بين الوعي والخوف..
"الشعارات الوردية" لا تكفي للانتصار على سرطان الثدي

- 187

❊ النجاح هو الأثر الملموس في تغيير السلوك والمواقف
❊ تأجيل الفحص بسبب الخوف من النتيجة، الشعور بالعار، أو عدم وجود وقت للكشف
❊ الكشف المبكر ينقذ الحياة بنسبة تفوق 90٪ في بعض الحالات
لم يعد سرطان الثدي ذلك العدو الصامت الذي يتسلل في الخفاء، بل أصبح عنوانا لحملات توعوية لا حصر لها، تنظم في المدارس، الجامعات، أماكن العمل، المستشفيات، وحتى في الشوارع، عبر الملصقات والإعلانات السمعية والبصرية، لتتكرر كل أكتوبر شعارات من قبيل "افحصي الآن"، "الكشف المبكر حياة"، وغيرها، تضاء المعالم الشهيرة حول العالم باللون الوردي، في تضامن رمزي مع الناجيات والمصابات، لكن، خلف هذا المشهد البصري الواسع، يبرز سؤال جوهري "هل نجحت هذه الحملات فعليا؟" و"هل غيرت وعي النساء وسلوكياتهن تجاه الكشف المبكر؟".. تساؤل حملته "المساء" للمختصة في طب الأورام الوقائية، الطبيبة أمينة خلاص.
النجاح ليس مظهرا خارجيا يقاس بعدد الشعارات المرفوعة، هذا ما استهلت به الطبيبة حديثها، وقالت "إن النجاح هو الأثر الملموس في تغيير السلوك والمواقف"، وأضافت "بالنظر إلى الإحصائيات والتقارير الطبية، يمكن القول إن حملات التحسيس نجحت جزئيا، فالكثير من النساء أصبحن على دراية بمفهوم الفحص الذاتي، وبأهمية إجراء الماموغرافي بشكل دوري بعد سن الأربعين، بل إن بعضهن بتن يتحدثن علنا عن تجربتهن مع المرض، في خطوة غير مسبوقة، كانت من المحرمات الاجتماعية سابقا".
تشدد الطبيبة "لكن هذا النجاح يبقى غير مكتمل، خصوصا إذا قورن بنسبة النساء اللواتي يلتزمن فعلا بالفحص الدوري، فالعديد من المختصين في الصحة العامة يشيرون إلى فجوة واضحة بين المعرفة والسلوك، أي بين وعي النساء بخطورة المرض، وتبنيهن الفعلي لسلوك الكشف المبكر"، موضحة أنه لا تزال هناك نقائص تؤول دون ذلك، منها المشكلة في الحملات، وأحيانا في البيئة الاجتماعية وحتى النفسية المحيطة بالمرأة.
وتقول الدكتورة، إن أغلب النساء اللواتي نلتقي بهن في العيادات، يعرفن جيدا ما هو سرطان الثدي، لكن يملكن معلومات سطحية عن الفحص الذاتي أو التصوير الشعاعي، وعادة تجدهن يؤجلن الفحص لعدة أسباب، كالخوف من النتيجة، الشعور بالعار، أو ببساطة عدم وجود وقت وسط مسؤوليات الأسرة والعمل".
ما تقوله الدكتورة يسلط الضوء على أحد أكبر العوائق، وهو الخوف، فالخوف من اكتشاف المرض لا يزال حاجزا نفسيا يعطل الكثيرات عن اتخاذ خطوة الكشف، تشدد محدثتنا، مضيفة أن هناك من ترى في المرض وصمة، أو تعتبره حكما بالموت، ناسية أو متناسية أن الكشف المبكر ينقذ الحياة بنسبة تفوق 90٪ في بعض الحالات، حسب منظمة الصحة العالمية.
من جهة أخرى، هناك بُعد اقتصادي وجغرافي لا يمكن تجاهله، توضح الطبيبة، ففي بعض المناطق الريفية، لا تتوفر المراكز الصحية القادرة على إجراء التصوير الشعاعي، أو تعد كلفته باهظة بالنسبة لبعض النساء، ما يجعل التوعية غير كافية، إن لم ترافقها سياسات صحية عادلة، تقر مثلا، مجانية الفحص الدوري، وتقربه من الفئات الهشة، إذ لا يمكن دائما الاعتماد على الرقمنة للتوعية والتحسيس، ما دامت من الوسائل التي لا تصل إليها مطلقا بعض النساء من المناطق النائية والبعيدة عن التكنولوجيا تماما.
وتضيف أمينة خلاص، أنه لا يمكن إغفال دور الثقافة السائدة وسط المجتمع، وبين بعض سكان عدد من المناطق، ففي بيئات ترى الحديث عن الجسد والمرض من المحرمات، إذ تجد النساء حرجا في طلب الفحص أو حتى في الحديث عنه، ما يرسخ ثقافة الصمت والخجل، بدلا من الجرأة والتحدي والوقاية، فهناك أحيانا خجل حتى من ارتداء نظارات طبية، فما بالك الحديث عن أكثر الأعضاء حميمية لدى المرأة، على حد تعبيرها.
مع ذلك، فإن الأمل موجود، تُطمئن الطبيبة، حيث قالت "قد ساهمت قصص الناجيات، التي أصبحت تروى اليوم علنا على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي البرامج التلفزيونية، في كسر الطابوهات، وتعزيز صورة المرأة القوية التي تواجه المرض بشجاعة، وهذه التحولات الرمزية، تضيف، تلعب دورا كبيرا في تشجيع أخريات على الفحص، خاصة الشابات".
في الأخير، أوضحت الطبيبة، أن حملات التحسيس بسرطان الثدي، حققت خطوات إيجابية في رفع الوعي، لكنها لا تزال بحاجة إلى تعميق هذا الوعي وتحويله إلى سلوك يومي راسخ، ولن يتحقق هذا فقط بالشعارات، بل بتكثيف العمل على المستويات النفسية، الثقافية، والاجتماعية، وتسهيل الوصول إلى الخدمات الطبية، والنجاح الكامل لن يقاس بعدد الملصقات، بل بعدد الأرواح التي تم إنقاذها، والنساء اللواتي اخترن الحياة عبر فحص مبكر، لا عبر انتظار صامت.