، فلا وطن لكم غيرها"، بهذه الكلمات، بدأ محدثنا حديثه، وقد اشتعل الرأس شيبا والعظم وهنا والظهر انحناء، حدثنا عن حلم كان يراوده في صباه، "وإن حملا ثقيلا أبت الجبال حمله"، إنها رسالة التعليم القرآني، حينها يقول الشيخ؛ حملت نصف رغيف وحبات زيتون، هي كل مؤونتي لسفر قد يطول أو ينقص، إنه الشيخ العلامة محمد بن سليمان وناس الذي التقيناه بعد عودته إلى مسقط رأسه بعد أن قضى عقودا من الزمن تنقل فيها بين القرى والمداشر.

الشيخ سي محمد، كما يحلو لمعارفه مناداته، حفظ القرآن وسنه لم يتجاوز الـ12 سنة، قال إنه بدأ تعليمه في كتاتيب القرية على أيدي المشايخ والمعلمين، كالشيخ سي محمد بن إبراهيم، رحمه الله، وسي عيسى وناس أطال الله في عمره، وبعدها "وفي سن الـ14 عاما، تم تكليفي بتدريس مجموعة من التلاميذ إلى غاية سنة 1957، استقبلتني إدارة جيش التحرير الوطني وكلفتني بالتدريس مقابل مبلغ مالي زهيد جدا، إضافة إلى ما يعرف بالعشور (زكاة القمح والشعير)، كان ذلك على يد محمدي السعيد الملقب بسي ناصر، يقول مواصلا: "كان مجموع التلاميذ حوالي 100، بمن فيهم مجموعة من الإناث، وبعد الاستفزازات التي كانت عائلتي عرضة لها رفقة العديد من الأسر من طرف الاستعمار الفرنسي، كان لابد من الرحيل والبحث عن وجهة أخرى، فكل أخذ وجهته وكانت وجهة عائلتي مدينة المسيلة، أين التقيت بالشيخ سي لخضر بن صالح، رحمه الله، حيث أخذ بيدي وعمل على تنصيبي كمعلم للقرآن وأجرتي تجمع من طرف المواطنين وأولياء طلبة القرآن واستمر على هذا الحال لمدة 05 سنوات، وهي الأجرة التي كان يرفضها الوالد، رحمه الله، خاصة أنه كان ميسور الحال".

ويضيف الشيخ سي محمد أنه كان خياطا، وأخاط الكثير من ملابس المجاهدين إبان الثورة، "وبعد إشراق شمس الحرية والاستقلال على بلدي، واصلت على تلك الحالة إلى سنة 1966، حين رحلت إلى مدينة أقبو بولاية بجاية، أقمت عند أحدهم وكان يدعى سي الصديق لأيام وليال، وهو من تلامذة العربي التبسي في دشرة تسمى تاخليجت إبقطيطن، قضيت هناك ما يزيد عن الـ03 سنوات أعمل فيها كمعلم، لا تتعدى أجرتي عيدانا من الحطب، إضافة إلى الخضر والفواكه وقليل من اللحم كل سوق ـ أي كل أسبوع ـ وهي من عادات أهل الدشرة، وفي يوم صلى معنا أحد المسؤولين الكبار في الدولة، أعجب بصوتي في تلاوة القرآن، فأخذ بيدي وعمل على توظيفي في قطاع الشؤون الدينية، كان ذلك سنة 1976 بمسجد تفلكوت بلدية إفرحونن بتيزي وزو، حيث عملت في تلك القرية لمدة 36سنة، وبعد توظيفي واصلت دراستي للفقه وتفسير القرآن وشرح الحديث والنحو الواضح بكل أجزائه الثلاثة وحتى مقدمة محمد بن عبد الرحمان بن خلدون، أحفظ الكثير منها والحمد لله، أنا اليوم كما ترى، في العقد السابع من عمري -73 سنة ـ وكلي حيوية رغم ما أعانيه من أمراض، كالسكري وضغط الدم".

هذه هي مسيرة الشيخ محمد وناس، أو سي محمد، الاسم الذي عرف به، أو الكتاب المفتوح الذي تخرج على يديه أئمة فرسان انتشروا بدورهم في ربوع الوطن لحمل رسالة الدين والعلم وأحيل الكثير منهم على التقاعد. الشيخ العلامة سي محمد لقي أنواعا من المساعدة من القرى والمداشر التي عمل بكتاتيبها وتكريمه لم يتعد مروحة كهربائية من اجتهاد جمعيات دينية مسجديه في وقت ليس بالقريب، إلا أن مديرية الشؤون الدينية على مستوى ولاية تيزي وزو نسيته أو تناسته، وهو الذي يبقى مثالا للعطاء غير المحدود، فهو الآن ينتظر التفاتة من مديرية خدم فيها لأكثر من 36 سنة، بين موظف في القطاع ومتطوع أجرته لا تزيد عن حبات من القمح والشعير وعيدان من الحطب، لكن دائما يكتب للعظماء أن ينسحبوا في صمت.