طقوس ضاربة في عمق المجتمع الجيجلي

"الشعيلة".. نكهة احتفالية بطعم خاص

"الشعيلة".. نكهة احتفالية بطعم خاص
  • القراءات: 610
 نجاة صوكو نجاة صوكو

استقبلت العائلات الجيجلية، على غرار باقي عائلات ولايات الوطن، ككل سنة، مناسبة ذكرى المولد النبوي في جو بهيج، تميزه عادات وتقاليد متوارثة عن أجيال سابقة، فذكرى المولد النبوي أو ما يعرف عند الجواجلة بـ«الشعيلة"، لها نكهتها الخاصة، تميزها عن عادات وتقاليد باقي ولايات القطر الجزائري. واستعدادا لهذه المناسبة الخاصة، أكدت السيدة فاطمة، أنه يشرع في التحضير لهذه المناسبة روحيا ودينيا، مع إضفاء النكهة التقليدية التي تمليها خصوصية المنطقة، وعلى رأس هذه الاستعدادات، تحضير الكسكس و«الشخشوشة" و«الدويدة"، التي تقوم النسوة بفتلها وتحضيرها بأيديهن لهذه المناسبة، كما يقمن قبل ليلة المولد بالتسوق لشراء مستلزمات وحاجيات الاحتفال به، حيث يقمن بشراء أنواع مختلفة من الشموع والعنبر والبخور والحناء.

"الغرايف" أو"أسهدول" طبق تقليدي لا بد منه

يعتبر طبق الغرايف أو"أسهدول"، كما يسمى في بعض مناطق جيجل، أو "البغرير"، من الأطباق التقليدية المتوارثة عن الأجداد، حيث تقول السيدة فاطمة الزهراء، إن ربة البيت تحرص على تحضير هذا الطبق الذي يعد من السميد والبيض والزبدة وزيت الزيتون والخميرة، وتقوم بطهيه بعد ليلة مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أي في الصباح الباكر، ويطهى فوق طاجين من الطين، حيث يقدم كطبق رئيسي مع القهوة والحليب. كما تقوم ربة البيت بالتصدق به إلى الجيران أو الفقراء، هذا بالنسبة لبعض قرى ومداشر المنطقة، ومن العائلات، خاصة سكان مدينة جيجل، وبعض المناطق المجاورة لها، من يقوم بإعداد "الغرايف" عشية المولد النبوي، ويتم تقديمه كطبق رئيسي للاحتفال بتلك الليلة، وفي صباح المولد النبوي، أو "أتالت" ـ كما يسميه الجواجلة ـ تقوم ربة البيت بتحضير طبق "الطمينة" أو ما يسمى بـ"أزرير"، ويزين بالمكسرات ليقدم مع القهوة. 

أطباق "البربوشة" و"الشخشوخة" و"الدويدة" حاضرة بقوة

من بين العادات التي لا زالت العائلات الجيجلية تحرص عليها اليوم، والتي توارثتها أبا عن جد، تحضير أطباق تقليدية مختلفة ومتنوعة، على غرار "البربوشة" أو الكسكسي، و«الشخشوخة" وطبق "الدويدة"، التي تقوم النسوة بتحضيرها وفتلها من قبل، حيث يتم طبخ هذه الأطباق باللحم أو الدجاج. تروي السيدة "نعيمة"، أن هذه الأطباق تكون حاضرة عشية المولد، فمنهم من يفضل "البربوشة"، ومنهم من يفضل طهي طبق "الشخشوخة" أو "الدويدة" و«الرشتة"، وتختلف طريقة الطهي من منطقة لأخرى، فمن النسوة من يفضلن طهيها بمرق أبيض، ومنهن من يفضلها بمرق أحمر، كما تضيف السيدة نعيمة، أن مايميز هذه العادة، هو إخراج الصدقة في تلك الليلة، حيث يتم التصدق من تلك الأطباق إلى الفقراء في تلك الليلة، وهي عادة متوارثة منذ القدم، خاصة في القرى والمداشر، وفي أوساط العائلات الكبيرة التي مازالت الجدات والأمهات يحرصن على هذه العادة المحببة، كونها فرصة تسمح بإدخال بعض الفرح والسرور على نفوس الفقراء.

الشموع والبخور والحناء طقوس متوارثة عن الأجداد

إضافة إلى الأكلات الشعبية التي تحضر في هذه المناسبة، هناك عادات غريبة دأبت العائلات الجيجلية على تتبعها، ورغم اعتراض الكثير من جيل اليوم عليها ومحاولة التملص منها، إلا أنها مازالت تراوح مكانها وتقاوم رياح التجديد، فمن بين هذه العادات التي مازالت راسخة في المجتمع الجيجلي، إشعال الشموع ليلة المولد النبوي، حيث تتفنن العائلات في شراء أنواع وأحجام مختلفة من الشموع، لتوضع في كل غرفة بالبيت، وتحرص ربات البيوت على أن تضل مشعولة لأنها فأل خير ـ حسبهم-، وتنير حياتهم وطريقهم نحو الخير والبركات، كما تعبر عن فرحتهم بميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير خلق الله تعالى. كما تقوم ربات البيوت خلال تلك الليلة، بتبخير المنزل بالجاوي والعنبر، بتحضير قنينة أو صحن من الفخار وإشعال النار بداخله، حتى تطهى العصيان الخشبية وتصير عبارة عن جمر، وبعدها يوضع فيها الجاوي والعنبر، أو ما يعرف بالبخور، وتقوم بعد ذلك ربة البيت أو الجدة بتبخير المنزل كافة.

كما أن الحناء طقوس حاضرة، حيث أن الفتيات والشابات أبين إلا أن يشاركن في إحياء هذه الليلة العظيمة، بالتزين ووضع الحناء التي توحي للبهجة والسرور. وللأطفال فرحة لا توصف بهذه المناسبة، حيث يذهبون مع آبائهم إلى السوق والمحلات التجارية لشراء المفرقعات من مختلف الأنواع والأحجام، للاحتفال بها ليلة المولد النبوي.كما تعتبر هذه المناسبة بالنسبة للعائلات الجيجلية، فرصة هامة للخطبة وأخذ الهدايا للفتيات المقبلات على الزواج، حيث لا تمر مناسبة كهذه إلا وتجسد فيها طقوسا معينة، لمد جسور التواصل وتوطيد العلاقات الاجتماعية والأسرية، أي بين أهل الخطيب وأهل الخطيبة، وأخذ للفتاة المخطوبة ما يعرف في المنطقة بـ"الموسم"، وتعتبر من بين الهدايا التي تأخذ للخطيبة كلما حلت مناسبة سعيدة، ومن بينها ذكرى المولد النبوي، حيث تقول السيدة "حورية"، أخد "الموسم" للعروسة المستقبلية، من خلال تقديم مجموعة من الهدايا من بيت الخطيب إلى بيت الخطيبة.

ويكون مقدار هذه الهدايا بحسب الإمكانيات التي تتوفر لدى الخطيب من ألبسة، أو قطعة من ذهب كخاتم أو سوار، بالإضافة إلى بعض المأكولات كالفطير أو "الفتات"، إذ تقوم أم العريس بتحضيره لخطيبة ابنها كعربون محبة بينهما، لأن من تأخذ طبق الفطير أو كما يسمى طبق "الفتات" في بعض المناطق لخطيبة ابنها، دليل على مدى اهتمامهم وتقبلهم لهذه الخطيبة التي تكون الزوجة المستقبلية للإبن. كما للعروس حديثة الزواج، نصيبها خلال هذه المناسبة، حيث يقوم أهل العروسة بزيارتها وإعطائها "الموسم"، بتحضير الأم للعديد من الأطباق التقليدية لابنتها، من أجل توطيد صلة الرحم ومد جسور التواصل بين العائلتين، حتى لا تحس الفتاة أنها صارت لا تحظى باهتمام أكبر من قبل عائلتها الأصلية بعد زواجها.